دعني أكون صريحا... لا يوجد ما يكفي من المثقفين في هذا الزمن الأحول... الأدعى للنواح أن ينتحل شخصية المثقف من لا يملك سوى ربطة عنق و شال حريري... و نظارات من آخر موديل... فذلك كافي لدى البعض حتى يتم تعميدك بماء الجردل و البصاق "مثقفا" من الطراز الأول.
العزاء أنه يوجد رغم كل ذلك الغبار من لم يتم نهب عقله و شرفه الثقافي... و من يستطيع أن ينبس بشيئ من الذكاء.... الصديق سماح إدريس وارث مؤسسة "الآداب" البيروتية العملاقة (الباقية رغم كل الورق المطبوع زورا) من الذين يكتبون العقل بجمال. الأكثر جلبا للإهتمام و السعادة أن سماح (و الذي خاطبته أول مرة على أنه إمرأة "لأننا في تونس نسمي البنات فقط سماح" مثلما قلت له بارتباك بالغ، و لكن "ذلك ليس مهما على الإطلاق" أجابني من أصبح منذ تلك اللحظة صديقا إفتراضيا)، ما يجلب الإهتمام و السعادة إذا أن سماح مثقف شاب و هو صنف بالغ الندرة الآن. هو أيضا شخص يحتج بأناقة المثقف متى يصبح ذلك ضروريا مثلما كان الحال في "حرب الصيف" الأخيرة. نسيت أن أقول أن سماح كاتب قصص أطفال بارع (و كذلك ناجح تجاريا!).

المميز في الفقرات التي سأنقلها هنا من مقدمة مقاله الصادر اليوم في القدس العربي أنها تواجه الشعبوية بشكل راديكالي... و لكنها شعبوية غير منتظرة، شعبوية متوارية وراء غطاء كثيف من "الليبرالية" و "التقدمية" و "الحداثة"، باختصار ليبرالية مغشوشة بتزويق و ماكياج بدوي .
أرجو لمن لا يستطيع تحمل بعض الذكاء المعقد بعربية فصحى الإمتناع عن قراءة مقاله هذا.

" أسوأ ما في الصحافة الثقافية والاعلام شبه الثقافي هو ان يتصدي مثقفون عرب، وباسم الوعي النقدي الحديث ، للبني التقليدية المتخلفة، والغيبية العربية، والسلطات القومية المستبدة، والظلامية الاسلامية، واليسار الديكتاتوري.. لكنهم لا يلبثون ان يمتدحوا الاعتدال السعودي والوهابي والجنبلاطي، والمرونة المصرية، والواقعية الفلسطينية، والعقلانية الغربية. هكذا، مثلا، نقرأ ادونيس ينتقد الهياكل الثابتة والاصوليات العربية انتقادا استشراقيا مليئا بالعموميات والاحادية (علي طريقة رافاييل باتاي احيانا)، لكنه يكرس كتابا كاملا، اختار نصوصه وقدم له هو والدكتورة خالدة سعيد، في فكر الشيخ الامام محمد بن عبد الهاب ، وذلك ضمن سلسلة ديوان النهضة: دراسات ونصوص تمثل رؤية جديدة للنهضة العربية (بيروت: دار العلم للملايين، 1983). وهكذا تحول احد عتاة الفكر الجامد والثابت، وعلي يد احد رموز الحداثة، الي احد رواد النهضة العربية!(1) وبالمثل، وان علي مستوي فكري ادني بكثير، نجد شاكر النابلسي، بعد ان طلق الماركسية والقومية ثلاثا، يمتدح شعر (نعم، بكسر الشين) الامير خالد الفيصل، بل ويعده من رواد الحداثة والفكر العربي.(2) وكنت في سنة ماضية قد ذكرت كيف تحول كثير من مثقفي الحداثة في لبنان الي مبخرين للماكينة الحريرية، بحيث جيروا حداثتهم وعلمهم الكبير في مديح الرئيس الراحل رفيق الحريري، وخليفته الشيخ سعد، وصديقهما الرئيس السنيورة. طبعا من حق اي كان ان يمتدح من يعتبره اهلا للمديح، ولكن ان يصبح الحريري شاعر الامكنة علي لسان شاعر الحداثة بول شاوول (في برنامج خليك بالبيت علي شاشة المستقبل شتاء العام 2005)، وان يصبح الرئيس الراحل نفسه مثقفا ما بعد حداثيا (لو كان حداثيا فقط لفهمنا!) ذا فكر مركب، خلاق، متعدد الوجوه علي لسان مثقف العقل التحولي والناقد التفكيكي لـ اوهام النخبة علي حرب (وعلي الشاشة نفسها)، فذلك ما يزرع الشك في النفوس."

بقية المقال على هذا الرابط.


Update
بعد التراسل مع الصديق سماح إدريس تبين للأسف أن صحيفة القدس العربي قد أخذت نص إفتتاحيته للعدد الجديد من مجلة الآداب دون علمه و نشرتها مع كثير من الأخطاء اللغوية... و قد فاجئني أن يحدث ذلك من قبل هيئة تحرير القدس العربي المشهود لها بالمهنية... .


عدد التعاليق: 1

    تعليق: عماد حبيب ...  
    31 ماي 2007 في 4:05 ص

    أدونبيس يكتب عن عبد الوهاب ؟؟؟؟

    رؤية جديدة للنهضة العربية


    و قبله مظفر النواب في أبوا ظبي في ظيافة نفس الشيوخ أولاد الـ
    ...

    صديق عراقي قديم قال لا تحكموا على شاعر قبل موته


    هل ينقصنا أزمات لتزيدنا أزمة مثقفين يا طارق ؟

    nb :
    أنا لم أقرأ الكتاب المذكور، أبني تعليقي فقط على ما فهمته من النص أعلاه



    رؤية جديدة للنهضة العربية



طارق الكحلاوي
نشأ طارق في أحد مدن الضواحي مدينة رادس الواقعة في الجمهورية التونسية. يشغل الآن موقع أستاذ في جامعة روتغرز (قسمي التاريخ و تاريخ الفن). تلقى طارق تكوينه الجامعي في جامعة تونس (كلية 9 أفريل، إجازة و دراسات معمقة في التاريخ و الآثار) و جامعة بنسلفانيا (رسالة دكتوارة في تاريخ الفن). و يعلق بانتظام على القضايا و الاوضاع العربية باللغتين العربية و الانجليزية في مواقع و صحف مثل "الجزيرة.نت" و "القدس العربي" و "الحياة" و "العرب نيوز" و "ميدل إيست أونلاين"، و يكتب عمودا أسبوعيا في جريدة "العرب" القطرية. يكتب أيضا في قضايا ثقافية و نظرية تخص الاسلام المعاصر في المجلة البيروتية "الآداب". و تمت استضافته للتعليق في قناة "الجزيرة الفضائية" و قناة 13 "بي بي أس" (نيويورك).

Tarek Kahlaoui
Tarek grew up in the suburban city of Rades in Tunisia. He is currently an Assistant Professor at Rutgers University (a joint position in the Art History and History departments). Tarek graduated from the University of Tunis (Bach. and DEA in history and archeology) and University of Pennsylvania (Ph.D. in history of art). Tarek also comments regularly in Arabic and English on Middle Eastern issues and politics in Aljazeera.net, Al-Quds Al-Arabi, Al-Hayat, Arab News, and Middle East Online, and writes a weekly column for the Qatari newspaper Al-Arab. He also writes on intellectual and theoretical issues related to contemporary Islam in the Lebanese magazine Al-Adab. He was also invited to comment in Al-Jazeera Channel, and in Channel 13 (PBS-New York).