كان خطف مواطنين نمساويين جاءا لبلادنا للسياحة الصحراوية (بمعزل عن مكان اختطافهما) يهدف كما هو معلن من قبل إرهابيي القاعدة لـ"نصرة" أهالي غزة و لتهديد السياحة في بلادنا. غير أنه لا يوجد ما يلوث النضال المشرف للمقاومة الفلسطينية و أهالي غزة إلا هذه الأعمال البربرية التي تستهدف أناسا آمينين أعطوا الأمان من قبلنا و من بلد مثل النمسا يستقبل و يوفر الشغل لعائلات أجنبية و مسلمة كثيرة. و من يعرف تاريخ "القاعدة" سيعرف أنه كان بالأساس تاريخ التهرب من مواقع التحرير الوطني: إما بالذهاب لإفغانستان وقت إشتعال الجبهات اللبنانية و الفلسطينية و إما بتفخيخ مسارات التحرر الوطني الراهنة من خلال الدفع باتجاه الصراعات الطائفية (مثل المجازر ضد الشيعة "الروافض" و بقية "المخالفين" و "العصاة" من الفصائل الوطنية الحقيقية في العراق). إنه لضحك على الذقون أن يحاول إرهابيو القاعدة المتمرسين على حصد أرواح المدنيين بمعزل عن ديانتهم تبرير عمل جبان مثل خطف السائحين النمساويين بأنه عمل من أجل "نصرة" أهالي غزة. و مثلما تقوم أطراف تمارس الهيمنة في منطقتنا يقوم هؤلاء بخلط ممارسات المقاومة الوطنية بممارسات الارهاب. لكن شرعية و حق و دعم المقاومة الوطنية (بما فيها أطراف إسلامية-وطنية) لأي واقع احتلال و أي هيمنة عسكرية أجنبية لا يجب خلطه مع ممارسات هؤلاء التي تنظر لاستهداف جماعي للمدنيين (من خلال "فقه التترس") و من ثمة للمجازر الجماعية و التي تقوم بمحاولة اختلاق حروب أهلية تحت غطاء فقه"الارتداد" و "التكفير".

الهدف الحقيقي هو محاولة زعزعة إقتصاديات دول المغرب العربي إلي درجة تهديد إستقرارها. و بمعزل عن بعض المصاعب المحيطة بهذه الاقتصاديات و بمعزل عن أي خلافات سياسية فإن ذلك لا يمكن أن يبرر توجه الاستنزاف و تعميم الكارثة الذي يختص فيه إرهابيو القاعدة. إن أي مراقب يمكن أن يفهم الدور المهم للسياحة في تماسك إقتصادنا الوطني و أي محاولة لتهديد هذا القطاع هي محاولة لتهديد الإقتصاد برمته. و بالرغم أن تهديد سياحتنا ليس بالأمر السهل حيث فشلوا في ذلك عندما استهدفوها في "عملية جربة" إلا أن ذلك يستوجب الانتباه و استباق أي محاولة في هذا الشأن. إن الصراع مع هؤلاء ليس مجرد صراع أمني بل هو صراع شامل يستحق إنخراطا جديا من قبل كل مواطن و أي محاولة للشماتة أو اللامبالاة هو سلوك ينزع فورا إستحقاق المواطنة عن القائم به. هذا الصراع يتمركز على عدد من النقاط من بينها منع هؤلاء من اختطاف الإسلام (بالمناسبة يتسمون بجميع الأسماء مثل "أهل السنة و الجماعة" و "السلفية الجهادية" إلا المنتسبة ببساطة للإسلام بما يوحي بتمايزهم عن بقية المسلمين)... و هذا يعني تشجيع المساهمات الحرة و المستقلة نحو التجديد الديني و مواجهة هؤلاء من داخل منظومة الإسلام.... من هذه النقاط أيضا فضح تظاهرهم بالدفاع عن قضايا المقاومة و التحرر الوطني...

إن بناء الديمقراطية يقتضي الدفاع عن منظومة الدولة (و هي منظومة قائمة بذاتها بمعزل عن أي حاكم) و التي تهدد بقاءها الاستراتيجيا الفوضوية لهؤلاء... و لهذا لا يمكن لأي كان أن يقف في موقع "المحايد" بداعي "الحاجة للديمقراطية"... و لهذا فإن المحتجين (إن وجدوا) الذين يقومون بـ "تحميل المسؤولية" للحكومات القائمة إنما يمارسون اللعب بالنار لأن ذلك غير دقيق أولا و ثانيا لأن تبرير العنف يصب في نهاية الأمر في اتجاه تقويض بنية الدولة ذاتها... و من ثمة تقويض أي إمكانية لبناء الديمقراطية

من أجل ذلك يجب إعتبار قضية تحرير الرهينتين النمساويتين ليست قضية نمساوية فحسب و ليست قضية الحكومات بل هي قضيتنا نحن أيضا

عدد التعاليق: 5

    تعليق: Bechir ...  
    14 مارس 2008 في 12:52 م

    لاحظ يا طارق أن مطلبهم في آخر الأمر لم تعد له علاقة بغزة لا من قريب و لا من بعيد، فهم يريدون إطلاق سراح زملائهم المسجونين في تونس و الجزائر.

    لاحظ ايظا اعتمادهم على الأنانية اللاشعورية للعامة (مبدأ "أخطا رأسي و إضرب") عندما اختطفوا سياح اجانب لا مواطنين تونسيين رغم أن مطلبهم ليس ذا صبغة دولية, حتى لا يظن العامة أنهم مستهدفون و حتى لا ينقطع سيل التعاطف و اليد العاملة.

    كيما قلت إنت، الهدف هو زعزعة إقتصاد البلاد... ربي يستر وبرا.


    تعليق: Takkou ...  
    14 مارس 2008 في 1:13 م

    Tarek : tu ne peux savoir à quel point j'adhere à ton avis. Je pense que le sujet merite une action commune car il y va de notre futur, de celui de nos enfants et de celui des genrations a venir.


    تعليق: غير معرف ...  
    14 مارس 2008 في 2:02 م

    يا طارق هاني اليوم حكيت مع نمساوين في زوريخ الحاصيلو مغلغلين علينا ويسخايبونا ارهابين في تونس وبرى عاد ناقصنا احنا فالوقت هذا كان الارهاب .
    ما يمنعش انو بخصوص مقاطعة السياحة التونسية فما بعض أليساريين ألي نداو بيها في 18 أكتوبر وهو جهل وتخلف سياسي لانو نوليو نلعبو بخبزة العباد وهنا لازم نقولو STOP


    تعليق: Unknown ...  
    14 مارس 2008 في 3:44 م

    @zabrat
    ou as tu lu que le mouvement du 18 oct.appelle au boycot du tourisme?.
    arretes de dire des aneries.sinon je vais finir par croire que tu es borhane bsaiess


    تعليق: Tarek طارق ...  
    15 مارس 2008 في 12:55 م

    بشير: طبعا لكن ساهل عندهم بش يدورو يززرو الناس الكل عملوها سابق و بش يعملوها دائما لأنو هذيكة بنية تفكيرهم و استراتيجيتهم... كي الناس ماتبعش يكفرو على بعضو

    تاكو: هاك تشوف معظم المدونات التونسية مش مهتمة أصلا بالموضوع... شي يأسف

    زبراط من جينيف و مالك: صحيح هو صارت حملة توة سنوات و تتكرر كل صيف من جماعة "صحفيين بدون حدود" و فمة بعض الوجوه التونسية إلي شاركت في الحملة هذية... أما ما في باليش إذا كان هذا موقف المجموعة هذيكة... أما طبعا ما فمة حتى شك إلي أي تونسي يطالب بمقاطعة سياحة بلادو فإنو يقوم عمليا بانتحار سياسي



طارق الكحلاوي
نشأ طارق في أحد مدن الضواحي مدينة رادس الواقعة في الجمهورية التونسية. يشغل الآن موقع أستاذ في جامعة روتغرز (قسمي التاريخ و تاريخ الفن). تلقى طارق تكوينه الجامعي في جامعة تونس (كلية 9 أفريل، إجازة و دراسات معمقة في التاريخ و الآثار) و جامعة بنسلفانيا (رسالة دكتوارة في تاريخ الفن). و يعلق بانتظام على القضايا و الاوضاع العربية باللغتين العربية و الانجليزية في مواقع و صحف مثل "الجزيرة.نت" و "القدس العربي" و "الحياة" و "العرب نيوز" و "ميدل إيست أونلاين"، و يكتب عمودا أسبوعيا في جريدة "العرب" القطرية. يكتب أيضا في قضايا ثقافية و نظرية تخص الاسلام المعاصر في المجلة البيروتية "الآداب". و تمت استضافته للتعليق في قناة "الجزيرة الفضائية" و قناة 13 "بي بي أس" (نيويورك).

Tarek Kahlaoui
Tarek grew up in the suburban city of Rades in Tunisia. He is currently an Assistant Professor at Rutgers University (a joint position in the Art History and History departments). Tarek graduated from the University of Tunis (Bach. and DEA in history and archeology) and University of Pennsylvania (Ph.D. in history of art). Tarek also comments regularly in Arabic and English on Middle Eastern issues and politics in Aljazeera.net, Al-Quds Al-Arabi, Al-Hayat, Arab News, and Middle East Online, and writes a weekly column for the Qatari newspaper Al-Arab. He also writes on intellectual and theoretical issues related to contemporary Islam in the Lebanese magazine Al-Adab. He was also invited to comment in Al-Jazeera Channel, and in Channel 13 (PBS-New York).