رواية "العطر: قصة قاتل"، باتريك زوسكيند


--المشهد الافتتاحي--

في العصر الذي نتحدث عنه هيمنت على المدن رائحة نتنة.. فالشوارع كانت تنضح برائحة الغائط، و باحات المنازل الخلفية برائحة البول، و أدراج البنايات برائحة الخشب المتفسخ و روث الجرذان، و المطابخ برائحة الملفوف المتعفن و رائحة الخراف. أما الغرف غير المهواة فقد كانت تنضح برائحة الغبار الرطب، و غرف النوم برائحة الشراشف المدهنة و اللحف الرطبة المحشوة بالريش، و بالرائحة النفاذة المنبعثة من المباول. من المدافئ كانت تفوح رائحة الكبريت، و من المدابغ رائحة قلويات الغسيل الواخزة، و من المسالخ رائحة الدماء المتفسخة.

أما البشر فكانوا ينضحون برائحة العرق و الملابس غير المغسولة، و من أفواههم كانت تنضح رائحة الأسنان المتعفنة، و من بطونهم رائحة البصل. و إن كان العمر قد تقدم بهم قليلا، فقد كان لأجسامهم رائحة الجبنة العتيقة و الحليب الحامض و الأمراض الورمية.

كانت الروائح تفوح من الأنهار و الساحات، من الكنائس و من تحت الجسور، و من القصور. كانت رائحة الفلاح كريهة كرائحة القس، و رائحة الحرفي المتدرب كرائحة زوجة المعلم. كانت طبقة النبلاء كلها تنضح بالرائحة الكريهة... في الصيف و الشتاء.

ففي القرن الثامن عشر لم يكن الانسان قد توصل الى وضع حد للتفاعل التحللي للبكتيريا. و نتيجة لذلك لم تكن هناك أية فعالية بشرية، لا البناءة فيها و لا المخربة، دون رائحة. كما لم يكن هناك أي تفتح على الحياة او اندثار لها دون أن ترافقه رائحة...

و هنا في أكثر أماكن المملكة بأسرها زخما بالروائح، ولد جون بابتسيت غرنوي في السابع عشر من تموز/يوليو 1738. كان أشد أيام السنة حرا، فقد جثمت الحرارة كالرصاص فوق المقبرة بحيث كانت تضغط بخار التفسخ المتصاعد من مزيج من البطيخ المتعفن و القرون المحترقة باتجاه الأزقة المجاورة. كانت والدة غرنوي عندما جاءها المخاض تقف أمام عربة سمك رائحته قد تصاعدت إلى درجة أنها طغت على روائح الجثث

هناك حكمة أزلية في نص سوزكيند: في أكثر الأجواء و الظرفيات عفونة يجب أن نتوقع أكبر احتمالات ظهور أجود أنواع العطور. و ضمن حشود الأنوف التي تعودت على الرائحة الكريهة ستظهر الأنوف الأكثر حساسية و قدرة على تمييز الروائح.

هذه تدوينة تجريبية حتى استكمال توضيب المدونة


عدد التعاليق: 11

    تعليق: Moghrama ...  
    2 مارس 2010 في 1:52 ص

    Bonjour Tarek et mabrouk pour le blog.Je voulais juste savoir si la traduction du texte de Süskind est de toi, je ne savais pas qu'il existait une version arabe!!
    Bonne continuation, et j'espère que de ce blog , sortira le meilleur des parfums!!


    تعليق: Tarek طارق ...  
    2 مارس 2010 في 8:53 ص

    يسعدني أن تكوني أول معلقة مغرمة

    التعريب مأخوذ عن ترجمة منشروة الى العربية لنبيل الحفار لدار المدى الدمشقية
    http://www.adabwafan.com/browse/entity.asp?id=16224


    تعليق: bacchus ...  
    2 مارس 2010 في 11:06 ص

    هذا أحسن رد على عمّار
    عودة أفكار ليلية
    تدوينة العودة فيها برشا معاني للي يحب يفهم.
    حلو برشا الإخراج الجديد أيا مرحبا بيك من جديد


    تعليق: حياة العابد ...  
    2 مارس 2010 في 11:44 ص

    مبروك المدونة وان شلء الله بالعنار ,, العمار معناه موش عمار ههه
    الحكاية عجبتني برشى خاصة "و ضمن حشود الأنوف التي تعودت على الرائحة الكريهة ستظهر الأنوف الأكثر حساسية و قدرة على تمييز الروائح."


    تعليق: coeos ...  
    2 مارس 2010 في 2:05 م

    Il y a aussi une autre sagesse dans le Parfum: Grenouille est un meurtrier et finit dépecé...Il faudrait que nous évitions que des apprenti-parfumeurs comme Grenouille pensent que pour apprécier les meilleurs parfums, il faudrait passer par le sacrifice ! Anyway...Mabrouk pour le nouveau blog


    تعليق: Adem Salhi ...  
    2 مارس 2010 في 3:54 م

    هيا مرحبا بيك مرة أخرى؛ نحبك ديما في الموعد؛ شيء ما يوقفك


    تعليق: abunadem marzouki ...  
    2 مارس 2010 في 4:52 م

    مرحبا بعودتك بيننا طارق ...والله فرحت كثيرا حين ضغطت على الرابط وانفتح اخيرا....مرحبا بك ونواصل الطريق سويا..ما كنا بداناه...منذ حلم


    تعليق: ارابيكا ...  
    2 مارس 2010 في 4:55 م

    بالرغم من انهم يستأصلون رحم هذى الارض كل يوم لم يستطيعوا مطلقا ان يُصمتوا صرخات الطلق ووجع المخاض اللذي يصدح صوتها به كلّ لحظة ومن جميع الاتجاهات
    عودة ميمونة صديقي بالرغم من انك لم تنقطع مطلقا واختيار(للنص) صاخب وساخط :)


    تعليق: Tarek طارق ...  
    3 مارس 2010 في 12:57 ص

    شكرا باخوس

    شكرا حياة

    شكرا كويوس... تطرف الأنوف المتحررة أمر لا يمكن أن نرفضه أو نقبله.. هو ببساطة جزء من الآلية التي يخلقها تطرف التعفن.. و ذلك على ما أعتقد جزء لا يتجزأ من الحكمة المذكورة أعلاه..

    شكرا آدم.. دائما في الموعد

    شكرا أبو ناظم.. مسيرة يكملها المدونون على اختلاف ألوانهم.. و بالذات بسبب ايمانهم بحقهم في الاختلاف و بهذا المعنى إجماعهم على "هذا الطريق" ليس من زاوية فكر القطيع (كما يخرف البعض) لأنه تحديدا إجماع على رفض رقيب يرغب في فرض فكر القطيع

    شكرا أرابيكا.. صديقتي

    يسعدني أنكم من بين أول المعلقين على المدونة الجديدة


    تعليق: mahéva ...  
    3 مارس 2010 في 6:30 ص

    يعطيك الصحة في اخنيارك لنص العودة.
    لست أدري إن كنت أتوهم أو أنه نفس جديد في كتاباتك.
    سعيدة جدا بالأفكار الليلية وبالأفكار المعطرة


    تعليق: Hamadi ...  
    3 مارس 2010 في 9:56 ص

    مبروك المحل الجديد إن شاء الله "بالعمّار"



طارق الكحلاوي
نشأ طارق في أحد مدن الضواحي مدينة رادس الواقعة في الجمهورية التونسية. يشغل الآن موقع أستاذ في جامعة روتغرز (قسمي التاريخ و تاريخ الفن). تلقى طارق تكوينه الجامعي في جامعة تونس (كلية 9 أفريل، إجازة و دراسات معمقة في التاريخ و الآثار) و جامعة بنسلفانيا (رسالة دكتوارة في تاريخ الفن). و يعلق بانتظام على القضايا و الاوضاع العربية باللغتين العربية و الانجليزية في مواقع و صحف مثل "الجزيرة.نت" و "القدس العربي" و "الحياة" و "العرب نيوز" و "ميدل إيست أونلاين"، و يكتب عمودا أسبوعيا في جريدة "العرب" القطرية. يكتب أيضا في قضايا ثقافية و نظرية تخص الاسلام المعاصر في المجلة البيروتية "الآداب". و تمت استضافته للتعليق في قناة "الجزيرة الفضائية" و قناة 13 "بي بي أس" (نيويورك).

Tarek Kahlaoui
Tarek grew up in the suburban city of Rades in Tunisia. He is currently an Assistant Professor at Rutgers University (a joint position in the Art History and History departments). Tarek graduated from the University of Tunis (Bach. and DEA in history and archeology) and University of Pennsylvania (Ph.D. in history of art). Tarek also comments regularly in Arabic and English on Middle Eastern issues and politics in Aljazeera.net, Al-Quds Al-Arabi, Al-Hayat, Arab News, and Middle East Online, and writes a weekly column for the Qatari newspaper Al-Arab. He also writes on intellectual and theoretical issues related to contemporary Islam in the Lebanese magazine Al-Adab. He was also invited to comment in Al-Jazeera Channel, and in Channel 13 (PBS-New York).