أود أن أكتب هنا و بسرعة مجموعة من الملاحظات المختصرة بناء على تقارير واحد من أجود الثينك تانكس في الولايات المتحدة "كارنيغي إندومانت" (Carnegie Endowment). سأركز على ثلاثة دراسات/تقارير صدرت في النشرية الاقتصادية لمؤسسة "كارنيغي" في جوان 2009 و كذلك في جويلية 2009. و هي موجودة على الروابط التالية مرتبة حسب الاهمية

http://www.carnegieendowment.org/publications/index.cfm?fa=view&id=23284
http://www.carnegieendowment.org/publications/index.cfm?fa=view&id=23286
http://www.carnegieendowment.org/publications/index.cfm?fa=view&id=23385

الدراسة الأولى تقدم عرضا عاما مع ترتيب لأكثر الدول المتضررة من الأزمة عبر العالم و الدروس المستفادة من ذلك. ثم صدر في جويلية مقال يركز على نقطة محددة من هذه الدراسة. في حين تقوم دراسة أخرى بالتركيز على الوضع في افريقيا. و فيما يلي ملاحظات تتجه مما هو عام (ما هو دولي) إلى ما هو خاص (افريقيا، تونس).

أولا، يتيبين الآن أن أقل الدول تضررا من الأزمة الحالية هي، للمفارقة، الصين ثم اليابان ثم الولايات المتحدة. نعم الولايات المتحدة من بين ثلاث أقل دول متضررة في العالم. و هذا يعني أن الصين و اليابان أي المستثمرين الأكبرين في السوق المالية الاميركية أي مركز الأزمة هما الأقل تضررا مع الولايات المتحدة ذاتها. في المقابل توجد مجموعة من "الدول النامية" خاصة من الأكثر قربا من السوق الاقتصادية الاميركية و من المقتحمين حديثا لأجواء اقتصادية انفتاحية في أوروبا الشرقية (أوكرانيا و المجر و بولونيا و بلغاريا) أو قريبة منها (روسيا) هي الأكثر تضررا من الأزمة الحالية. و هذا يعني أن قاعدة النظام الاقتصادي الدولي الراهن تحمي الاقوياء بنفس القدر الذي لا تحمي فيه الأقل قوة أو الضعفاء و ذلك بمعزل حتى عن مدى تعلق اقتصادياتهم بالاستثمار في السوق المالية التي كانت مركز الأزمة. و لهذا يجب التمييز بين الانخراط في النظام الاقتصادي الدولي و الانخراط في مركز النظام المالي الدولي. فالمفارقة هنا التي تعكس هيمنة رأس المال المالي أنه برغم المسؤولية الأولى لللاقتصاد المالي بالتحديد في صناعة الأزمة إلا أن مركز راس المال المالي هو الأقل تضرارا في حين يكفي أن توجد داخل النظام الاقتصادي الدولي في سياق انفتاحي كبير (خاصة حالة دول اوروبا الشرقية) فإنك ستكون الأكثر تضررا من الأزمة.

ثانيا، أن في السياق الافريقي من الواضح أن الدول التي لاتزال تعتمد على اقتصاديات زراعية و بارتباط محدود جدا بمبادلات دولية (تصدير و توريد) هي الأقل تضررا. أي الدول التي لم تسمح لها امكانياتها بأن توجد حتى في النظام الاقتصادي الدولي كانت أقل عرضة للأزمة. لكن هذا يعني تحديدا أن الدول التي كانت منخرطة في النظام الاقتصادي الدولي و بمعزل عن انخراطها في العملية الاستثمارية في مركز النظام الدولي هي الاكثر تضررا افريقيا.

ثالثا، تتموقع تونس (مثلما هو واضح من الجدول أسفله) في الترتيب العام في الرتبة 23 من بين الدول الأكثر تضررا في العالم من الازمة الاقتصادية مع تسجيل انخفاض في قيمة العملة يصل إلى 7.7 بالمئة. و بما أن البعض يركز على الجداول التراتبية يجب القول أنه باستثناء غانا فتونس هي "الاكثر تضررا" في افريقيا، و باستثناء لبنان هي "الاكثر تضررا" عربيا. فبرغم أن تونس لم تستثمر في مركز السوق المالي إلا أنها من بين "الأأكثر تضررا". و هذا يحيل على نقطة أساسية إذ رغم تركيز الرؤية الرسمية على أن تونس "بمنأى" عن الأزمة بسبب عدم استثمارها في السوق المالية إلا أن ذلك ليس المقياس أو الطريق الرئيسي للتضرر من الأزمة. فالارتبط بالمنظومة الاقتصادية الدولية ككل هي مقياس و طريق الأزمة الرئيسية حتى عندما يكون هذا الارتباط "بمنأى" عن الاستثمار المباشر في السوق المالية الامريكية.


نقطة أخيرة هناك ندوة نظمت في مركز "كارنيغي" بحضور خاصة جوزيف ستيغليتز حول الدين الدولي و اصلاح النظام المالي هامة للغاية يمكن مشاهدتها على الرابط التالي
http://www.cceia.org/resources/video/data/000265


عدد التعاليق: 1

    تعليق: bent 3ayla ...  
    16 أكتوبر 2009 في 8:33 ص

    شكرا طارق كنت بحاجة لها المعلومات في ها الفترة بالذات



طارق الكحلاوي
نشأ طارق في أحد مدن الضواحي مدينة رادس الواقعة في الجمهورية التونسية. يشغل الآن موقع أستاذ في جامعة روتغرز (قسمي التاريخ و تاريخ الفن). تلقى طارق تكوينه الجامعي في جامعة تونس (كلية 9 أفريل، إجازة و دراسات معمقة في التاريخ و الآثار) و جامعة بنسلفانيا (رسالة دكتوارة في تاريخ الفن). و يعلق بانتظام على القضايا و الاوضاع العربية باللغتين العربية و الانجليزية في مواقع و صحف مثل "الجزيرة.نت" و "القدس العربي" و "الحياة" و "العرب نيوز" و "ميدل إيست أونلاين"، و يكتب عمودا أسبوعيا في جريدة "العرب" القطرية. يكتب أيضا في قضايا ثقافية و نظرية تخص الاسلام المعاصر في المجلة البيروتية "الآداب". و تمت استضافته للتعليق في قناة "الجزيرة الفضائية" و قناة 13 "بي بي أس" (نيويورك).

Tarek Kahlaoui
Tarek grew up in the suburban city of Rades in Tunisia. He is currently an Assistant Professor at Rutgers University (a joint position in the Art History and History departments). Tarek graduated from the University of Tunis (Bach. and DEA in history and archeology) and University of Pennsylvania (Ph.D. in history of art). Tarek also comments regularly in Arabic and English on Middle Eastern issues and politics in Aljazeera.net, Al-Quds Al-Arabi, Al-Hayat, Arab News, and Middle East Online, and writes a weekly column for the Qatari newspaper Al-Arab. He also writes on intellectual and theoretical issues related to contemporary Islam in the Lebanese magazine Al-Adab. He was also invited to comment in Al-Jazeera Channel, and in Channel 13 (PBS-New York).