قرر بعض المدونين منهم القديم الذي نعرفه (هنا) و منهم الجديد على الفضاء المدوناتي بالمبادرة اليوم 15 جوان للقيام بحملة "من أجل الدفاع عن الإسلام". بدا أن هاجس الداعين للحملة النفور مما أحسو أنه "تجريحا" و "سبا" و "شتما" تجاه عقيدتهم الدينية بما في ذلك ما تقع كتابته في بعض المدونات التونسية. أرغب في هذا الإطار أن أقوم ببعض الملاحظات على هذه الدعوة و كذلك على بعض ما كتب تعليقا عليها في الآونة الأخيرة:

مر الفضاء المدوناتي التونسي بمراحل مختلفة. بعد مرحلة أولى جنينية تميزت أساسا بالطابع الذاتي و تجاهل الشأن العام بشكل إطلاقي انخرطت مدونات تونسية متزايدة منذ حوالي العامين في التعليق على الشأن العام و الاهتمام بالقضايا الفكرية و ازدادت وتيرة هذا التوجه منذ حوالي العام بشكل غير طبيعة الفضاء المدوناتي بدون رجعة. غير أن هذه المرحلة تميزت، و على عكس المقولة النمطية التي تتكرر من قبل بعض المدونين، بأنها لم تجعل الفضاء المدوناتي "مرآة" (بمعنى الانعكاس المباشر) للمجتمع التونسي رغم الصفات المشتركة و المتوقعة بين المجالين. إذ كان "البلوقوسفير" التونسي خلال هذين العامين بمثابة الملجأ للمهمشين (بالمعنى الأكاديمي المحايد لهذه المصطلح): المهمشين سياسيا و فكريا بشكل خاص. و كان يمكن أن نلاحظ في هذا الإطار وجود عدد لابأس به من المدونات التي جعلت محورها الأساسي، أو في أقل الأحوال الغالب، التعبير عن رؤى "لادينية" بشكل عام و بالتحديد رؤى رافضة للإسلام. يجب أن أشير هنا أنه بينما كان البعض من هؤلاء يعبر عن آرائه في كنف التحليل الهادئ الواثق من نفسه و الباحث عن العمق الفكري اتجه البعض الآخر إلى السب و الشتم و الاستفزاز الصريح من خلال إطلاق شعارات تعميمية بناء على منهج تبسيطي يقتضي قص بعض المعطيات النصية عن إطارها الفكري و التاريخي و ربطها بتقييمات "لاكرونولوجية" معاصرة (بشكل يتناقض مع الأسس المنهجية لأي مقاربة تدعي الإستئناس بـ"التأريخ" كاختصاص علمي). المثير في الإنتباه نشوء نوع من التضامن بين هذه المدونات ثم المدونين و هو الأمر الذي تجسم بشكل مرئي خاصة من خلال عملية "التصويت" التي يتيحها مجمع "تن-بلوقس". و بدا لفترة أن بعض المدونين المتبنين لهذا التوجه أحسو بنوع من الدفئ عبر ما كان يبدو أنه "غالبية مدوناتية" (مصوتة) ربما تحيل على وهم الإنتصار على واقع مختلف.

غير أنه كان من الضروري تذكر هذا الواقع المختلف الذي توجد فيه أغلبية أخرى لا يمكن للـ"الأغلبية المدوناتية" (إن وجدت أصلا) أن تنفيه. و ربما من الأشياء التي لا نحتاج التصويت عليها لأنها من قبيل الواقع الموضوعي الثقافي هو وجود غالبية ساحقة من التونسيين الذين و إن لن يكونوا متطابقين في طريقة تعبيرهم عن إيمانهم الديني إلا أنهم سيشعرون بالإهانة و الاحتقار إن تم شتم عقيدتهم الدينية بما في ذلك الرسول (صلعم) و الذي يجب التذكير أحيانا أنه ليس مجرد شخص بالنسبة لهؤلاء بل هو (من حيث كونه "رسولا") محور أساسي من إيمانهم الديني بالذات. و كمجرد مثال أخير على هذا النوع الهابط من ثقافة السب و القذف البهائمي كتابة تدوينات من هذا النوع (هنا) و المصوتين عليها (هنا) الذين لا يمكن منافستهم في المزايدة حول معاني "التسامح" و التموقع ضمن كرسي الضحية في الوقت الذي يستغرقون فيه في سكيزوفرينية مفارقة من خلال تشجيع الآخرين على قول ما يرغبون هم فعلا في قوله.

و هكذا كان من المتوقع أن توجها مثل هذا خاصة في تمظهراته الفضائحية الصفراء أن يستفز القراء الجدد و المتكاثرين للفضاء المدوناتي التونسي الذي لم يعد من الممكن أن يبق مجالا هامشيا. كما كان من المتوقع أن بعض هؤلاء القراء سيقرر اقتحام الكتابة المدوناتية. و أخيرا كان من الطبيعي أن جزءا هاما من هؤلاء سيكون من بين أجيال جديدة من الشباب التونسي تزايد اهتمامها بميراثها الإسلامي بمعزل عن الطرق التي بصدد إيصالهم لهذا الاهتمام و الذي لا يقول أنه مجرد إختلاق من قبل فضائيات "دينية رجعية" إلا من يرغب في نسيان واقع الانتماء الإسلامي (حتى الشعبي) للغالبية الساحقة من التونسيين.

ربما ينظر البعض لموضوع الأحداث في جهة قفصة بشكل منعزل عن موضوع سب الإسلام و لكن من الضروري الانتباه الى حقيقة طالما تجاهلتها قوى "يسارية" هي الآن في غياهب النسيان: لا يمكن لمن يرغب في دعم أهالي قفصة (خاصة عمليا و في الميدان) في نضالهم من أجل حياة كريمة في الوقت الذي يتم فيه بإصرار بالغ سب عقيدتهم الدينية. ليس من الضروري أن أشير هنا إلى الطريقة التي شيع بها أهالي الرديف من سقط ضحية الأحداث الأخيرة ("لا إله إلا الله محمد رسول الله") و هي الطريقة التي لا تعكس إيمانهم بالعبودية بقدر ما تعكس إيمانهم الراسخ بعدالة إلاهية حتى و إن بدى ذلك مجرد "وهم ميتفازيقي" بالنسبة لبعض المتثاقفين.

إن تصوير حملة 15 جوان على أنها حملة شخصية لمدون محدد بهدف شخصنتها و لما لا تصويرها في شكل "مؤامراتي" من قبل قوي "خفية" ترغب في "استدراج النفس الإسلامي" هو من قبيل سلوك إنكاري لا يرغب في رؤية الواقع بقدر ما يرغب في الاستغراق في أوهام مكررة. يجب أن أقول هنا أن طريقة و لهجة بعض المبادرين لهذه الحملة ربما لا تجلب تعاطف حتى من يمكن أن يقاسموهم المشاعر و المبادئ العامة و قد قمت شخصيا بمواجهة ذلك التوجه. غير أن هذه السلوكيات يجب توقعها عند قيام البعض بانتهاج طريقة السب الفج و "النقد الفضائحي" في نصوص وقع قصها و تفصيلها بطريقة "الألعاب اليدوية" و تقديم ذلك على أنه بحوث تاريخية غير مسبوقة.

إن التمييز بين حرية الرأي (بما في ذلك حرية النقد) و السب و القذف ليس إختراعا إسلاميا و ليس حيلة أو "مؤامرة على الديمقراطية". ببساطة هذا التمييز هو ما توصلت إليه المجتمعات التي جربت أكثر من غيرها الديمقراطية و حرية الرأي و التعبير. كنت قد كتبت مقالا مطولا حول "الرسوم الكاريكاتورية" الدانماركية حاولت فيه الوقوف على الموضوع من مختلف جوانبه (هنا). و تعرضت في أحد الفقرات الأخيرة من المقال لهذا الموضوع بالذات و قمت بالإشارة إلى النقاش الجاري في هذه المجتمعات حول مفاهيم مثل "التحريض على الكراهية" بوصفه ممارسة سالبة للمبدأ الإيطيقي لحرية التعبير أصلا. يصبح السب و القذف ذي أبعاد أخطر عندما يتعلق الأمر بمجتمع ذي أغلبية مسلمة مثل مجتمعنا التونسي. ففي ظرفية نعاني فيها من نمو المشاعر الدينية المتطرفة تصبح خطابات سب و شتم الإسلام و رموزه من قبيل صب الزيت على النار. و رغم أن الممارسين لذلك مجرد بعض المدونين الذين يعدون على أصابع اليد الواحدة لكنهم نجحوا في استفزاز مواطنين لهم و ساهموا، سواءا رغبوا في ذلك أم لم يرغبو، في دفع الفضاء المدوناتي نحو معارك دونكشوتية في وقت كانت فيه الرديف محور التضامن و في وقت تعرضت فيه بعض المدونات للحجب من جديد.



عدد التعاليق: 10

    تعليق: Bechir ...  
    15 جوان 2008 في 11:22 ص

    "يجب أن أقول هنا أن طريقة و لهجة بعض المبادرين لهذه الحملة ربما لا تجلب تعاطف حتى من يمكن أن يقاسموهم المشاعر و المبادئ العامة..."

    أصبت كبد الحقيقة بهذه الجملة يا طارق. جل الكتابات اللي قريتها في الأيام الفارطة حول موضوع الحملة هذه ولو أنها جذابة شكلاً (مقامات، نثريات، خطب...) والبلاغة فيها تضرب تصرع إلا أنها منفرة مضموناً تخلي حتى الناس الموجودة دو فاكتو في نفس "المعسكر" (بما انو الحكاية ولات أحلاف و احزاب) يحسوا بالضيق.

    على الأقل، كان هذا ما شعرت به كيف قريت العديد من كتابات "حلف الأنصار" هذاية والي خلاني نعتزل الحملة هذي.


    تعليق: ابن رشد ...  
    15 جوان 2008 في 4:24 م

    إن ما يغذي مشاعر التطرف هو اعتبار كل نقد للمنظومة الفكرية الإسلامية شكلا من أشكال السب والقذف.فكون غالبية المجتمع يدين بدين الإسلام ليس حجة لعدم التعرض لتجربة الإسلام في الحكم بدء بمحمدوالخلفاء باعتبارهم جزء من التاريخ يقع استحضارهم في عصرنا الحالي لمعالجة شؤوننا في مجال الحكم والمعاملات وغيرها.فلا يعقل أن نقوم بالدعاية لبدائلناالاجتماعية وتصوراتنا عن الكون وفي صورة الاعتراض علينا نصرخ ونقول اننا نتعرض للسب والشتم


    تعليق: Tarek طارق ...  
    15 جوان 2008 في 4:59 م

    بشير... إي نعرف هذا شعور الكثيرين... لكن الشبية الجديدة توة تتعلم بالشوية كيفاش تتغير...

    ابن رشد... ما نعرفش التعليق متاعك في علاقة بإلي كتبتو أنا و إلا... يظهرلي يلزمك تحدد موقفك: هل هناك تمييز بين حرية النقد و الشتم؟ هذا جوهر الموضوع... أنا عطيت مثال على الشتم كنت تنجم تعلق عليه و تبعد على التقييمات العامة... مقابل هذاكة قلت إلي فمة ناس تقوم بنقد هادئ... و ربما في المدونات مافماش مستوى يستحق الاهتمام في الاطار هذاية على الأقل من موقعي كمختص في التاريخ... لكن في الساحة الثقافية التونسية عندنا أمثلة متاع تحليل جدي للظاهرة التاريخية الإسلامية (بما فيها الرسول) ما وقعتش في التقييمات السياسوية و الايديولوجية... مثلا الكتب لخرة متاع هشام جعيط حول الوحي... و إلي تناقشت بهدوء... و لو أنو مش بالشكل الكافي... بالمناسبة كنت نتمنى من المدونين إلي يحبو يحافظو على سرية هويتهم أنهم ما يستعملوش أسماء مثل بن رشد... خليو ابن رشد في حالو


    تعليق: mornaguy ...  
    16 جوان 2008 في 1:10 ص

    هو ما لا شك فيه اننا في مجتمعنا ما نمتلكوش ثقافة الحوار الهادئ و الرصين. وكل ما يبدا حوار الآ ما يتحول سريعا الي تصادم و عنف. وهذا يعكس ربما عدم وجود فضائات للشي هذا. نتمني البلوغوسفار كيما قال طارق المنشود تتحول لهذا الفضاء و لو يلزم شويا وقت.


    تعليق: غير معرف ...  
    16 جوان 2008 في 4:51 ص

    Franchement Tark,je n'ai qu'un mot a te dire...BRAVO.
    Ce pugilat ideologique est venu quand il le fallait:une magnifique maniere de demontrer notre soutien aux habitants de Gafsa et de Fedyef qui croulent sous les balles des BOP alors que votre majeste vous consacrez une journee pour defendre une religion debile et un prophete encore plus debile,terroriste illetre et polygamme.
    Merci pour ce patriotisme abondant..
    Merci pour cette ''tadwina 7amra''.
    Vous croyez qu'a Gafsa,des mineurs(ceux qui travaillent dans les mines pas les non-majeurs')
    ont internet pour aprecier votre initiative.
    Je suis sur que la mere a Hichem a ete touche par tes notes(si elle n est pas illetree ce qui est tres improbable"'.
    Et si il y en a un qui vous remercie prifondement c est le pouvoir qui vous felicite d'avoir attire l'attention du lectorat de la Blogosphere vers d'autres cieux.
    Encore une fois Merci


    تعليق: Bechir ...  
    16 جوان 2008 في 5:11 ص

    zabratfromgeneva@

    Je te conseille vivement d'en prendre une paire


    تعليق: هناء ...  
    18 جوان 2008 في 6:45 ص

    السب و الشتم اسلوب الضعاف في الرد، الحملة كانت اهدافها واضحة،التوقف عن ازدراء الاديان و من حقنا كمسلمين ان نعبر عن رفضنا ان يسب الرسول عليه الصلاة و السلام
    البعض راى انه مش من حقنا و اكتفى بالصمت و البعض الاخر راى انه تطاولنا و شتمنا و فيه من فكر المؤامرة عنده تخطى كل حدود و اصبح كل من يحكي عن الاسلام عدو لتونس و عميل للنظام حتى يلهي الناس عن قفصة
    ناس تعودت تنادي بحرية التعبير لكن لما يجي في المقابل من يحاول استعمال نفس الشعار يسكرولو فمه


    تعليق: jenni ...  
    18 جوان 2008 في 6:30 م

    http://ejjenni.blogspot.com/2008/06/blog-post_18.html

    لمـّـاله تيزي فو


    تعليق: Tarek طارق ...  
    18 جوان 2008 في 9:24 م

    جني أو زبال... أول مرة إنت اطل علية لهنا... و في لاخر بش تجي تقولي لية أنا "تيزي فو" (سكر فمك)؟... تي أنا نخمم كيفاش نتضمانو المدونات الكل بش نحتجو من هنا ل 1 جويلية على الحجب إلي تعرضتلو بعض المدونات بما فيها مدونتك و مبعد إنت جايني لهنا بش تقولي "تيزي فو"؟

    "تي زي فو" علاش؟ على خاطر وصفت الناس إلي قالت كلام بذيئ في حق معتقد ديني متاع معظم المواطنين التوانسة (بما فيهم أهالي قفصة إلي مدونتك تحجبت على خاطر نقل أخبارها) بالبهائميين؟ إنت يظهر فيك تفركح... كيفك كيف بعض الناس إلي تتخيل روحك تحارب فيهم و بعض الناس إلي في بالك تحارب معاهم... برة يعيش خويا أعمل عقلك... راك جديد و قاعد تتعرض للصنصرة... و مش هكة الناس تحترمك...

    هذية إخرتها... بش تجي إنت سي الزبال تقولي لي أنا تي زي فو؟؟!!


    تعليق: jenni ...  
    23 جوان 2008 في 8:02 ص

    التعليق ما كانش موجّه ليك انت يا طارق
    ...
    التعليق موجّه للتعليق اللي قبلي
    ...
    باقي كلامك المتسرّع... باش نعمل روحي ما سمعتوش
    :)



طارق الكحلاوي
نشأ طارق في أحد مدن الضواحي مدينة رادس الواقعة في الجمهورية التونسية. يشغل الآن موقع أستاذ في جامعة روتغرز (قسمي التاريخ و تاريخ الفن). تلقى طارق تكوينه الجامعي في جامعة تونس (كلية 9 أفريل، إجازة و دراسات معمقة في التاريخ و الآثار) و جامعة بنسلفانيا (رسالة دكتوارة في تاريخ الفن). و يعلق بانتظام على القضايا و الاوضاع العربية باللغتين العربية و الانجليزية في مواقع و صحف مثل "الجزيرة.نت" و "القدس العربي" و "الحياة" و "العرب نيوز" و "ميدل إيست أونلاين"، و يكتب عمودا أسبوعيا في جريدة "العرب" القطرية. يكتب أيضا في قضايا ثقافية و نظرية تخص الاسلام المعاصر في المجلة البيروتية "الآداب". و تمت استضافته للتعليق في قناة "الجزيرة الفضائية" و قناة 13 "بي بي أس" (نيويورك).

Tarek Kahlaoui
Tarek grew up in the suburban city of Rades in Tunisia. He is currently an Assistant Professor at Rutgers University (a joint position in the Art History and History departments). Tarek graduated from the University of Tunis (Bach. and DEA in history and archeology) and University of Pennsylvania (Ph.D. in history of art). Tarek also comments regularly in Arabic and English on Middle Eastern issues and politics in Aljazeera.net, Al-Quds Al-Arabi, Al-Hayat, Arab News, and Middle East Online, and writes a weekly column for the Qatari newspaper Al-Arab. He also writes on intellectual and theoretical issues related to contemporary Islam in the Lebanese magazine Al-Adab. He was also invited to comment in Al-Jazeera Channel, and in Channel 13 (PBS-New York).