توة عندي حوالي الأسبوع ملي جيت لتونس و حسيت في البداية بفقدان كامل لأي رغبة في التدوين.... كاينو التدوين المدة لخرة خاصة ملي بديت مدونة أفكار ليلية كان مجرد همزة وصل مع تونس قبل ما نرجع و كي رجعت كاينو ماعادش فما ضرورة بش نكمل ندون... لكن بالطبيعة لحكاية ظهرت دودة و خوكم رجعتلو النفحة...
السخانة و الغبرة و العجة ميكست
باهي ليامات لولة ملي رجعت كانت بالطبيعة لقاءات مكثفة مع صحابي و العايلة بش نتدارك إلي فاتني.... بخلاف هذاكة أول ملاحظة هي السخانة الهم الجمعة إلي فاتت... أما بون بما أني نسهر إمخر و نقوم إمخر ما فماش علاش بش نحس بحاجة كبيرة خاصة إلي ما نخرجش مل الكليماتيزور في الدار و الكرهبة و القهوة... على خاطر أنا نحمل كل شي إلا السخانة الله غالب مانجمش.... إلي ينجم يخلي السخانة جحيم هي الغبرة... الغبرة... أب أب أب... ملا هم... الغبرة تتحير في الصيف... ديما فما غبرة خاصة مع الكماين الكبار و الشانتيات متاع الكياسات خاصة في رادس الغبرة ما توفاش.... أما الحقيقة بالنسبة للشانتيات فما الكياسات الجدد إلي حضرو (خاصة القصة من رادس لتونس ورا سيدي رزيق و مقرين) و إلا إلي يحضرو فيهم (خاصة الجسر بين رادس و حلق الوادي) يلزم الواحد يقول الرسمي حاجة باهية.... باهي توة نجي للمستجدات من نوع آخر و إلي فاتتني و أنا البرة... أولا التمخميخ... فقت إلي بعد مرحلة الملاوي و الشاباطي فمة غرمة جديدة في مطاعم "الأكلة الخفيفة" (يحب يقول اللبلابي و الهرقمة) بالعجة ميكست (مخلطة) بالمرقاز و الكروفات... بالطبيعة هذية زادة أكلة خفيفة... و أنا نموت على الأكلة الخفيفة متاع تونس... ما كيفها حتى أكلة خفيفة.... ثانيا... "حي النصر"... إلي مشيتولو توة عامين إلتالي وقتلي غرق في الفياضانات... و قالولي "لا يا راجل ولى حاجة خارقة للعادة"... آخي مشيت نطل لقيت.... الغبرة الغبرة أب أب أب... الغبرة ماتوفاش في حي النصر و زيد معاها برشة صفاقسية (مع احترامي لاخواني المدونين الصفاقسية أما راني ما نجمش نحمل الغبرة مع السخانة مع الصفاقسية في بقعة وحدة) باهي صحيح فمة شوية قهاوي و رستورونات ألا أمريكان (هافانا، و إلخ)... أما الحقيقة كالعادة ماخيبوليش ظني السرفيس حموم و الماكلة متوسطة... و نخير الرستورونات المسخين متاع وسط البلاد متاع الأكلة الخفيفة (خاصة صاحبي ولد حنيفة) عليهم بألف مرة..... مازال بالطبيعة عندي ملاحظات أخرى خاصة على جيان العظيم و المتسوقين في كارفور... أتوة نجيها إل مرة إجاي
الجمهورية و الملكية الدستورية
توة بعد ما وفينا من الاحتفالات بالخمسينية و اليوبيل الفضي ربما جا الوقت بش نتساؤلو بعض الأسئلة غير الودية... أول سؤال هو أكثر سؤال بديهية: هل كان في النهاية من الضروري أنو قادة دولة الاستقلال يقررو الإعلان على جمهورية.... توة أصبح من الواضح كيفما مثلا قالو بعض المؤرخين في عدد الصباح متاع البارح إلي الجمهورية فشلت أن تتحقق بحضور الرئيس الراحل بورقيبة إلي أصر من البداية و في تفاصيل الدستور و في التنقيحات اللاحقة و الأهم من هذا الكل في ممارساتو أنو يحول النظام الرئاسي الجمهوري إلي نظام شبه ملكي.... و في الحقيقة نطرح التساؤل هذاية في وقت إلي تشوه فيه من قبل بعض المنتمين للعائلة الحسينية و إلي مازالو يعتبرو البلاد ملكهم و تسرقت منهم و ماذابيهم كان نرجعو لعهد البايات و الراطسة هذية مازالت موجودة عنا بما فيها من "طبقة النبلاء" البلدية إلي يعتقدو رواحهم من عرق أرقى.... نطرح التساؤل هذا، إذا، من زاوية أخرى تماما: نطرحها من زاوية هل كان الإعلان على الجمهورية عقبة أمام التحول الديمقراطي في تونس؟ نطرح التساؤل هذا على خاطر بورقيبة رسخ في نهاية الأمر تركيبة بنيوية مش من الساهل بش تتنحى مفادها أن مؤسسة الرئاسة مرتبطة عضويا بمؤسسة الحزب الحاكم و بالتالي التداول يلزم يتم عليهم لثنين و هذاية ماكانش ممكن... في مقابل هذا في أمثلة أخرى تقربلنا من الناحية الجغرافية و الثقافية كيفما المغرب و الأردن كانت استقلالية مؤسسة الملكية عن بقية النظام السياسي مهمة برشة في تسهيل الانتقال سلميا نحو حد أدنى من التداول السلمي على الأقل في المؤسسة البرلمانية... في المغرب وصل الأمر لترؤس الحكومة من قبل إتحاد القوى الاشتراكية إلي أسسو المهدي بن بركة و كان في بداية دولة الاستقلال بمثابة الحزب الحاكم قبل مطاردتو من الملك و العركة بينات الحسن الثاني و المهدي بن بركة.... و برغم هذاكة و لأنو الملك ماعمرو مارتبط عضويا و رسميا بأي حزب كان ساهل بش يعاود يقحم حزب اتحاد القوى الاشتراكية في السلطة قبل ما يتوفى... و توة هاو حزب كيف حزب العدالة و التنمية المغربي إلي يشبه برشة لنظيرو التركي يحضر في روحو بش يستلم السلطة كيفما كل استطلاعات الرأي قاعدة تقول... صحيح إلي الملك مازال يحتفظ بحق تعيين "وزراء السيادة" خاصة الخارجية و الداخلية و الدفاع و لكن هذيكة هية ميزات أي مرحلة انتقالية نحو الديمقراطية... بالطبيعة مقابل هذاية فما سؤال آخر بديهي زادة و إلي هوة أنو قادة الحركة الوطنية ماكانو قادرين بش ينحيو الملكية إلا لأنو الملكية هي ضعيفة أصلا و أمورها تاعبة خاصة بعدما تآمرت العايلة الحسينية مع الفرنسيس على الباي الوحيد إلي كان ينجم يضمن تأسيس ملكية دستورية قوية في دولة مستقلة يعني المنصف باي... يعني في النهاية إعلان الجمهورية ماكان ممكن إلا لأنو الملكية الدستورية ماعادش ممكنة... و هذاية يأدي بينا لأنو نلغيو التساؤل لول ("هل كان من الضروري إعلان الجمهورية") لأنو بكل بساطة هذيكة التركيبة السياسية متاع وقتها شنوة كانت تنجم تأدي.... خاصة مع ظروف مساعدة كيفما ضعف القيادات الحزبية غير الموالية تاريخيا لبروقيبة مع انشقاق صالح بن يوسف و موت الهادي شاكر... لكن هذا ما يلغيش الملاحظة الثانية (هل كانت "الجمهورية" عقبة أمام الديمقراطية؟") لأني نعتقد أنها في النهاية ما تبعدش برشة على الخزمة
حول مجتمع المدونين
فمة زوز ملاحظات مختصرة. أولها ترحيبي بالمبادرة متاع حاكم النورمال لاند بِإنشاؤو لمدونة بودورو إلي أصبحت نكتب فيها بدوري.... ثانيا عندي ملاحظة حول تذمر الصديق آدم من الكلام الزايد متاع واحد من المدونين... و في الحقيقة نحب نقول لهنا إلي آدم عندو كل الحق في أنو يرفض أنو يمسخولو المدونة متاعو بحاجات هو يرفضها نقول لكلام هذا خاصة بعد إلي عرفت إلي المدون المغروم بالكلام الزايد (و هذاية بالمناسبة حقو) يعاني من بعض المشاكل مع ذاتو و بلغة أخرى خواف "فوق العادة" حسب ما فهمت... خاصة أن السيد وقتلي تعرضت المدونة متاعو للحجب يظهر حتى طلب "عدم التضامن" معاه و هذية أول مرة نسمع بيها بحاجة كيفما هكة... و هذاكة علاش إذا كانو ناقم على روحو يلزم يحل المشكلة في مدونتو مش في مدونات ناس أخرين و هذاية ما ينقصش في حرية التعبير متاعو مادامو يلعب قدام دارهم
ملاحظة أخيرة
أهم حدث الصيف هذاية من الناحية الشخصية هو طهور ولدي الصغرون إلي عمرو عشرة أشهر أكهو... بعض الناس لاموني علاش ما طهرتوش ملي تولد و رتحتو... خاصة إلي الطهور في أمريكا ولى تقريبا بشكل آلي مع الولادة.... لكن في الحقيقة ما حبيتش نحرمو نهار آخر من تصاور الطهور إلي نعرف أنهم من أهم التصاور في الألبومات متاعنا... زيد في العمر هذاية ما يتقلقش و فيسع ما يبرى... وهذاكة إلي حصل في النهاية
أيا العاقبة لأبنائكم أجمعين


عدد التعاليق: 12



أخيرا صدر العدد الخاص (الملف الأول) بموضوع العلمانية من مجلة الآداب البيروتية و ذلك تحت عنوان "العلمانية في السياق العربي الإسلامي" و يمكن الإطلاع على بعض المقالات على الموقع الإلكتروني و لكن أعتقد أن اقتناءها أكثر فائدة للمهتمين بالموضوع (و هي متوفرة عادة في تونس). و كما أشرت سابقا فقد صدر لي فيه مقال تحت عنوان "السرديات الشمولية لعلاقة الدين بالدولة و تاريخانيتها". و قد كان من المثير بالنسبة لي أن يصدر مقالي بين مقالين لكاتبين معروفين مثل عزيز العظمة و جورج طرابيشي بالرغم أن مقالي يذهب أحيانا في اتجاهات متباينة عما كتباه. و لحسن الحظ مقالهما و مقالي هي المقالات المتوفرة على الموقع الالكتروني لمجلة الآداب من بين مقالات ملف العلمانية. عزيز العظمة كتب (بشكل بدى لي إنطباعيا بعض الشيئ لكنه مؤثر في كل الأحوال) مقالا بعنوان "جولة أفق في العلمانية و شأن الحضارة". في حين كتب جورج طرابيشي مقالا أكثر تدقيقا (و لو أنه أطال حسب رأيي في بعض الاستشهادات التاريخية) غمز فيه (كالعادة) من قناة "غريمه الفكري" عابد الجابري. مقال طرابيشي بعنوان "العلمانية كإشكالية إسلامية- إسلامية". أرجو لكل من يرغب في نقاش معمق مواصلة النقاش في هذا الإطار. و طبعا فأنا مفتوح على كل التعليقات على محتوى مقالي و لهذا تحديدا رأيت من الصالح وضع عنوان مدونتي (أعتقد أن ذلك يحصل لأول مرة في مجلة الآداب بفضل الصديق سماح إدريس) في آخر مقالي.
عدى موضوع العلمانية هناك مقالات أخرى تستحق القراءة و متوفرة على الموقع الإكلتروني بما في ذلك إفتتاحية العدد بقلم سماح إدريس و مناقشات خاصة المناقشات المتعلقة بافتتاحية السابقة من قبل أدونيس و الردود اللاحقة على ذلك... كما يوجد أيضا مقال يبعث على الاهتمام حول موضوع التجربة الشيوعية العربية


عدد التعاليق: 8


Gabcast! Nocturnal Thoughts #2



عدد التعاليق: 7


كتب الصديق سماح إدريس، في افتتاحية العدد الجديد من مجلة الآداب (عدد صيفي يحتوي شهور جويلية و أوت و سبتمبر و الذي لم ينشر بعد و لكن سيصدر في الأيام القليلة القادمة) ، عن موضوع أصبح شديد الأهمية نظرا للالتباسات الكبيرة المحيطة به و لاستتباعاته السياسية و الفكرية. في نصف هذا المقال (النصف الآخر يتعلق بأحداث مخيم نهر البارد) ناقش سماح موضوع علاقة العامية بالفصحى في أدب الأطفال (و هو كاتب قصص أطفال يشهد نجاحا ملفتا في لبنان) و أيضا بأهمية الحفاظ على مستوى من التفاعل بين كل منهما... تبدأ الحكاية مع إلغاء جولة كان سيقوم بها لتسويق مجموعة كتبه في إحدى الأقطار الخليجية غير أن أحد الممولين الرئيسيين للجولة (و هي مدرسة خليجية) سحبت دعمها بسبب أن كتب سماح "لبنانية أكثر مما ينبغي" لاستعمالها مصطلحات "عامية"... و أيضا بسبب "التجديف في الدين" من خلال استعمال لفظ "ملعون" في وصف شخصية إيجابية عوض استعمالها في وصف الشيطان (؟!)... أدى ذلك الى إلغاء الدعوة.... حاجج سماح ضد هذا الرد من جهة أولى بالتدليل على أن الكثير من المصطلحات العامية لها جذور في الفصحى و هو ما ينطبق على المسطلحات التي كان استعملها في كتبه.... و هذه نقطة مهمة: حيث فعلا ننسى أن الكثير من المطلحات التي تبدو "عامية تماما" هي فصحى في جذورها التاريخية.... مثلا "نقز" (فقز) و "زهقان" (ضجر) برغم عاميتها الواضحة إلا أنها تاريخيا تنحدر من الفصحى.... من جهة ثانية رد سماح على نقطة استعمال "ملعون" في "غير موضعها" بأن تلك ملاحظة لا تفهم مبدأ لغويا و اصطلاحيا بديهيا و هو قانون "توسيع الدلالة"... و هو ما يعني استعمال حتى مصطلحات هي في العادة سلبية لوصف أمر إيجابي... و ضرب مثلا على ذلك كلمة "شاطر" و هي كلمة تم استعمالها تاريخيا لوصف "المتحيلين" و لن أصبحت تستعمل في إطار وصف "الأذكياء" و "الحاذقين".... ملاحظات مديرة المدرسة الخليجية شملت أيضا رفضها استعمال كلمات أجنبية مثل "بيتزا" و "أوكي"... و هذا فعلا أمر مثير... هل الاعتراف بوجود هذه الاستعمالات اليومية سيؤدي مثلما يقول سماح لانهيار لغة القرآن؟... طبعا لا... أعتقد أن أفضل طريقة للتواصل مع الطفل هي التكلم معه بلغة يفهمها و تشعره بالقرب... و بالرغم من أن تلك معادلة صعبة و لكن أعتقد أنها ممكنة (و ضرورية في كل الأحوال) إن أفضل طريقة للحفاظ على الفصحى هو إقحامها ضمن ظرفيتها التاريخية و ملما قلت سابقا يبدو أن من بين الطرق التي تسمح القيام بذلك هو التفاعل مع اللغات الأجنبية التي تشهد نهوضا... و الحقيقة كانت تلك الطريقة التي سمحت للفصحى دائما بالبقاء و الاسنمرار كل هذه الفترة طبعا هذا إضافة الى أنها اللغة الحاملة للقرآن... و من البديهي أن يكون ذلك مهما إذا تم منذ الصغر.... و لهذا فإن الصديق سماح يساهم بمجهود مميز و يستحق التحية في هذا الإطار و أتمنى أن تنتشر كتبه في أسواق عربية جديدة لا تهتم كثيرا أين تتم استعمال كلمة "ملعون" و لا تشعر بالقلق من استعمال ما يبدو أنه كلمات عامية في حين أنها فصحى

بالمناسبة العدد الجديد لمجلة الآداب سيحتوي ملفا لعدد من المقالات حول موضوع "العلمانية"... و سيكون أحدها مقالا كتبته بعنوان "السرديات الشمولية لعلاقة الدين بالدولة و تاريخانيتها"... و الذي سيصدر في العدد المطبوع و كذلك سيكون من المقالات التي ستصدر في موقع المجلة الالكتروني


عدد التعاليق: 9







مش من عادتي نهدر برشة على البلايص إلي نمشيلهم... و ما عنديش برشة غرام بتسجيل حضوري في مكان معين... و هذاكة علاش ماعنديش برشة تصاور متاعي شخصيا في الأماكن إلي نسافرلهم... في المقابل نحب ناخذ تصاور لأماكن محددة ما نغير ما نشخصها... أما المرة هذية بش نهدر شوية على البلاصة إلي أنا فيها توة: بيرن "العاصمة الفيدرالية" متاع سويسرا (وين ينعقد توة "المؤتمر 22 الدولي متاع تاريخ رسم الخرائط").... في الحقيقة إلي خلاني نكتب التدوينة هذية هو أني لقيت وضعية غير كلاسيكية ما شفتهاش قبل... هاذي أول مرة نزور فيها سويسرا... و كان عندي برشة أفكار مسبقة عليها... مثلا إلي الشكلاطة رخيصة و بنينة :)) بالطبيعة لكلنا عنا الفكرة هذيكة (و هي نسبيا صحيحة على كل حال)... أما زادة كان عندي تصورات في علاقة بحاجات أخرى... مثلا: إلي سويسرا بلاد غالية (و هذاية صحيح ميا في الميا) و بالتالي فإنو كل شي "مضخم" و كل شي "مستوي" و مسطر تسطير.... زادة فكرة أخرى كانت عندي: أنو التعدد اللغوي في سويسرا متجسد على مستوى الأشخاص معناها كنت نستخايل إلي السويسريين يتكلمو بصفة عامة لغات بعضهم و مفتحين على بعضهم (بعكس الوضعية إلي في بلجيكا مثلا)... لكن في الحقيقة ملي هبطت في المطار لهنا لقيت وضعية مختلفة شوية.. "بيرن" في الحقيقة مدينة قديمة نسبيا (يعني بالمقاييس متاع "أوروبا الجبلية")... و هذاية يظهر في "المدينة العربي" متاعها... وين فما ملامح الشارع الرئيسي مازالت تشبه برشة للوضعية متاع القرن 18 و حتى قبل في بعض أجزاء منو... زيد الشارع هذاية بالتحديد (إلي يظهر في التصاور الفوق) فيه بعض "المعالم الأثرية" متاع سويسرا... مثلا "المنقالة" الكبيرة المشهورة في المدخل القديم متاع "بيرن" و إلي كانت تعكس غرام السويريين بالصنعة هذية... و زيد الدار إلي طلع فيها أنشتاين بالنظرية متاع النسبية وقتلي كان يخدم موظف في "بيرن"... أنا الحقيقة إلي جلب إنتباهي أكثر هو اللوحات الجدارية إلي في الشارع (بعضها زيتية معلقة ترجع لعام 1605).... و هذية حاجة ما تلقاهاش في مدن أوروبية قديمة أخرى إلا بالطبيعة في المدن الإيطالية متاع عصر النهضة (روما، فلورنس، فينتزيا...) وين فما جداريات في الشارع قعدت محافظة على شخصيتها.... و بشكل عام المنظر و الأجواء متاع "بيرن" أقرب من الناحية المعمارية و التخطيطية للمدن الإيطالية متاع الشمال... بعكس توقعاتي: لأنو "مقاطعة بيرن" (وحدة من المقاطعات الفيدرالية متاع سويسرا) تنتمي من الناحية اللغوية و الثقافية للمجال الألماني (و لو أنو لغتهم ماهياش بالضبط ألمانية و إنما تعكس خصوصية السكان الجبليين متاع سويسرا)... و بالطبيعة فما بعض الخصائص المشتركة مع الألمان لكن واضح إلي هوما أقرب للأجواء الإيطالية من ناحية الهندسة المعمارية و الطريقة إلي المدينة تخططت على أساسها... لكن هذا الكل كنت بشكل من الأشكال متوقعو قبل ما نجي... إلي ما كنتش متوقعو هو أنو بيرن ما فيها شي يدل على أنها "العاصمة الفيدرالية"... و المسألة ماعندهاش علاقة بأنو سيوسرا "دولة فيدرالية"... توة مثلا في ألمانيا (إلي هي فيدرالية زادة) العاصمة قبل "بون" و توة "برلين" (و نعرفهم الزوز) عندهم بشكل واضح "الوهرة" متاع العاصمة.... أما في الحالة هذية تصدمت (كلمة "تصدمت" ماعندهاش بعد سلبي لهنا) أولا بالمطار متاع بيرن... و الحقيقة المطار هذاية ذكرني بالتصويرة الكلاسيكية متاع المطارات المدنية قبل وقتلي بدات تنتشر في العالم خاصة قبل الحرب العالمية الثانية (أشهر صورة نمطية متاع "المطار المدني" في الفترة هذيكة هي بالطبيعة متاع "مطار كازابلانكا" في الفيلم المشهور "كازابلانكا").... يعني ماعمري ماكنت نتصور في حياتي أني بش نلقى "مطار دولي" هكة... و لهنا يلزمني نوضح: نقول هكة مش على خاطر المطار صغير برشة أكهو (برشة برشة زادة)... في الحقيقة هذايا أصغر "مطار دولي" شفتو... ربما قد قد هو و مطار "طنجة" (المغرب)... و بالتأكيد مطار "جربة" أكبر منو (يعني سواء في "مهبط الطائرات" و إلا في حجم "قاعة الانتظار").... حتاش لتوة أصغر "مطار دولي" في أوروبا هبطت فيه هو ليوناردو دا فينشي متاع "فلورنس"... لكن هذيكة مدينة ثانوية (رغم أهميتها التاريخية)... أما لهنا نحنا نحكيو على "عاصمة فيدرالية" متاع وحدة من أثرى الدول في العالم.... إلي زاد بهتني في الوضعية هو "الجانب الأمني" متاع المطار... بكل إختصار ما فماش تقريب حتى شيئ يفصل الشارع على المطار... يعني فما "قرياج" (سياج حديدي) أما الحقيقة كيفو كيف بلاش (ما خذيتش تصاور للمطار على خاطر "اللوفتانزا" ضيعولي الفليجة متاعي و هذية أول مرة تجرالي و أنا عندي أعوام نسافر... أما أهيا تصويرة في الانترنت)... و المطار في الحقيقة يعكس أجواء "العاصمة" الكل... مثلا مافماش بنايات كبيرة و ضخمة كيف إلي نلقاوها في أي "عاصمة فيدرالية" تعكس "المجد" و "الفخفخة" السياسية متاع أي عاصمة (توة مثلا برلين تعيش في الحلم متاع "إعادة بناء العاصمة الفيدرالية" من خلال إقامة بنايات ضخمة)... "القصر الفيدرالي" في "بيرن" إلي يجسد رمزيا "وحدة الدولة" ما تنجمش الحقيقة تميزو على البنيات المحيطة بيه... و هذاية ما يعكسش بالضرورة تقاليد متاع تواضع... لأنو "بيرن" تاريخيا (كيف أي مدينة عندها تقاليد أرستقراطية) عندها شعار حربي و سياسي واضح و إلي هو "الدب متاع بيرن" (فصيلة خاصة متاع دبوبة موجودة في الجبال المحيطة ببيرن)... و إلي تلقاه تقريبا في كل بلاصة في "المدينة العربي" لهنا.... في الحقيقة هذاية الكل خلاني نخمم في "هوية سويسرا" (بمعنى شخصيتها مش الثقافية أكهو)... بالطبيعة الحاجة إلي ديما لفتت إنتباه الناس لسويسرا هي مسألة التعدد اللغوي و الديني في محيط أوروبي كان ديما عايش (حتى لبداية القرن 17 على الأقل) في حروب دينية ما توفاش... و قعدت سويسرا محافظة على "الحياد" متاعها بشكل دائم... مهما صار... والناس الكل إلي قادت و أعلنت حروب في أوروبا (حتى "هتلر" إلي ماعمرو ما عدل على حتى شي) وقفت قدام الحدود السويسرية (طبعا لأنها كانت ديما الحديقة الخلفية لأشياء أهم من الحرب العسكرية)... لكن هذا في الحقيقة مايعنيش إلي السوسريين منفتحين على بعضهم... و هذية الحاجة لخرى إلي اكتشفتها: في الحقيقة كانو يقراو معايا سويسريين في فيلادلفيا... و كانو يتميزو بأنهم يتقنو بسهولة أكثر من لغة (خاصة الألمانية و الفرنسية و الإيطالية و حتى الانجليزية)... و ديما مشى في بالي إلي هذية ظاهرة شايعة في سويسرا.... لكن إلي اكتشفتو هو أنو على الأقل جماعة بيرن ما يعرفو كان الالمانية متاعهم... يعني يقولو "مرسي" ربما أكثر من "دانكي شون" أما هذاكة حد إنفتاحهم على التعدد اللغوي في سويسرا... و مانيش متأكد هل هذا ناتج على رفض الانفتاح و إلي بكل بساطة عدم اهتمام (تقريبا نفس الظاهرة موجودة في بلجيكيا).... و لهنا مانحبش نعمم على بقية سويسرا (يعني فما بلايص كيف "جينيف" و "زوريخ" إلي من المفروض يكونو منفتحين أكثر بسبب وجود مؤسسات دولية فيهم و إلي المطار متاعهم كبير نسبيا... عملت مرة "ترانزيت" في زوريخ و نعرف إلي هو نسبيا كبير)... أما يظهرلي فما خصائص مشتركة بينات السويسريين... أنا يظهرلي و بشكل انطباعي إلي "الشخصية السويسرية" هي بكل بساطة "الشخصة الجبلية" مهما تعدد اللغات (يعني شخصية "جغرافية" و مش "ثقافية").... يعني كيفها كيف الشخصية الخاصة بسكان الجزر هي شخصية ترفض الاختلاط.... و هي شخصية ترفض التغيير السريع و الكبير و تعشق الاستمرارية.... و لكن هذاية مايعنيش رفض الانفتاح الاقتصادي في حالة التأكد من الربح الكبير... و لهنا تجي أهمية النظام البنكي متاع سويسرا... و إلي هو نظام بنكي "غير عادي" يعني يختص في معاملات خارقة للعادة أهم خاصية فيها هي "الأمان" بما في ذلك الأمان من الملاحقة القضائية... و هذية تظهر خاصية عامة متاع "المجتمعات الجبلية" و زادة "مجتمعات الجزر" (و لهنا "البنوك غير العادية" موجودة زادة في الجزر)... على كل حال لهنا يظهرلي يتنزل "التواضع" و "الارتخاء" و "البرود" السويسري (و يلزمني نضيف زادة "القينية" السويسرية... يعني أنا نجم نعمل "ديبريسيون" إذا كان نعيش لهنا)... و في الاطار هذا تتنزل "الديمقراطية السويسرية".... يعني مانجموش نتخيلو "الديمقراطية السويسرية" من غير النظام البنكي السويسري.... و كيف ما حكيت قبل "الديمقراطية" ديما تخلقها ظروفها الاقتصادية و المجتمعية متاع تربتها... هي "ديمقراطية" بالأساس "متواضعة" و "مرتخية" و ما هياش توري في روحها... متخبية


عدد التعاليق: 6



أهم الأعياد الأمريكية بلا شك هو عيد الإستقلال يوم 4 جويلية من كل عام "الفورث أوف جولاي". هو عيد يأكد على ثنائية رمزية مهمة برشة في التاريخ الأمريكي تمثل أساس شرعية وجود الولايات المتحدة. أولا، الاستقلال و هو الاسم الرسمي متاع العيد "انديبندنس داي" (يوم الاستقلال). هذاية حدث يأكد أن قبل يوم 4 جويلية 1776 أي يوم إعلان استقلال أمريكا عن بريطانيا هو بداية الدولة الجديدة. و هذاية يعني ضمنيا أن ما قبل هذا التاريخ هي مرحلة "ما قبل تاريخ" الولايات المتحدة... هذاية يعني حاجة مهمة برشة إلي هي أنو الولايات المتحدة عندها هوية خاصة بيها كانت الدافع للإحساس العام إلي كان يدفع في حماس "الثورة الأمريكية"... و ماهياش مجرد تراكم من المستعمرات الأوروبية....

الرمز الثاني إلي أهميتو ما تقلش على الرمز الأول هو أن الاستقلال كان في نفس الوقت تاريخ إعلان "الجمهورية" الأمريكية على أساس أول دستور حديث في تاريخ البشرية إلي بش يقع إعتمادو رسميا بعد حوالي عشر سنين من الاستقلال. و هذاية مصدر أساسي لشرعنة وجود الولايات المتحدة عندو علاقة قوية بمسألة "الاستقلال"... لأنو لهنا هذا مش مجرد استقلال طرف على طرف آخر بل استقلال مرحلة تاريخية على مرحلة تاريخية أخرى... مرحلة "الديمقراطية" عن مرحلة "ما قبل الديمقراطية".... يعني بريطانيا وقتها مازالت حتى ما حققتش الحد الأدنى من "الملكية الدستورية" متاعها (لأنو البرلمان البريطاني كان عندو صلاحيات ضعيفة برشة حتى للتاريخ هذاكة).... و هذاية عندو زادة علاقة قوية بمسألأة "الهوية" في الإطار الأمريكي... إلي يتغزرلها من قبل الجميع على أساس أنها "هوية مبنية على أساس الدستور"... يعني الدستور الأمريكي هو جزء من الهوية الثقافية متاع أمريكا و ماهوش مجرد حدث سياسي تاريخي....

طبعا في الواقع كانت "الديمقراطية الأمريكية" عرجاء في بدايتها لأنها كانت قائمة على استبعاد السكان الأصليين و قهرهم و على العبودية للسود و على استبعاد النساء و على استبعاد غير المسيحيين البروتستانت قبل ما تتغير الأمور تدريجيا و بشكل بطيء نسبيا... لكن أنا يظهرلي مجرد قيام "الآباء المؤسسين" بإقرار مبدأ التداول على السلطة و إلغاء نظام الملكية (إلي كان سائد وقتها في جميع أنحاء العالم) و ممارستهم الفعلية للمبدأ هذاية هو سبق تاريخي بكل المقاييس.... واحد كيف جورج واشنطن إلي نجمو نعتبروه بمقاييس مصطلحات اليوم "قايد الثورة" كان ينجم، خاصة لأنو عسكري، أنو يحاول على الأقل الاستبداد بالسلطة خاصة إلي ما فما حتى واحد في العالم أجمع وقتها ينجم يلومو... لكنو بعد الفترتين الرئاسيتين خذا الانتريت (التقاعد) متاعو و شد دارو... هذاية ينطبق على بقية الرؤساء بما فيهم ناس كان عندهم شعبية كبيرة كيف توماس جيفيرسون (و إلي أنا نراه من أفضل الرؤساء لولين) و إلي شد دارو في جورجيا يزرع في الحديقة متاعو و يقوم بهواياتو لخرى مثل الهندسة المعمارية بعد ما كمل شد الرئاسة... يعني هذية ناس كانت حياتها تتجاوز السياسة و كان عندهم أحلام و مشاريع و ناس مثقفين... و بمعنى آخر ماحشتهمش بالأبهة و السلطنة بش ينجموا يعيشو... و الحقيقة نحب نقول أنو أ،ا واحد من الناس كانت عندي فكرة من جانب واحد على تاريخ أمريكا هذاية... يعني الجانب متاع القهر و العنصرية إلي كاننت خاصة في الأول... لكني بعد ماجيت لهنا تعمقت أكثر في الموضوع لكن الأهم ريت أنو المسألة تحتاج تناول موضوعي أكبر... يعني كان عندي فكرة من قبل بالطبيعة على مسألة الدستور الأمريكي و الأسبقية متاعو و لكن الأبعاد التاريخية متعو ما كنتش نجم نشعر بأهميتها في ظل تقييم سياسوي يحكم على الماضي من خلال صراعات الحاضر.... لكن يقعد مهم أنو الواحد يلاحظ إلي العام هذاية كيف الاعوام القليلة إلي فاتت أمريكا تحتفل بالعيد هذاية و قتلي هي مساهمة من خلال السياسات الراهنة في وضع دولي متوتر و في غياب الاستقلال على دول أخرى في العالم

على كل حال... في 4 جويلية تتقام احتفالات كبيرة في كامل أنحاء أمريكا... الناس تشوي اللحم و يخرجو للحدائق العامة و خاصة في الليل يطلقوا الألعاب النارية في وسط البلاد و إلا حتى ناس عادية قدام ديارها... نحب نقول ملاحظة عابرة إلي أغلب الاحتفالات هذية تصير بشكل عفوي... يعني لا فمة "حفل وطني رسمي" يقع بثوا في "التلفزة الوطنية" (بالمناسبة ما فماش لهنا "تلفزة وطنية" بالمعنى التقليدي للكلمة) و لا حتى شيئ من هاك اللاوي... أغلب الناس لهنا يعتزو أنهم "أمريكان" (لامحالة ساعات مش للأسباب الصحيحة) و هذاية يتجسد خاصة بتعليق الأعلام أمام ديارهم مش كان نهار الأعياد بل حتى خلال الأيام العادية... و لكن من حسن الحظ إلي تقليديا أكبر و أهم الاحتفالات تصير في المدينة إلي أنا فيها، فيلادلفيا، لسبب رمزي: لأنها هي كانت العاصمة الأولة متاع أمريكا إلي أعلنو فيها الاستقلال (و دقوا الجرس للاعلان على الاستقلال و الجرس هذاية "ناقوس الحرية" من أهم "الآثار" الأمريكية و موجود في متحف خاص لهنا).... هذاية قبل إنشاء واشنطن مبعد خاصة إثر توسع الأراضي الأمريكية في اتجاه الجنوب... فيلادلفيا عندها بعد رمزي زادة على خاطر هي موطن من هوحسب أغلب المؤرخين أهم شخصية في التاريخ الأمريكي إلي هو بينجامين فرانكلين... و إلي يعتبروه لهنا الأب الحقيقي "للثورة الأمريكية" و للأفكار التحررية و لنص الدستور... و غيرو... بالمناسبة بين فرانكلين ماعمرو ماشد منصب الرئاسة بالرغم إلي كان ينجم لكنو اختار إما التفرغ لمشاريع أخرى أكثر أهمية مثل إنشاء أول جامعة غير دينية في الولايات المتحدة أو أول مستشفى أو أول مكتبة.... خاصة إلي كان إنسان متعدد المواهب.... و زادة التفرغ للمناصب الديبلوماسية بصفة سفير فوق العادة خاصة في فرنسا بش يضمن الدعم لبلادو....

على كل حال في فيلادلفيا يتقام عادة استعراض في النهار و حفل كبير في الليل الهواء الطلق (أمام حديقة متحف فيلادلفيا)... العام هذاية مثلا بش يشاركو في الاستعراض السيرك دو سولاي و بش يغني في الحفلة ليونيل ريشي و فانتازيا بارينو

أيا هذاكة هو... أنا غدوة و العايلة ممكن نعملو طلة صغيرة على الحفلة و بالتأكيد بش نشويو اللحم لأنو أنا واحد من الناس ما نفلت حتى مناسبة فيها شويان لحم... لكن بش نشد الدار على بكري لأني عندي برشة خدمة تستنى خاصة إلي نهار الجمعة بش نسافر


عدد التعاليق: 3


الحقيقة مش مستانس نحكي برشة على الكورة، خاصة بالنسبة للتدوين في تونس هذاية الدومان متاع سي "الشيشة الذهبية"، لكن البارح تفرجت في مقابلة من أحسن المقابلات... عادة قلت يلزمني نحكي و نعبر على رايي خاصة إلي الدنيا فيها الموت و زيد دخلنا عصر جديد متع "حرية التعبير" مبعد "ثورة الفاتح من يوليو المجيدة"... البارح شوفت فن كروي من أعلى طراز ينطق الحجر... "الأرجنتين" ضد "كولومبيا" في "كوبا أمريكا"... الحقيقة "الأرجنتين" عملت البارح درس في كرة القدم الجميلة و الناجعة و إلي تذكر خاصة بكرة القدم الرائعة متاع السبعينات و الثمانينات.... تمريرات صحيحة و هادية في جرت بعضها... و اللاعبين متاع "كولومبيا" ما نجمو يعملو حتى شي قعدو يتفرجو كيف بقية المتفرجين... نتمنى أن الفرق التونسية إل كل تبطل التمارين نهار... و يحطوهم قدام التلفزة و يتفرجو هوما و المدربين و المسهولين، في المقابلة متاع البارح... خاصة إلي المنتخب الوطني التونسي كان بارع في الأسلوب هذاية متاع الكرة المفتوحة... إلي هي عكس "الكرة متاع التعصبين" و الحقنة السريعة إلي نشوف فيه في أغلب الملاعب

خسارة اللقطات إلي لقيتهم في الانترنت يعديو الأهداف فقط و ما يعديوش اللقطات إلي حاجتي بيهم



لا يوجد أي تعليق




لفت إنتباهي ليوم إلي الصباح عملت تغطية طويلة (جزء منها في الصفحة لولى) على انتخاب الأستاذ البشير الصيد (الوجه القانوني و السياسي المعروف) عميد للمحامين (المرة الثانية في تاريخو)... فما حسب موقع الصباح في الانترنت على الأقل ستة أركان في عدد اليوم حول الموضوع هذاية: تقرير صحفي و تحليلي لصالح عطية، تقرير آخر حول إلي جرى في الجلسة العامة، تصريح لبشير الصيد، أرقام من الانتخابات، تقرير على انتحابات الهيئة الوطنية للمحامين (و هي تقريبا أهميتها كيف أهمية العمادة بفعل تأثيرها على مستوى اتخاذ القرارات)، و أخيرا ملاحظة (مانجمش نصنفها من الناحية الصحفية: رأي، تقرير إخباري...؟) بعنوان "رد فعل إنفعالي"... هذية من جهة حاجة باهية خاصة أن الأستاذ الصيد ربما ما نالش التغطية الإعلامية إلي يستاهلها "عميد للمحامين" وقتلي شد عميد إلي مرة إلي فاتت... من جهة أخرى التقارير متاع الصباح يظهر منهم خط تحرير يرى أنو انتخاب الصيد هو انتخاب لشخصية ماهياش تدافع على مسائل مهنية و أنو مسيس... المشكل إلي أنا حسب ما نعرف إلي ما فما حتى مرشح للعمادة ماهوش مسيس بما في ذلك المرشح المنافس للصيد يعني الأستاذ الظريف... على كل حال نحب نقول مبروك لسي البشير إلي هو، كيما عرفتو شخصيا منذ مدة طويلة و هو تقريبا في مقام والدي، شخص متواضع برشة و تكوينو و تجرتو في ميدان القانون كبيرة (كان قاضي في التعقيب قبل ما يقرر يولي محامي)... و يبقى أهم رابح في الانتخابات هذية حسب رايي هي الأجواء الانتخابية الحرة إلي يتمتعو بيها المحامين... و لو أنو رايي يقعد أنو فما إمكانية أنو يتوجد توازن بين التوجه المشروع متاع غالبية المنتسبين لأي قطاع مهني أن تكون عندهم مواقف سياسية عامة (هذية حاجة موجودة في نقابات العالم إل كل) و بين المهمة الأساسية لأي نقابة و إلي هي محاولة إيجاد حلول للقطاع متاعهم و هذية حاجة ما تنجم تجرى كان في إطار الحوار مع السلطات القائمة و مش بالقطيعة معاها.... لكن طبعا "أهل مكة أدرى بشعابها"... و "أهل مكة" انتخبو الآن ممثليهم


عدد التعاليق: 6


(أورد الملاحظات التالية في شكل رؤوس أقلام أو مسودة لمقال أنوي نشره قريبا. الرجاء عدم إعادة نشره أو اقتباسه بدون موافقة الكاتب)

طارق الكحلاوي


و أن الإنسان الأقهر لكل ما يناويه هو الأسعد... وأنه لا ينبغي أن يكون موازره مساويا له، بل مقهورا؛ مثل أن يكون أقواهم بدنا وسلاحا يقهر واحدا، حتى صار ذلك مقهورا له قهر به واحدا آخر أو نفرا، ثم يقهر بأولئك آخرين، حتى يجمع له موازرين على الترتيب. فإذا اجتمعوا له صيرهم آلات يستعملهم فيما فيه هواه... فاستعباد القاهر للمقهور هو أيضا من العدل. وأن يفعل المقهور ما هو الأنفع للقاهر هو أيضا عدل. فهذه كلها هو العدل الطبيعي، وهي الفضيلة

أبو نصر الفارابي عن "آراء المدينة الجاهلة". مقتطف من كتابه "آراء أهل المدينة الفاضلة ومضاداتها" كتبه قبل منتصف القرن العاشر ميلادي

لا يعني التساؤل في إمكان الديمقراطية و بقية لازماتها بما في ذلك "حرية التعبير" التشكيك في حاجتنا لها. لكن من المؤكد أن التغافل عن طرح أسئلة موجعة من هذا النوع لن يساهم في تحقق الديمقراطية. أكثر من ذلك، لا يبدو أننا سنسدي خدمة حقيقية لمسار الدمقرطة في حالة ما إذا تهربنا من التفكير فيه. و هذا يعني تحديدا طرح أسئلة لا تقبل أجوبة قيمية أو إرادوية تخوض فيما نرغب فيه أكثر مما تخوض فيما هو ممكن. بمعنى آخر بمعزل عن رغبتنا في الديمقراطية فإنه لا يوجد ما يضمن أنها ستتحقق في هذا الجيل و حتى الأجيال التي تليه. حيث هناك عوامل أكبر من نوايا بعض "الديمقراطيين" و القيمة الإنسانية للديمقراطية حتى يمكن لها أن تتحقق. و في جميع الأحوال علينا أن نتذكر أن الشكل الحديث للديمقراطية هو تجربة محدودة للغاية زمنيا عند ملاحظة الحالة شبه الأزلية للمجتمع ما قبل الديمقراطي. و لذلك فهي تجربة هشة و بالرغم كل الضمانات "الجدلية" التي قدمتها الهيجلية بشكل متواتر و خاضة ضمانة "نهاية التاريخ" عند الليبرالية إلا أنه ليس هناك فعلا ما يضمن الرجوع الى الوراء. خاصة بعدما فهمنا أن الليبرالية الاقتصادية لا تحمل معها حتما لازمتها السياسية.

إجتماع القاهر و المقهور

تبدو الرؤى الجوهرانية (أي الرؤى التي تمنح جوهرا ثابتا لظاهرة محددة) فاشلة لأنها لا تستطيع تحمل الديناميكية التاريخية. و بمعنى تبسيطي لا يمكن مثلا للرؤية الجوهرانية التي سادت في حالات الاحتلال العسكري المباشر و التي صورت "العربي" ككسول جاهل لا يقوى على حكم نفسه بأي حال أن تتحمل الديناميكية التاريخية التي حملت الشعوب المستعمرة في منطقتنا نحو مرفأ الإستقلالات (بمعزل عما إذا كان مآل الاستقلالات هذه مثمرا للجميع أم لا).

و لكن بالرغم من الحدود البديهية للرؤى الجوهرانية فإنها ليست مستحيلة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار بنى تاريخية "قصيرة" و هي بنى زمنية تستوعب أجيالا كاملة تبدو معطلة و خارج التاريخ. من بين الرؤى الجوهرانية التي تهمني هنا هي الرؤية التي ترى عدم قابلية شعب أو مجال جيوسياسي محدد لتحقيق الديمقراطية بما تعنيه من مؤسسات قيمية بما في ذلك حرية التعبير. و في الوهلة الأولى تبدو هذه الرؤية ليس فقط جوهرانية و من ثمة غير واقعية من الزاوية التاريخية بل أيضا شديدة القسوة و محبطة للآمال و حتى عنصرية. غير أنه من البلادة القفز لمثل هذه الاستنتاجات من دون الاعتراف أولا بأن "عدم القابلية للديمقراطية" هي أمر حقيقي و طبيعي طالما لم تتوفر ما يكفي من الأسباب حتى تتحقق. و هكذا هناك إمكان لأن يكون "جوهر ظاهرة ما ثابتا" حالما لم تتوفر العوامل الكافية لأن تعصف به الديناميكية التاريخية. فالأخيرة ليست أمرا إعتباطيا بقدر ما هي مشروطة و تتوقف ليس على فعل مانع الديمقراطية بل الأهم من ذلك على إستعداد المعني بتحققها. بمعنى آخر عدم تحقق الديمقراطية لا ينشأ عن عامل القهر غير الديمقراطي فحسب بل بالأساس عن عامل عدم إستعداد المقهور للتضحية بما هو عليه لكي يقتحم عالم غيرالمقهورين.

يتيح لنا ذلك أن نقارب موضوع إستدامة القهر زمنيا من جهة مختلفة عن الجهة الروتينية التي تضعنا أمام صراع (وهمي أحيانا كثيرة) بين القاهر و مقهوريه. حيث تبدو استدامة القهر ممكنة بالأساس و بالرغم من التضاد المصلحي بين القاهر و المقهور بفضل توفر بنية مشتركة بينهما، أساس واحد يجمع فيه الطرفين على "عدالة" و "وجاهة" إستدامة حالة القهر. يمكن إختزال هذه الظاهرة في "إجتماع القاهر و المقهور". و بالرغم من أن ذلك يبدو في غاية الغرابة و باعثا على الاحباط إلا أنه يمثل ظاهرة قديمة، ربما قدم الاجتماع البشري. و في الحقيقة لن نحتاج لاكتشافات منهجية حديثة حتى نتوغل في هذا الموضوع الشائك. سأقتطف هنا فقرات من أحد كتب أبو نصر الفارابي (توفي 339 هحري / 950 ميلادي) أعتقد أنها مازالت ذات جدوى حتى اليوم.

كتب الفارابي كتابه "آراء أهل المدينة الفاضلة ومضاداتها" كواحد من تعليقاته المتواصلة على المقاربات النيو أفلاطونية التي إعترضته عبر احتكاكه مع ما تبقى من مدرسة الاسكندرية في الفلسفة اليونانية. و طرح الفارابي رؤيته بناءا على مبدأ جوهراني لمرحلة ما قبل المجتمع الديمقراطي (أو "الحديث") حيث "العدوان" مبدأ يتفوق على بقية "الخصائص الطبيعية" للشخصية البشرية و من ثمة تصبح آليات إقامة التوازن بين المعتدي و المعتدى عليه هي الصيغ الوحيدة الممكنة للتعايش الاجتماعي. و ضمن هذا التصور، الذي تمت إعادة إحيائه في المنظومة الخلدونية فيما بعد،[1] تمت مناقشة "مضادات المدينة الفاضلة" المتركزة في مفهوم جامع هو "المدينة الجاهلة". سأتوقف هنا تحديدا عند أحد وجوه الأخيرة وهي "مدينة التغلب" (و "المدينة الفاسقة" و"المدينة الضالة"من الوجوه الأخرى للـ "المدينة الجاهلة"). هنا تبدو كلمات اافارابي خارقة للعصور و مكتنزة لمعنى شديد الثبات و هو التعاون بين القاهر و المقهور لإعادة تشكيل معاني "العدل" و "الطبيعة" و "السعادة". أعرض هنا مقتطفات من كلام الفارابي و سأترك التعليق عليها لوقت آخر[2]:

-"فالأقهر منها لما سواه يكون أتم وجودا. والغالب أبدا إما أن يبطل بعضه بعضا، لأنه في طباعه أن وجود ذلك الشيء نقص ومضرة في وجوده هو، وإما أن يستخدم بعضا ويستعبده، لأنه يرى في ذلك الشيء أن وجوده لأجله هو.ويرى أشياء تجري على غير نظام، ويرى مراتب الموجودات غير محفوظة، ويرى أمورا تلحق كل واحد على غير استئصال منه لما يلحقه من وجوده لا وجود "لنفسها" قالوا: وهذا وشبهه هو الذي يظهر في الموجودات التي نشاهدها ونعرفها. فقال قوم بعد ذلك إن هذه الحال طبيعة الموجودات، وهذه فطرتها، والتي تفعلها الأجسام الطبيعية بطبائعها هي التي ينبغي أن تفعلها الحيوانات المختارة باختياراتها واراداتها، والمروية برويتها. ولذلك رأوا أن المدن ينبغي أن تكون متغالبة متهارجة، لا مراتب فيها ولا نظام، ولا استئهال يختص به أحد لكرامة أو لشيء آخر؛ وأن يكون كل إنسان متوحدا بكل خير هو له أن يلتمس أن يغالب غيره في كل خير هو لغيره، وأن الإنسان الأقهر لكل ما يناويه هو الأسعد"

-"ثم تحدث من هذه آراء كثيرة في المدن من آراء الجاهلية: فقوم رأوا ذلك أنه لاتحاب ولا ارتباط، لا بالطبع ولا بالإرادة، وأنه ينبغي أن يبغض كل انسان كل انسان، وأن ينافر كل واحد كل واحد، ولا يرتبط اثنان إلا عند الضرورة، ولا يأتلفان إلا عند الحاجة، ثم يكون بعد اجتماعهما على ما يجتمعان عليه بأن يكون أحدهما القاهر والآخر مقهورا، وان اضطر لأجل شيء وارد من خارج أن يجتمعا ويأتلفان فينبغي أن يكون ذلك ريث الحاجة، وما دام الوارد من خارج يضطرهما إلى ذلك؛ فإذا زال فينبغي أن يتنافرا ويفترقا. وهذا هو الداء السبعي من آراء الإنسانية.وآخرون لما رأوا أن المتوحد لا يمكنه أن يقوم بكل ما به إليه حاجة دون أن يكون له موازرون ومعاونون، يقوم له كل واحد بشيء مما يحتاج إليه، رأوا الإجتماع فقوم رأوا أن ذلك ينبغي أن يكون بالقهر، بأن يكون الذي يحتاج إلى موازرين يقهر قوما، فيستعبدهم، ثم يقهر بهم آخرين فيستعبدهم أيضا. وأنه لا ينبغي أن يكون موازره مساويا له، بل مقهورا؛ مثل أن يكون أقواهم بدنا وسلاحا يقهر واحدا، حتى صار ذلك مقهورا له قهر به واحدا آخر أو نفرا، ثم يقهر بأولئك آخرين، حتى يجمع له موازرين على الترتيب. فإذا اجتمعوا له صيرهم آلات يستعملهم فيما فيه هواه"

-"قالوا: فإذا تميزت الطوائف بعضها عن بعض بأحد هذه الارتباطات، إما قبيلة عن قبيلة، أو مدينة عن مدينة، أو أحلاف عن أحلاف، أو أمة عن أمة، كانوا مثل تميز كل واحد عن كل واحد؛ فإنه لا فرق بين أن يتميز كل واحد عن كل واحد أو يتميز طائفة عن طائفة؛ فينبغي بعد ذلك أن يتغالبوا ويتهارجوا. والأشياء التي يكون عليها التغالب هي السلامة والكرامة واليسار واللذات وكل ما يوصل به إلى هذه. وينبغي أن يروم كل طائفة أن تسلب جميع ما للأخرى من ذلك، وتجعل ذلك لنفسها، ويكون كل واحد من كل واحد بهذه الحال. وتجعل ذلك لنفسها ويكون كل واحد من كل واحد بهذه الحال. فالقاهرة منها للأخرى على هذه هي الفائزة، وهي المغبوطة، وهي السعيدة. وهذه الأشياء هي التي في الطبع، إما في طبع كل إنسان أو في طبع كل طائفة، وهي تابعة لما عليه طبائع الموجودات الطبيعية. فما في الطبع هو العدل. فالعدل إذا التغالب. والعدل هو أن يقهر ما اتفق منها. والمقهور إما أن يقهر على سلامة بدنه، أو هلك وتلف، وانفرد القاهر بالوجود؛ أو قهر على كرامته وبقي ذليلا ومستعبدا، تستعبده الطائفة القاهرة ويفعل ما هو الأنفع للقاهر في أن ينال به الخير الذي عليه غالب ويستديم به. فاستعباد القاهر للمقهور هو أيضا من العدل. وأن يفعل المقهور ما هو الأنفع للقاهر هو أيضا عدل. فهذه كلها هو العدل الطبيعي، وهي الفضيلة. وهذه الأفعال هي الأفعال الفاضلة فإذا حصلت الخيرات للطائفة القاهرة فينبغي أن يعطى من هو أعظم غناءا في الغلبة على تلك الخيرات من تلك الخيرات أكثر، والأقل غناء فيها أقل. وإن كانت الخيرات التي غلبوا عليها كرامة، أعطي الأعظم غناءً فيه كرامة أكبر، وإن كانت أموالا أعطي أكثر. وكذلك في سائرها. فهذا هو أيضا عدل عندهم طبيعي"


صناعة الديمقراطية

ربما يبدو من المفاجئ أن نعتبر أن المجتمعات ما قبل الديمقراطية محظوظة في نهاية الأمر. لكن ذلك أمر مفهوم إذا ما لاحظنا أنها ستحضى بفرصة مراجعة تجارب البناء الديمقراطي حتى لا تضيع الكثير من الوقت في ممارسات سوريالية. غير أن ذلك ليس أمرا مضمونا خاصة إذا كانت مجموعات الحركيين و الناشطين من أجل الديمقراطية غير عابئين بالتفكير في التجارب التاريخية لتشكل الديمقراطية بقدر ماهم مهتمين بإصدار البيانات و قراءتها من على المنابر الفضائية. من حسن الحظ هناك الكثير من الدراسات الأكاديمية التي اعتنت بشكل معمق بتقييم تاريخ تشكل الديمقراطية في مختلف الظرفيات الجغرافية و السياسية.

من بين المسائل الأكثر إثارة للإهتمام هو أنه من الصعب التمييز أحيانا في نظام سياسي محدد بين طابعه الإستبدادي و طابعه الأبوي الإجتماعي الذي يعني في نهاية التحليل حدا أدنى من الديمقراطية (الاجتماعية). تبدو مثل هذه الظواهر التاريخية تحديا حقيقيا للتصورات الثنائية الحدية من نوع "إما أبيض و إما أسود". و تبرز في هذا الإطار خلاصات مجموعة من الدراسات قام بها عدد من أساتذة التاريخ المعاصر و العلوم السياسية في الولايات المتحدة و صدرت تحت عنوان "البناء الإجتماعي للديمقراطية بين سنتي 1870 و 1990".[3] و من بين الأمثلة التي تسترعي الإنتباه النموذج المكسيكي حيث قامت دولة الحزب الواحد بإقحام النقابة العمالية الرئيسية بين الحربين في تسيير شؤون الدولة أو في أقل الأحوال تركها تلعب دورا سياسيا تعديليا ملاصقا لدور "الحزب المؤسسي الثوري" الذي واصل حكم البلاد لما يفوق السبعين عاما. و هكذا بعكس أمثلة أخرى في أمريكا اللاتينية، مثل الشيلي أو الأرجنتين حيث سادت في فترات متقطعة دكتاتوريات عسكرية مكشوفة، كان الوضع في المكسيك شديد الضبابية و هو ما عرقل تطور حياة سياسية حقيقية بعيدا عن الحزب الحاكم و النقابات العمالية و من ثمة كان الإنتقال نحو الديمقراطية الحديثة بطيئا و معقدا. إذ إستلزم الامر في النهاية إنقسام الحزب الحاكم على نفسه لكي تبرز قوى سياسية أخرى كانت دوما على الهامش الإجتماعي لينتهي إحتكار الحزب الواحد للسلطة في الانتخابات الرئاسية لسنة 2000. و إذا راجعنا كلام الفارابي المشار إليه أعلاه في هذا الإطار فإن "إجتماع القاهر و المقهور" يصبح على أسس من بينها ضمان حد أدنى من الرعاية الإجتماعية و هو ما يسمح بتوافق الطرفين على استدامة القهر السياسي و بعض جوانب القهر الاجتماعي. و لهذا تحديدا فإنه بتآكل هذه الرعاية و الإنحسار السريع للطبقة الوسطى المكسيكية التي كانت تقف عادة الى جانب النقابات العمالية، و هي الأمور التي حصلت بين ثمانينات و تسعينات القرن الماضي، أصبح التوافق المسوغ لحالة القهر و بالتالي قاعدة النظام السياسي المكسيكي مستحيلين. و هكذا من البديهي أنه بالرغم من نضالات الحركيين الديمقراطيين المكسيكيين طوال سبعين عاما كان من الضروري في النهاية توفر مثل هذه الظروف الموضوعية لكي يتحقق مسار الدمقرطة السياسية.

و لا تبدو التجربة المكسيكية الوحيدة التي تشير إلى هذا الأساس الإقتصادي-الإجتماعي لنظام القهر السياسي. إذ هناك تجارب أكثر نجاحا و أكثر إستدامة تؤكد بدورها ظاهرة أخرى و هي أن نجاح الليبرالية الإقتصادية لا يجلب معه بشكل آلي الليبرالية السياسية. و قد تم التعرض بالتفصيل لمسألة الشرط الإقتصادي-الإجتماعي لتشكل الديمقراطية في مؤلف آخر حضي بأهمية بالغة عند صدوره العام الفائت، إذ يواصل التدقيق في الإشكاليات التي طرحتها الدراسة المشار إليها أعلاه، و هو بعنوان "الجذور الاقتصادية للدكتاتورية و الديمقراطية".[4] و هنا يقدم المؤلفان، آجم أوغلو و روبينسون، أربع نماذج في التاريخ السياسي المعاصر في محاول لحصر جذور الدكتاتورية و الديمقراطية. النموذج الأول البريطاني و يمثل الانتقال من حالة غير ديمقراطية إلى أخرى ديمقراطية بشكل بطيئ و لكن مؤكد. النموذج الثاني الأرجنتيني و يمثل الانتقال إلى الديمقراطية و لكن في مسار شديد التعثر شهد حالات من الارتداد نحو حكومات عسكرية إستبدادية. النموذج الثالث السنغفوري حيث لم يحصل إنتقال نحو الديمقراطية. أخيرا النموذج الرابع هو الجنوب الإفريقي أين الانتقال نحو الديمقراطية شهد مقاومة شديدة و تأجيلا مطولا. ساقتصر هنا على النماذج الثلاثة الأولى بفعل أن النموذج الأخير غير متكرر بكثرة.

في حالة النموذج الأول كان الإنتقال الى الديمقراطية بطيئا جدا و مشروطا بالتحولات الاقتصادية و الاجتماعية و بتأثير الضغط المتواصل لإنتفاضات إجتماعية. فثورة 1688 و التي أدت لفرض "الدور البرلماني" في بريطانيا لم تحسم أي شيئ حتى على المستوى القانوني النظري في علاقة بدور "المشاركة الشعبية" و كان ذلك متناسبا مع استمرار الدور الاجتماعي القوي لطبقة اللوردات. و كان على بريطانيا أن تنتظر مرحلة التصنيع السريع و النمو الكبير للطبقة العاملة و النقابات حتى تقر إصلاحات سنة 1833 و التي سمحت بحق الإقتراع لـ 14% من السكان الذكور و ذلك في إطار تجنب أي انتفاضات إجتماعية خاصة مع حدوث الكثير من القلاقل منذ سنة 1830. غير أن ذلك لم يكن سوى بداية طريق طويلة من الاصلاحات الجزئية في جو من الفساد السياسي و التزوير و هو ما أدى إلى إصلاحات مستمرة تحت التهديد المتواصل لانتفاضات شعبية خاصة بين سنتي 1860 و 1867. ثم تصل هذه الاصلاحات، أخيرا، سنة 1918 بفعل دور الطبقات الفقيرة في الحرب العالمية الأولى و خوفا من التأثير المتعاظم للثورة البلشفية للإقرار القانوني بحق التصويت لجميع الذكور (تم إلحاق الإناث ضمن هذا الحق سنة 1928). حينها فقط أصبح للطبقات الفقيرة ممثل سياسي، "حزب العمال"، و الذي اختار المشاركة في النظام السياسي عوض الانخراط في النهج الثوري الذي طرحته الحركة الشيوعية العالمية. و كان ذلك شرطا رئيسيا سمح بتحقيق التداول على السلطة و خلق أجواء ديمقراطية و مستقرة في نفس الوقت.

في حالة النموذج الثاني (الأرجنتيني) فإن إقرار حق التصويت للجميع في دستور سنة 1853 لم يؤدي إلى خلق أجواء ديمقراطية حقيقية حيث حكم حزب واحد يمثل القوى الاجتماعية المحافظة، "الحزب الذاتي الوطني"، بفضل عمليات انتخابية مزورة و روتينية و بمشاركة ضئيلة منذ ذلك الوقت حتى سنة 1910. و قد صمد النظام السياسي الأرجنتيني القهري بالرغم من القلاقل الاجتماعية، الناتجة عن مأزق النظام الاقتصادي القائم على التصدير الفلاحي، و وهو ما أدى الى اندلاع ثورة مسلحة بقيادة "الاتحاد المدني الراديكالي" سنة 1890. و استمر هذا الصدام العنيف بشكل متقطع بين الطرفين حتى سنة 1905. غير أن هذا الضغط الداخلي، و التأثير الكبير للاصلاحات السياسية في أوروبا التي كانت النموذج الذي يجذب دائما انتباه النخبة الاجتماعية و السياسية الأرجنتينية، أدت الى تفعيل البنود الديمقراطية في دستور سنة 1853 و انطلاق عمليات انتخابية أكثر مصداقية نتج عنها أول انتخابات ديمقراطية سنة 1910 ثم صعود "الراديكاليين" للسلطة سنة 1916. و لكن بفعل عدم حدوث تغيرات اجتماعية هامة و استمرار نفوذ كبار ملاكي الأراضي الأرجنتيين فقد رأت القوى المحافظة في العملية الديمقراطية تهديدا لها. و بفعل سيطرة هذه القوى تاريخيا على المؤسسة العسكرية قامت بأول أنقلاب عسكري على الشرعية الديمقراطية في تاريخ الأرجنتين سنة 1930 و انتخابات مزورة سنة 1931 ثم بعد محاولة فاشلة لضم "الراديكاليين" في الحكم سنة 1940 قامت المحافظون بانقلاب ثاني سنة 1943. و منذ هذه اللحظة أصبحت المؤسسة العسكرية نفسها تعيش انقساما و هو ما تجسد في صعود زعيم شعبوي من داخلها، خوان دومينقو بيرون، و الذي سيهيمن على الصراع السياسي و على المشهد الانتخابي و الانقلابات المتكررة. إن عدم الاستقرار السياسي الأرجنتيني يبدو ناتجا عن ضعف الطبقات الاجتماعية المهيمنة إقتصاديا مقابل عدم قدرة الطبقات الفقيرة على التوفر على قيادات غير شعبوية، و هو ما أدى باستمرار لتأرجح العملية الديمقراطية. كل ذلك بدى من الماضي عندما نحجت الإصلاحات الليبرالية القاسية التي تم اعتمادها منذ سنوات السبعين من القرن الماضي في الخروج من هيمنة طبقة ملاك الأراضي و صعود طبقات مدينية و صناعية جديدة سمحت بإقامة توازن اجتماعي و بالإقرار التدريجي للتداول السلمي على السلطة.

النموذج الثالث (السنغفوري) بعد فترة طويلة من الاحتلال البريطاني بوصفها منطقة تجارية حرة طالما خضعت لاحتكار "شركة الهند الشرقية" البريطانية فقد فرض السكان المحليون (غالبيتهم صينيون) سنة 1959 "الحكم الذاتي" و حقهم في انتخاب "برلمان محلي" لا يخضع للسلطة القهرية للحاكم البريطاني. و قام الحزب الذي أمسك بالسلطة، "حزب العمل الشعبي"، بعملية تصنيع واسعة خرجت بسنغفورة من وضعية الوسيط التجاري التي سبق أن فرضها الاحتلال البريطاني. في المقابل قام الحزب الحاكم بمحاصرة النقابات و التي أخضعها تماما لسيطرة الحكومة بحلول سنة 1968 حينما قام بالتجريم القانوني للاضرابات. في نفس الوقت قام بقمع المعارضة السياسية التي أسسها منشقون عنه بعد انتخابات سنة 1963 و التي انتصر فيها. في خضم ذلك تم الاستقلال النهائي عن بريطانيا سنة 1965. و منذ ذلك الوقت واصل الحزب الحاكم سيطرته على السلطة بالرغم من تعدد الانتخابات خاصة في ظل القمع و المحاصرة المستمرة لمعارضيه (التي تصل حتى المنع من العمل و حق إقامة مشاريع خاصة و الاعتقال بدون محاكمة) حيث لم تفز الأطراف المعارضة إلا نادرا ببضع مقاعد من البرلمان و هو ما أدى لإدخال إصلاح سياسي سنة 2001 يتم بمقتضاه منح مقاعد لبعض المعارضين المقربين من الحزب الحاكم. كانت هذه الهيمنة القهرية الناعمة، و التي لم تصطدم بأية إحتجاجات قوية، ممكنة بفعل ظروف موضوعية محددة. من بينها أن الحزب الحاكم الذي استوعب منذ البداية أفضل الكفاءات الدارسة في بريطانيا نجح في تحقيق نمو اقتصادي قوي و رفع مستوى المعيشة و الرعاية الاجتماعية للسكان. كل ذلك، مع الضغط و التحرش المتواصلين بأي طرف معارض، يفسر وضوح حكام سنغفورة، و الذين يتداولون السلطة الآن عبر الوراثة، في عدم الاعتذار عن واقع الديمقراطية الصورية و حتى الاعلان على أن "الحزب هو الحكومة و الحكومة هي الحزب" (تصريح سنة 1990 لحاكم سنغفورة منذ استقلالها لي كوان يو، و قد خلفه أحد المقربين منه سنة 1990 قبل أن يمسك ابنه بمقاليد السلطة سنة 2004).

في جميع هذه النماذج يمكن أن نلاحظ أمورا أساسية:
أولا، إقرار حق التصويت للجميع لم يكن أمرا بديهيا في أي تجربة ديمقراطية. كان ذلك ممكنا فقط في إطار تنازلات من قبل الأطراف المهيمنة خوفا من إنهيار النظام السياسي برمته.
ثانيا، إقرار حق التصويت بشكل فوقي و خارج الضغط لا يضمن ممارسته بشكل فعلي. فغياب قوى اجتماعية تمارس الضغط من أجل انتزاع حقوقها الأساسية يجعل حقوقها الدستورية من دون معنى.
ثالثا، الضغط من أجل انتزاع الحقوق السياسية كان شديد الارتباط بانتزاع الحقوق الاجتماعية و الاقتصادية. كما أن تحقيق نظام ديمقراطي مستديم غير ممكن من دون تحقيق نظام اقتصادي و اجتماعي مستقر و يوفر رفاهية متزايدة لأعضائه.
رابعا، توفير رفاهية اقتصادية و من ثمة اكتفاء غالبية سكانية بما هو موجود مع امتناع الأطراف المهيمنة عن التنازل عن السلطة كلها عوامل لا تجعل الإنتقال نحو الديمقراطية أفقا تاريخيا بديهيا. و من ثمة يكون "اجتماع القاهر و المقهور" ظرفية طبيعية تنتزع حق البقاء.

إن كل ذلك يدفعنا دفعا نحو أكثر الأسئلة إيلاما: هل يتوقف إمكان نجاح الدمقرطة على ظروف موضوعية (تحولات إقتصادية، اجتماعية...) أم على تراكم ممارسة الإرادة السياسية الواعية للناشطين الديمقراطيين؟ طرح هذا السؤال بمنهج إمبيريقي غير مسبوق الباحث الفنلندي تاتو فانهانن في أحد أكثر المؤلفات تأثيرا في الساحة الأكاديمية في علاقة بهذه المسألة "استراتيجيات الدمقرطة" (نشر سنة 1992).[5] إذ وضع فانهانن مؤشرا قياسيا على أساس التجارب التاريخية للانتقال الديمقراطي و هو ما أوضح أن دور التحولات البنيوية (خاصة الاقتصادية و الاجتماعية) تحوز على تأثير يفوق نسبة 70% في مسارات الدمقرطة في حين لا يمثل تأثير نشاط الديمقراطيين الحركيين 30% (سأرجع بأكثر تفصل لهذا العمل المرجعي عند إنهاء مسودة هذا المقال). ربما يمكن أن نضيف مصادرة أكثر وضوحا (لم يرغب فانهانن في إعلانها) أن ديمقراطيين حركيين لا يلقون تجاوبا اجتماعيا لا يستطيعون تحقيق الديمقراطية.

(مسودة) خاتمة
يبدو أن "النضال من أجل حرية التعبير" يجب أن يمر أولا عبر التفكير فيها و خاصة في إمكانات تحققها. ينطبق ذلك خاصة على الموضوع الأشمل أي الديمقراطية. و عموما، و للمفارقة، يبدو من أهم مظاهر "حرية التعبير" التي يجب الدفاع عنها "حرية التفكير في الديمقراطية" بعيدا عن الضوابط السياسوية للحركيين الديمقراطيين. من دون ذلك لن يزدهر سوى"الديمقراطيون الطوباويون" أو الإرادويون.
------------------------------------------------------------------------------

[1] تم التعرض للمنظومة الخلدونية في علاقة بمفاهيم "التغلب" و "العصبية" و أصول هذه المنظومة في فكر الفارابي في قراءة جديدة مختصرة و لكن مهمة لنص"مقدمة" بن خلدون أنا بصدد إعداد عرض نقدي لها سيصدر قريبا في "مجلة دراسات شمال إفريقيا" (منشورات كامبردج). أنظر:
Moncef M’halla, Lire la Muqaddima d’Ibn Khaldun. Deux concepts-clés de la théorie Khaldunienne ‘asabiya et taghallub (force et domination). Tunis : Centre de Publication Universitaire, 2007, pp. 16-22.

[2] هناك ملاحظة أولية في هذا الإطار و هي الحاجة لأن نخرج من الثنائية التبسيطية النيوأفلاطونية بين القاهر و المقهور. فالقاهر مقهور بإيمانه القهري بأزلية القهر. و هكذا فهو عاجز بالضرورة عن رؤية آفاق غير قهرية بالرغم من أنها ممكنة تاريخيا.

[3] أنظر:
George Reid Andrews and Herrick Chapman (ed.), The Social Construction of Democracy, 1870-1990. New York: New York University Press, 1995, pp. 1-28.

[4] أنظر:
Daron Acemoglu and James A. Robinson, Economic Origins of Dictatorship and Democracy. Cambridge University Press, 2006.

[5] أنظر:
Tatu Vanhanen (ed.), Strategies of Democratization. Washington: Crane Russak, 1992, pp. 1-35.


عدد التعاليق: 5


طارق الكحلاوي
نشأ طارق في أحد مدن الضواحي مدينة رادس الواقعة في الجمهورية التونسية. يشغل الآن موقع أستاذ في جامعة روتغرز (قسمي التاريخ و تاريخ الفن). تلقى طارق تكوينه الجامعي في جامعة تونس (كلية 9 أفريل، إجازة و دراسات معمقة في التاريخ و الآثار) و جامعة بنسلفانيا (رسالة دكتوارة في تاريخ الفن). و يعلق بانتظام على القضايا و الاوضاع العربية باللغتين العربية و الانجليزية في مواقع و صحف مثل "الجزيرة.نت" و "القدس العربي" و "الحياة" و "العرب نيوز" و "ميدل إيست أونلاين"، و يكتب عمودا أسبوعيا في جريدة "العرب" القطرية. يكتب أيضا في قضايا ثقافية و نظرية تخص الاسلام المعاصر في المجلة البيروتية "الآداب". و تمت استضافته للتعليق في قناة "الجزيرة الفضائية" و قناة 13 "بي بي أس" (نيويورك).

Tarek Kahlaoui
Tarek grew up in the suburban city of Rades in Tunisia. He is currently an Assistant Professor at Rutgers University (a joint position in the Art History and History departments). Tarek graduated from the University of Tunis (Bach. and DEA in history and archeology) and University of Pennsylvania (Ph.D. in history of art). Tarek also comments regularly in Arabic and English on Middle Eastern issues and politics in Aljazeera.net, Al-Quds Al-Arabi, Al-Hayat, Arab News, and Middle East Online, and writes a weekly column for the Qatari newspaper Al-Arab. He also writes on intellectual and theoretical issues related to contemporary Islam in the Lebanese magazine Al-Adab. He was also invited to comment in Al-Jazeera Channel, and in Channel 13 (PBS-New York).