كما أشار بعض المدونين (هنا و هنا) اليوم 5 ديسمبر ذكرى استشهاد الزعيم النقابي فرحات حشاد.... إلي الآن لم يقع الكشف عن تفاصيل الجريمة كاملة بما فيها مصلحة و دور سلطات الاحتلال في تنفيذ الجريمة. ما يمنع ذلك هو إستمرار السلطات الفرنسية إلى هذا اليوم في الرفض عن الإفراج عن الكثير من وثائق المرحلة الإستعمارية بما في ذلك تلك الخاصة بإغتيال فرحات حشاد (هنا)... و هو الموضوع الذي تسعى بعض الأطراف التونسية بما في ذلك عائلة الشهيد و الإتحاد العام التونسي للشغل إلى تحقيقه خاصة أن عائلة الشهيد المغربي و القيادي في حزب الإتحاد الإشتراكي (الذي ساهم بقسط كبير في تحقيق إستقلال المغرب) المهدي بن بركة نجحت في الإفراج عن جزء هام من الأرشيف الخاص بإغتياله و الذي كشف عن تورط السلطات الفرنسية و المخابرات المغربية و حتى أطراف دولية بما في ذلك الموساد في الجريمة (و هو الأمر الذي دعمته وثائق إسرائيلية) .

و في الأيام الأخيرة أصبح موضوع الأرشيف الإستعماري مثار اهتمام وسائل الإعلام في إطار زيارة الرئيس الفرنسي للجزائر... حيث ركزت بعض الصحف و المجلات الجزائرية على جرائم مهولة للجيش الفرنسي ضد الجزائريين مقابل إصرار السلطات الفرنسية في عدم الإفراج عن كامل وثائق الفترة الاستعمارية (هنا)... مثلا الصحيفة الرسمية للجيش الجزائري نشرت (هنا) ماهو متاح حول "التجارب النووية" الفرنسية و التي راح ضحيتها الكثير من الجزائريين و التي مازال لا يعرف حجمها و حجم ضحاياها بسبب الرفض الفرنسي لتسليم الوثائق الأرشيفية الخاصة بها.... لكن من أكثر ما لفت إنتباهي هو الوثائق التي تم الإشارة إليها على خلفية ذكرى محرقة/هولوكوست حقيقي بدون أي مبالغة لما سمي بـ"معركة الأغواط" في 4 ديسمبر 1852 و الذي نشر في عدد أمس من صحيفة "النهار الجديد" الجزائرية (هنا)... تفاصيل مرعبة بكل المقاييس لم يكن من الممكن التعرف عليها لولا بعض وثائق الأرشيف التي تم الإفراج عنها... هذا مقتطفات تنقل محتوى أهم وثيقة في علاقة بهذه الجريمة المذهلة التي تم فيها إستعمال الأسلحة الكيميائية في إطار التجربة و إبادة أكثر عدد من السكان:

"الجنرال جوسيف من الشرق أمام ضريح الولي الصالح سيدي الحاج عيسى، والجنرال بريسي من رأس العيون شمالا، ومن الغرب 3000 جندي، فانقسم الفرسان المقاومون وسقطت المدينة بتاريخ 04 ديسمبر 1852 باستشهاد ثلثي السكان "2500 شهيد" من أصل 3500 ساكن، وقتل الجنرال يوسكارين و10 من كبار الضباط الفرنسيين، وبقي 400 ساكن، وهجر نحو الألف. حاول الفرنسيون حرق المدينة، وإبادة البقية لولا تدخل الجنرال راندو بوجهته الإنسانية أن سكان الأغواط شجعان ودافعوا عن مدينتهم، وليسوا من الجبناء، لذلك بقي السكان على حالهم. بقيت الجثث لمدة تفوق 06 أشهر قبل دفنها حتى دفنت كلها ورمت فرنسا مايقارب 256 جثة في آبار، وتم حرقهم أحياء حسب ماأدلى به صبحي حسان ابن المنطقة، وهو يدرس في جامع وهران علم النفس الحربي، حيث مكث في فرنسا 14 سنة مكنته للإطلاع على الأرشيف الفرنسي بخصوص احتلال الأغواط أن الجيش الفرنسي ارتكب أكبر المجازر والجرائم، وهذا بمؤلفاتهم وشهاداتهم على أنفسهم، المؤرخون الفرنسيون آنذاك يعرفون بدقة مواقع هذه المجازر. ويقول ذات المتحدث أن أول معركة وقعت، أجريت فيها تجربة لسلاح المدفعية بمادة كيمياوية في مدينة الأغواط في 04 ديسمبر 1852 على الساعة 07 صباحا بالهجوم بمدفعية بوضع مادة في ضخيرة المدفع هذه المادة هي ­الكلورفوروم­ تؤدي إلى تنويم الناس وشل أعضائهم بتأثيره على نشاط الدماغ، وبعد ذلك وضعهم في أكياس وحرقهم أحياءً وهم مخدرين، هذا حسب تقرير الأستاذ أوكسينال بودانوس إلى قيادة الأركان الفرنسية للماريشال فيالاتيه فيمايخص التجربة الكيماوية، والتقرير موجود لحد الآن في الأرشيف الفرنسي ما يقارب 60 صفحة كتبت سنة 1853 لذلك مازالت المقولة الشعبية الأغواط "زينة أوفسدها الزيش الفرنسي" لأن الأغواط محطة عبور القادم إليها أثناء الاحتلال الفرنسي يتأسف بمرارة لما حصل لها."

للمصادفة جريمة الأغواط في 4 ديسمبر 1852 تسبق تقريبا بمائة عام جريمة إغتيال حشاد في 5 ديسمبر 1952. إن الإفراج عن الأرشيف الإستعماري في غاية الأهمية لإعادة ترميم الذاكرة الجماعية المغاربية و الترحم على ضحايا لم يجدوا من يترحم عليهم أو إتمام دفنهم من خلال تعزيز ذكراهم... حيث أن أكثر ما يمكن أن يتعرضوا إليه من إبادة هو تحديدا نسيانهم أو بشكل أدق عدم الإفراج على ذاكرتهم... لكن هذه ليست مجرد رياضة روحية تخص الماضي... لأن ترميم الثقة بين فرنسا و مستعمراتها السابقة خاصة في ظل مشاريع سوريالية من نوع "الإتحاد المتوسطي" غير ممكن في حالة إستمرار مؤشرات رفض فرنسا الرسمية الإعتراف بجرائم نعرف أنها تمت.


عدد التعاليق: 2

    تعليق: abunadem ...  
    5 ديسمبر 2007 في 3:45 م

    فعلا ما تقوله هام يا طارق على الاقل المغاربة والجزائريين طالبوا بالارشيف لماذا لم نفعل نحن
    مع حشاد ومع بن يوسف واخرين
    لماذا لانملك الجراة للمطالبة ؟؟؟


    تعليق: Werewolf ...  
    6 ديسمبر 2007 في 1:45 ص

    أنا انميل أكثر لاحتمال صفقة سرية دنيئة و نتوقع أنها مازالت قائمة الذات حتى التوّة.
    ا



طارق الكحلاوي
نشأ طارق في أحد مدن الضواحي مدينة رادس الواقعة في الجمهورية التونسية. يشغل الآن موقع أستاذ في جامعة روتغرز (قسمي التاريخ و تاريخ الفن). تلقى طارق تكوينه الجامعي في جامعة تونس (كلية 9 أفريل، إجازة و دراسات معمقة في التاريخ و الآثار) و جامعة بنسلفانيا (رسالة دكتوارة في تاريخ الفن). و يعلق بانتظام على القضايا و الاوضاع العربية باللغتين العربية و الانجليزية في مواقع و صحف مثل "الجزيرة.نت" و "القدس العربي" و "الحياة" و "العرب نيوز" و "ميدل إيست أونلاين"، و يكتب عمودا أسبوعيا في جريدة "العرب" القطرية. يكتب أيضا في قضايا ثقافية و نظرية تخص الاسلام المعاصر في المجلة البيروتية "الآداب". و تمت استضافته للتعليق في قناة "الجزيرة الفضائية" و قناة 13 "بي بي أس" (نيويورك).

Tarek Kahlaoui
Tarek grew up in the suburban city of Rades in Tunisia. He is currently an Assistant Professor at Rutgers University (a joint position in the Art History and History departments). Tarek graduated from the University of Tunis (Bach. and DEA in history and archeology) and University of Pennsylvania (Ph.D. in history of art). Tarek also comments regularly in Arabic and English on Middle Eastern issues and politics in Aljazeera.net, Al-Quds Al-Arabi, Al-Hayat, Arab News, and Middle East Online, and writes a weekly column for the Qatari newspaper Al-Arab. He also writes on intellectual and theoretical issues related to contemporary Islam in the Lebanese magazine Al-Adab. He was also invited to comment in Al-Jazeera Channel, and in Channel 13 (PBS-New York).