قبل حوالي الأسبوع كتبت تدوينة بعنوان "هل نحتاج للديمقراطية؟".... قرأها البعض بشكل لا يتناسب مع مضمونها: إذ بدى لهم مجرد طرح سؤال مماثل نوعا من "التواطؤ مع الديكتاتورية" (لاحظ بعض التعليقات أسفل تدوينة "سمسوم" مثلا).... كانت تلك مزايدة في غير مكانها خاصة أنها موجهة من قبل من يمكن أن تنطبق عليهم أمثولة "من بيتهم من زجاج من الأفضل ألا يقذفوا الآخرين بالحجر"... على كل حال لا أريد أن أفتح أي جراح قديمة كما أني أحترم كل من له مبدأ يناضل و يعاني من أجله بغض النظر عن محتواه... أفعل ذلك لأني ممن ترعرعوا و نشؤوا في ظل الإعتزاز بالدفاع عن رؤاهم و عدم القبول بالطاعة العمياء.... على كل حال ذلك موضوع آخر... رجوعا لتدوينة "هل نحتاج للديمقراطية؟" لم أعتقد أنه كان من الضروري أن أوضح أن الإيمان بالديمقراطية لا يعني الإمتناع عن التساؤل عن "جدوى الديمقراطية" في مجتمع لا يرى بعد أنها ضرورية... لم أعتقد أنه كان من الضروري أن أوضح أن الإيمان بالديمقراطية لا يعني الإمتناع عن التساؤل بشكل جدي و منهجي عن إمكانات و كيفيات الدمقرطة.... و في الحقيقة لا يمكن أن أدعي أي تفاجؤ... حيث هناك سوء فهم شائع، و ذلك مفهوم، مفاده أن النشاط الحركي من أجل الديمقراطية يستدعى الإنخراط في سلوك خطابي و احتجاجي مستديم يستبعد التفكير في الديمقراطية بشيء من المنهجية و الروح الأكاديمية.... و تلك فكرة مفتاح: فأحيانا ربما يكون من المجدي التفكير في الديمقراطية ربما أكثر من النضال من أجلها.... أو بمعنى آخر ربما كانت أفضل أشكال النضال من أجل الديمقراطية التفكير فيها.... سأكتب بشكل مطول عن هذه المسألة في وقت لاحق.... في إنتظار ذلك أريد الإشارة الى هذا المقال الوارد في الهيرالد تريبيون (عدد 13 جوان الجاري) الذي يطرح تساؤلات تصب في مجال "التفكير في الديمقراطية".... تبدو في خضمه ملاحظات فرانسيس فوكوياما في غاية الأهمية: ففي هذه الحالة لدينا منظر ليبرالي بامتياز سبق أن إقترح تاريخا (هيجليا) ينتهي عند الديمقراطية بشكل مقترن مع "السوق المفتوحة"... و بشكل أكثر تفصيلا (و لكن ربما يتعسف على رؤية أكثر تعقيدا) إقترح فوكوياما أن نظام "السوق المفتوحة" يدفع حتميا نحو حياة سياسية مفتوحة.... غير أنه أمام الحالة الصينية (التي لا أعتقد أنها إستثنائية بالمرة) كان عليه أن يقدم بعض التوضيحات.... يقول فوكوياما هنا أن الصين ستنتهي للديمقراطية و لكن ليس الآن... علينا أن ننتظر عشريتين ستقوم خلالهما السوق المفتوحة "بالحفاظ بل ربما بتقوية النظام الإستبدادي" قبل نهايته.... تبدو هذه الكلمات شديدة القسوة على النضال اليومي الذي يقوم به الناشطون من أجل الديمقراطية في الصين... إذ أن فوكوياما يقول لهم هنا أنه لا جدوى مما تفعلون الآن.... حيث لا يتعلق مصير الديمقراطية بما تقومون به بقدر ما يتعلق ببنى إجتماعية و إقتصادية و ثقافية لم تنضج بعد.... غير أن تفكيرا مماثلا لا يستطيع أن يغتصب منهم حقهم الطبيعي في التعبير عن نظام لا يرغبون فيه.... لكن في نفس الوقت ليس من المتوقع أن يتوقف فوكوياما أو غيره في أن يفكر في مسارات الدمقرطة بشكل منهجي و يأخذ مسافة من عواطف غير ضرورية....
كما أن نتائج ذلك التفكير بمعزل عن محتواها لا يمكن أن تعني أنه يؤمن أقل من الآخرين بالقيمة الإنسانية العالية للديمقراطية
و على سبيل المثال فإن "التدوينة من أجل حرية التعبير" المزمع إقامته في 1 جويلية القادم لا يمكن أن تعني ضرورة إطلاق كم من الشعارات و عدم التفكير في معاني "حرية التعبير".... فالإحتفاء و المطالبة بحرية التعبير لا يجب أن تنفي التفكير فيها و في معانيها


عدد التعاليق: 3

    تعليق: Big Trap Boy ...  
    17 جوان 2007 في 7:28 ص

    ظاهرلي كلام معقول، خاصة بالنسبة لضرورة التفكير في بعض المسائل بطريقة عقلانية وموضوعية. أنا شخصيا - وبصفتي الزعيم القايد اللي عمرو ما يغلط - باش نحاول نطرح بعض الأسئلة حول الموضوع

    حاسيلو هانا نتبّعو في هالقليّم وربّي يجيبنا في الصواب


    تعليق: TUNISIE Nouvelle ...  
    17 جوان 2007 في 12:44 م

    من المؤسف حقا هذا الإصرار على المغالطة فعندما تقول » قبل حوالي الأسبوع كتبت تدوينة بعنوان "هل نحتاج للديمقراطية؟".... قرأها البعض بشكل لا يتناسب مع مضمونها: إذ بدى لهم مجرد طرح سؤال مماثل نوعا من "التواطؤ مع الديكتاتورية" « فأنت لا تعرض الإختلاف بشكل دقيق لأن موضوعه لا يتعلق بطرح مجرد سؤال بل يتعلق كما ورد بالصيغة التي كتبتها بنفسك حرفيا »نقترح أنو إلي يحب يعمل "حملة تدوينية" فإني نقترح تكون ببساطة حول موضوع من نوع:
    هل نحتاج للديمقراطية؟
    Est-ce qu’on a besoin de la démocratie?
    Do we need democracy? »
    و شتان بين الحملة و مجرد السؤال و عرض الأفكار.

    و لأنني أعتقد أن جر المدونين لحملة من هذا القبيل لا يمكن أن ينبع إلا من نزعة تواطؤ مع الدكتاتورية و قد كنت أجبت عن ردك المتشنج بأن موضوع تعليقي يتعلق بفكرة وردت في نصك المؤرخ في 9/6 وفقط بهذه الفكرة.

    و ربما أحتاج أيضا إلى التوضيح أنني عندما أتحدث هنا عن الدكتاتورية فإنني لا أقصد الحديث بالسياسة و لا أعني نظاما بعينه و ليس النظام التونسي بوجه التحديد و إنما أعني المنظومات الفكرية الداعمة لمثل هذه النظم من قبيل دكتاتورية البروليتاريا الشيوعية و فاشية الأنظمة القومية على اختلاف نماذجها الغربية و العربية.

    وعسى أن يساعد هذا التوضيح على إزالة أي إلتباس حول المواقف حتى لا يتعطل الحوار من أجل حرية التعبير.


    تعليق: Tarek طارق ...  
    17 جوان 2007 في 6:24 م

    "الأخ القايد": هانا نستناو في "المساهمات النوعية" متاع سيادتكم و سيادة القليم متاعكم بكل فارغ الصبر


    "تونس الجديدة": "المغالطة" لا تكون عندما نسأل أسئلة منسجمة مع أفكارنا... بالنسبة لي لاحظت أن الكثير من المدونين لا يبدون حماسة ضرورة لموضوع الديمقراطية (و ليس بسبب الخوف فحسب)... بالتالي عندما طرحت عنوان الحملة (التي تهم المدونين التونسيين) في سؤال "هل نحتاج للديمقراطية؟" كان ذلك مثلما سبق أن فسرت في إطار الإعتراف بهذا المعطى.... و في الحقيقة أنا لا أفرق بين الأسئلة التي أطرحها سواء في "حملة" أو في غير ذلك... إذاما وجدت "مغالطة" فذلك عندما تقوم بالقفز على هذه التفاصيل لخلاصة "التواطؤ مع الدكتاتورية"... و لا يغير في ذلك المعنى الجغرافي أو السياسيالذي تقصده من عبارة "الدكتاتورية"... الحقيقة أنك لا تفعل سوى التأكيد على ما قلته و هو أن التعود على الخطاب الإحتجاجي الحركي يؤدي بصاحبه للقفز للعموميات و الشعارات و المواقف و عدم القدرة على تحمل الدخول في التفاصيل الفكرية و على عدم تحمل الدقة و توصيف الواقع مثلما هو لا مثلما نريد.... و لكن التحاليل الإرادوية بالنسبة للناشطين الحركيين ليست أمرا جديدا أو غير متوقع.... مرة أخرى أرجو التوقف على المزايدة حتى نبقي على ما يمكن أن يتبقى من إحترام متبادل



طارق الكحلاوي
نشأ طارق في أحد مدن الضواحي مدينة رادس الواقعة في الجمهورية التونسية. يشغل الآن موقع أستاذ في جامعة روتغرز (قسمي التاريخ و تاريخ الفن). تلقى طارق تكوينه الجامعي في جامعة تونس (كلية 9 أفريل، إجازة و دراسات معمقة في التاريخ و الآثار) و جامعة بنسلفانيا (رسالة دكتوارة في تاريخ الفن). و يعلق بانتظام على القضايا و الاوضاع العربية باللغتين العربية و الانجليزية في مواقع و صحف مثل "الجزيرة.نت" و "القدس العربي" و "الحياة" و "العرب نيوز" و "ميدل إيست أونلاين"، و يكتب عمودا أسبوعيا في جريدة "العرب" القطرية. يكتب أيضا في قضايا ثقافية و نظرية تخص الاسلام المعاصر في المجلة البيروتية "الآداب". و تمت استضافته للتعليق في قناة "الجزيرة الفضائية" و قناة 13 "بي بي أس" (نيويورك).

Tarek Kahlaoui
Tarek grew up in the suburban city of Rades in Tunisia. He is currently an Assistant Professor at Rutgers University (a joint position in the Art History and History departments). Tarek graduated from the University of Tunis (Bach. and DEA in history and archeology) and University of Pennsylvania (Ph.D. in history of art). Tarek also comments regularly in Arabic and English on Middle Eastern issues and politics in Aljazeera.net, Al-Quds Al-Arabi, Al-Hayat, Arab News, and Middle East Online, and writes a weekly column for the Qatari newspaper Al-Arab. He also writes on intellectual and theoretical issues related to contemporary Islam in the Lebanese magazine Al-Adab. He was also invited to comment in Al-Jazeera Channel, and in Channel 13 (PBS-New York).