في هذه الليلة الممطرة تذكرت رخمانينوف... كم كنت أستمع إلى رخمانينوف؟! ذلك الملاك الحامل لأصوات غير متوقعة و مزلزلة... كم إستمعت من مرة لـ "بيانو كونشيرتو 2"؟!!.. المرة الأولى التي استمعت فيها لتلك الأعجوبة كنت أمشي وسط نيويورك تحت ثلج كثيف في أعياد رأس السنة.. نيويورك مضيئة بأنوار أعياد الكريسماس مطرزة بالثلوج مع "بيانو كونشيرتو 2" خليط لا يمكن نسيانه... خليط من الصور البطيئة السرمدية و المفارقة: فرح حزين و حزن فرح...

ثم أتذكر، الآن، كيف بقيت أحد المرات تحت المطر بجانب حائط في المدينة الجامعية في باريس أستمع خلسة لطالبة أرمينية تعزفها... كانت تخطئ و تعيد الكرة (في الحركة الأولى.. الأصعب و الأكثر دويا و درامية)... تلك الولادة المستديمة، خمنت، كانت سر مقطوعة رخمانينوف... كانت لحظات من المعاناة الصرفة: من يطوع الآخر: البيانو أم أصابعها؟ كانت تبكي.. و كنت أبكي...

قبل أن أستمع إلى "بيانو كونشيرتو 2" جربت إلى ما لا نهاية الموسيقى الكلاسيكية... اعتقدت أني وجدت نبيي عندما جربت بتهوفين.. ثم رافيل... لكن كان تحيزي الفطري للفن الروسي قد جعلني فريسة طيعة لتشايكوفسكي... قرأت روايات و كتب عاصفة (مثل "الحب في زمن الكوليرا"... و حتى االمؤلف الهزلي و الدرامي في الآن نفسه "18 من بريمير" لماركس!!) على وقع الموسيقى المتكررة لتشايكوفسكي في غرفة مغلقة و مظلمة... كانت تلك من أروع لحظات مراهقة لا تنسى...

لكن نسيت كل شيء بمجرد أن استمعت إلى رخمانينوف... "بيانو كونشيرتو 2" (في ثلاثة حركات/شهقات)... ذلك المخاض بأتم ما في الكلمة من معنى.... خلق رخمانينوف مقطوعته في زمن كان يحتاج فيه لتأكيد ذاته بعد صراعات و أزمات نفسية كبيرة... و كان ذلك المخاض ما أحتاجه دائما... الولادة المستديمة

رابط على يو تيوب لرخمانينوف يعزف مقطوعته/مقطوعتي المفضلة




عدد التعاليق: 11

    تعليق: Werewolf ...  
    27 أكتوبر 2008 في 11:57 م

    فين كانت متخبية الموهبة هاذي... يظهرلي أحسن حل أنني نسمع و نسكت


    تعليق: Jalel El Gharbi ...  
    28 أكتوبر 2008 في 2:32 ص

    لغة انيقة و ذوق رفيع. شكرا
    http://jalelelgharbipoesie.blogspot.com/


    تعليق: Haykel AZAK ...  
    28 أكتوبر 2008 في 3:08 ص

    رائع يا طارق إنّ اصابعي تتلكّأ ولا أجد الكلمات كي أعلّق على ما كتبت


    تعليق: غير معرف ...  
    28 أكتوبر 2008 في 4:31 ص

    اول مرة يتغير اسلوب كتاباتك ربما دواعى الحنين قضت بذلك ....أسلوب رائع اتمنى ان تواصل الكتابة به "حتى بين فينة واخرى" واختيار ملهم ...شكرا للمشاركة


    تعليق: Bel Malwene ...  
    28 أكتوبر 2008 في 6:57 ص

    أبب !!!!!!!!!!!!!! في هذي جبدت بيّا كمبلاتمون يا طارق !!! ههههههههه !! على كل يعطيك الصحة ... معزوفة رائعة ووصف أروع


    تعليق: samsoum ...  
    28 أكتوبر 2008 في 9:44 ص

    Tarek, this is really amazing. I spent last night more than one hour listening to Rachmaninov ;) I was also in a nostalgic mood ( I am on a business trip in DC and I miss my family)
    Isnt't that amzin or what? BTW I have a couple of concertos for him in my music blog


    تعليق: brastos ...  
    28 أكتوبر 2008 في 1:50 م

    c'est touchant
    bravo et merci pour le choix


    تعليق: الحلاج الكافي ...  
    28 أكتوبر 2008 في 1:54 م

    الرابط ما يخدمش يا طارق....


    تعليق: WALLADA ...  
    28 أكتوبر 2008 في 2:23 م

    Je ne parlerais pas du style mais de la haute sensuatité , l'élégance des idées et ce beau chagrin qui a changé completement ton profil .

    Je découvre un nouveau Tarek trés délicat


    تعليق: Tarek طارق ...  
    28 أكتوبر 2008 في 9:01 م

    أية ما تحشمونيش عادة يا جماعة.. أتوة نبطل من هل الحكايات هذية

    ويروولف... بالضبط أحسن شي تسمع و تسكت :)
    جلال الغربي... مرحبا بيك

    قنيتكرم... شكرا على الكلمات الجميلة

    أرابيكا... بالضبط الحنين للأسلوب هذاكة.. و الحنين أيضا للأجواء هذيكة

    بالملوان... أبب حتى إنت وحدك في هل التعليق.. :))

    samsoum... amazing indeed... so you did feel my (eastern coast) rainy night... and with it Rachmaninov.. we should've felt the luckiest people in the world...

    براستوس.. مرحبا بيك و شكرا..

    الحلاج... لأنها في يوتيوب..

    ولادة... ساعات نفتقد الجانب هذاكة...


    تعليق: abbes ...  
    29 أكتوبر 2008 في 4:18 م

    titsawar ya tarek marra jawni dhifen twansa w jabou m3ahom cd mizwid ... ma ra3ni illa bkit kif sma3tou ... wik3adt behta fi rouhi modda ??????????



طارق الكحلاوي
نشأ طارق في أحد مدن الضواحي مدينة رادس الواقعة في الجمهورية التونسية. يشغل الآن موقع أستاذ في جامعة روتغرز (قسمي التاريخ و تاريخ الفن). تلقى طارق تكوينه الجامعي في جامعة تونس (كلية 9 أفريل، إجازة و دراسات معمقة في التاريخ و الآثار) و جامعة بنسلفانيا (رسالة دكتوارة في تاريخ الفن). و يعلق بانتظام على القضايا و الاوضاع العربية باللغتين العربية و الانجليزية في مواقع و صحف مثل "الجزيرة.نت" و "القدس العربي" و "الحياة" و "العرب نيوز" و "ميدل إيست أونلاين"، و يكتب عمودا أسبوعيا في جريدة "العرب" القطرية. يكتب أيضا في قضايا ثقافية و نظرية تخص الاسلام المعاصر في المجلة البيروتية "الآداب". و تمت استضافته للتعليق في قناة "الجزيرة الفضائية" و قناة 13 "بي بي أس" (نيويورك).

Tarek Kahlaoui
Tarek grew up in the suburban city of Rades in Tunisia. He is currently an Assistant Professor at Rutgers University (a joint position in the Art History and History departments). Tarek graduated from the University of Tunis (Bach. and DEA in history and archeology) and University of Pennsylvania (Ph.D. in history of art). Tarek also comments regularly in Arabic and English on Middle Eastern issues and politics in Aljazeera.net, Al-Quds Al-Arabi, Al-Hayat, Arab News, and Middle East Online, and writes a weekly column for the Qatari newspaper Al-Arab. He also writes on intellectual and theoretical issues related to contemporary Islam in the Lebanese magazine Al-Adab. He was also invited to comment in Al-Jazeera Channel, and in Channel 13 (PBS-New York).