أصبح من المعتاد قراءة مقالات روتينية و قليلة الإحساس في الصحافة التونسية... و لكن يكتب أحيانا بعض الصحفيين ما يعكس رغبة في كتابة صحفية أفضل و بعض التذمر من الوضع الإعلامي الراهن... تندرج ضمن هذا الإطار إفتتاحية جريدة الصباح في عدد اليوم
لا يحتاج الحديث عن الوضع الإعلامي إلى مداخلات معمقة ومنمقة وإلى مزايدات من بعضهم من خارج القطاع يلقون بتهمهم كيفما شاؤوا ويصنفون الصحافيين وفق أهوائهم أو يضعونهم جميعا في خانة واحدة ثم ينتصبون ملقنين دروسا نظرية للإعلاميين علهم يستفيدون من تجاربهم (إن كانت لهم تجارب وخبرة تذكر) فيستفيقون على وقع جملة من «الاكتشافات المذهلة».

نسوق هذا الكلام بعد الهجمة على الصحافة والصحافيين فيما يشبه عملية تشهير وقدح تستهدف العاملين في القطاع ولكن تبقى حقيقة واحدة وهي أن القطاع لا يمر بمعضلة بقدر معاناته من سلوكيات وعادات من السهل تجاوزها لتصبح مجرد تاريخ - وهذا ليس مستحيلا - متى توفرت الإرادة الجماعية.
فمنذ أيام انعقد اجتماع ضم المكلفين بالإعلام بالوزارات والمؤسسات العمومية والمشرفين على وسائل إعلام وطنية لتفعيل توصيات ندوة وطنية عقدت قبل بضعة أشهر حول النفاذ إلى مصادر الخبر ولكن المؤسف في الأمر- ونحن جميعا نرغب في تحسين مستوى الصحافة التونسية- طيلة تلك الفترة (6 أشهر) وبعد الاجتماع الأخير بقيت مسألة الوصول إلى مصادر الخبر والحصول على المعلومة على حالها: نفس عدد المصادر المتعاونة وأحيانا مبادِرة وهو عدد قليل والبقية منعزلة عن الأجواء الصحفية وكأنها في كوكب آخر زد على ذلك شيئا من الروتين الإداري المتمثل في وجوب إرسال فاكس بمطلب للحصول على المعلومة أو بالأسئلة الموجهة -مسبقا- لمسؤول ما أو حتى برخصة لزيارة مؤسسة أو منشأة عمومية.
وتبقى المعلومة أساس العمل الصحفي لأنها بتوفرها وتعددها تعطي للصحافة جانبا من مشروعية وجودها وتضفي عليها المصداقية المطلوبة.. فلا يعقل أن تكون هناك صحف يومية تعتمد كليا على البلاغات والبيانات ويتعثر دورها بمجرد الرغبة في إجراء حديث صحفي أو إنجاز روبرتاج أو تحقيق لأن بعض الأبواب موصدة من منطلق الحرص على التخفي من أجل إخفاء الحقائق عن الرأي العام وكبار المسؤولين حتى تسير الأمور بلا «مشاكل» لأنصار حجب المعلومة الذين يفترض أن يكونوا أمناء عليها لا بإخفائها بل بتزويد الصحافيين بها.
وهناك مسألة «الرقابة الذاتية» التي ألصقت بالصحافيين حتى صارت بمثابة الختم على جبين كل واحد منهم وهو ما يعني ضمنيا تحميلهم كامل المسؤولية في فقر الانتاج الصحفي، لكن ألا تكون ما يسمى بالرقابة الذاتية نتيجة طبيعية لانعدام المعلومة بالنسبة لصحفي يلهث أحيانا فترة طويلة وراء عناصر خبر فلا يجد من المعطيات (تأكيد خبر ما أو تفاصيله) ما يخول له نشر مقال بما يتماشى والحرفية؟
وألا ترتبط «الرقابة الذاتية» لدى الصحفيين والمؤسسات الإعلامية بتعليمات تساق بأية طريقة في مسائل عديدة دون دراسة مسبقة وبغموض يتيه في طياته الصحفي فينسج على منوالها في مرات لاحقة ليحتكم في نهاية المطاف إلى «فقه الإعلام» أي اعتماد السابقة كمرجع فتصبح مقياسا لديه؟
إن تطوير أداء وسائل الإعلام مسؤولية جميع الأطراف المعنية مباشرة بالقطاع وبالتالي فهناك ضمانات وأطر لا يجب إغفالها لأن الصحافة لها دورها في التنمية والمساهمة في إقامة دعامات جمهورية الغد وفي إنارة الرأي العام في زمن الفضائيات والأنترنات وفي أن تكون مرآة صادقة لما بلغه المجتمع التونسي من نضج وتطور ولما حققته تونس من تقدم في مختلف المجالات.. إنها مكسب لا يجب ترك كل من هب ودب القدح فيه بصورة مجانية.
نور الدين عاشور


عدد التعاليق: 2

    تعليق: Sami III ...  
    18 ماي 2007 في 10:09 ص

    هذا جوابهم على ما قيل في قناة الجزيرة أمس في فقرة حصاد اليوم.


    تعليق: Tarek طارق ...  
    18 ماي 2007 في 3:55 م

    يظهرلي هذايا جواب بالنيابة على جمعية الصحفيين على انتقادات وجههالهم الملولي في الندوة إلي يحكي عليها متع مصادر الخبر



طارق الكحلاوي
نشأ طارق في أحد مدن الضواحي مدينة رادس الواقعة في الجمهورية التونسية. يشغل الآن موقع أستاذ في جامعة روتغرز (قسمي التاريخ و تاريخ الفن). تلقى طارق تكوينه الجامعي في جامعة تونس (كلية 9 أفريل، إجازة و دراسات معمقة في التاريخ و الآثار) و جامعة بنسلفانيا (رسالة دكتوارة في تاريخ الفن). و يعلق بانتظام على القضايا و الاوضاع العربية باللغتين العربية و الانجليزية في مواقع و صحف مثل "الجزيرة.نت" و "القدس العربي" و "الحياة" و "العرب نيوز" و "ميدل إيست أونلاين"، و يكتب عمودا أسبوعيا في جريدة "العرب" القطرية. يكتب أيضا في قضايا ثقافية و نظرية تخص الاسلام المعاصر في المجلة البيروتية "الآداب". و تمت استضافته للتعليق في قناة "الجزيرة الفضائية" و قناة 13 "بي بي أس" (نيويورك).

Tarek Kahlaoui
Tarek grew up in the suburban city of Rades in Tunisia. He is currently an Assistant Professor at Rutgers University (a joint position in the Art History and History departments). Tarek graduated from the University of Tunis (Bach. and DEA in history and archeology) and University of Pennsylvania (Ph.D. in history of art). Tarek also comments regularly in Arabic and English on Middle Eastern issues and politics in Aljazeera.net, Al-Quds Al-Arabi, Al-Hayat, Arab News, and Middle East Online, and writes a weekly column for the Qatari newspaper Al-Arab. He also writes on intellectual and theoretical issues related to contemporary Islam in the Lebanese magazine Al-Adab. He was also invited to comment in Al-Jazeera Channel, and in Channel 13 (PBS-New York).