إخترت بداية (منذ فيفري 2005) أن أدون في اختصاصي الأكاديمي و بلغتي الأكاديمية. كانت تلك و لازالت تجربة مميزة سمحت لي التعرف على شبكات متوارية خلف الأكاديميا مهتمة بتاريخ الفن و الإسلام. لكن شيئا فشيئا استرجعت بعض الحنين للتعليق على الشأن العام و بلغتي الأم. منذ تحولت للدراسة في الولايات المتحدة قررت التركيز فقط على الشأن الأكاديمي. يرجع ذلك لأسباب عديدة ليس أقلها التجربة الشخصية المخيبة للأمال. و هي تجربة بدأت من دون إختياري—بنشأتي ضمن عائلة سياسية بامتياز. و لكنها ظرفية لا تستدعي التذمر على كل حال. حيث تعلقت بمسائل الشأن العام بمعزل عن الظروف المهيئة العائلية. كان التماس مع الموقع السياسي البارز لوالدي مناسبة مبكرة لتعلم "الصنعة" و لكن أيضا للتعرف الباكر على المسافة الضرورية بين السياسة و التفكير و التأمل. و كانت الرغبة الأبوية في ممارسة أبوية سياسية شديدة التواري ميزة إيجابية أساسية للوالد غير معتادة بالنسبة للعائلات السياسية منحتني مجالا غير متوقع للإختيار و حرية البحث و المغامرة الإيديولوجية.

مع حلول التسعينات إلتحقت بالدراسة الجامعية و بشكل مفاجئ تحولت أنا الشخص الخجول و الصامت عادة إلى ما يشبه "الزعيم الشعبوي" في زمن غير مناسب ليس للزعامة الطلابية الرومنسية فحسب بل للإنخراط الإحتجاجي في الشأن العام بالأساس. كانت تلك تجربة مثيرة أشعر أن الوقت قد حان للحديث عنها مع المسافة المناسبة للتفكر في تجربة لازالت حينية. سأفعل ذلك ربما في وقت لاحق مع الأسباب الأخرى التي أبعدتني عن الشأن العام. على كل تغيرت الزوايا التي أنظر من خلالها بشكل عميق منذ سنوات دراستي الأخيرة في تونس. ثم تشكلت لدي حساسية سياسية/فكرية أقل توترا في ظل ثلج فيلادلفيا الدافئ.

رجعت للانخراط في الشأن العام من خلال سلسلة من المقالات كان حافزها في البداية أكاديمي. و لكن بدون أي حسابات وجدت نفسي على خطوط التماس بين الشأنين العام و الأكاديمي. كان مقالي حول "خطاب البابا" في موقع "الجزيرة.نت" و ما حفت به من ردود أفعال دليلا متوقعا على عدم القدرة على الفصل المطمئن بين كتابة الإختصاص و كتابة الشأن العام. هذا ما دفعني أيضا للكتابة عن خلفيات "حرب الصيف" في ظل الإعلام ذي البعد الواحد و المصطف كما في معسكر قروسطي على "الكابل" الأمريكي. أخيرا أصبح التماس مع الشأن العام ملحا الى درجة تضمنه المستمر تقريبا في الشأن الأكاديمي ("حفريات القدس"، "الإسلام و العلمانية في تركيا"...).

هذه، في النهاية، بمثابة "عودة الإبن الباذخ"
The Return of the Prodigal Son
القصة التوراتية المشهورة. و لكن الأب في هذه الحالة هو الشأن السياسي العام.

ملاحظة حول الصورة: هذه أحد أشهر اللوحات التي جسدت موضوعة "عودة الإبن الباذخ". من رسم رمبراندت حوالي سنة 1669 و محفوظة في الهرميتاج في سانت بيترسبورغ. ذات مقاس كبير بحجم "اللوحات التاريخية" حيث ترواح 262 على 206 سم. أسلوب رمبراندت الدافئ في آخر حياته يلتقي مع تناول رومنسي محمل بعاطفية مكثفة يفارق الصيغة التبشيرية و التعليمية الجافة للقصة التوراتية.



عدد التعاليق: 1

    تعليق: عماد حبيب ...  
    7 ماي 2007 في 3:09 ص

    عزيزي طارق تقبل تحياتي و تهاني لمستوى مدونتك

    عماد



طارق الكحلاوي
نشأ طارق في أحد مدن الضواحي مدينة رادس الواقعة في الجمهورية التونسية. يشغل الآن موقع أستاذ في جامعة روتغرز (قسمي التاريخ و تاريخ الفن). تلقى طارق تكوينه الجامعي في جامعة تونس (كلية 9 أفريل، إجازة و دراسات معمقة في التاريخ و الآثار) و جامعة بنسلفانيا (رسالة دكتوارة في تاريخ الفن). و يعلق بانتظام على القضايا و الاوضاع العربية باللغتين العربية و الانجليزية في مواقع و صحف مثل "الجزيرة.نت" و "القدس العربي" و "الحياة" و "العرب نيوز" و "ميدل إيست أونلاين"، و يكتب عمودا أسبوعيا في جريدة "العرب" القطرية. يكتب أيضا في قضايا ثقافية و نظرية تخص الاسلام المعاصر في المجلة البيروتية "الآداب". و تمت استضافته للتعليق في قناة "الجزيرة الفضائية" و قناة 13 "بي بي أس" (نيويورك).

Tarek Kahlaoui
Tarek grew up in the suburban city of Rades in Tunisia. He is currently an Assistant Professor at Rutgers University (a joint position in the Art History and History departments). Tarek graduated from the University of Tunis (Bach. and DEA in history and archeology) and University of Pennsylvania (Ph.D. in history of art). Tarek also comments regularly in Arabic and English on Middle Eastern issues and politics in Aljazeera.net, Al-Quds Al-Arabi, Al-Hayat, Arab News, and Middle East Online, and writes a weekly column for the Qatari newspaper Al-Arab. He also writes on intellectual and theoretical issues related to contemporary Islam in the Lebanese magazine Al-Adab. He was also invited to comment in Al-Jazeera Channel, and in Channel 13 (PBS-New York).