أتابع منذ فترة ظاهرة ملفتة للانتباه... كاتب أردني يدعى أكرم حجازي يدعي أنه "دكتور في علم الاجتماع" (أتمنى في الواقع أن أعرف أين درس حجازي علم الإجتماع... و هل يعرف أنه علم "مبتدع" و أن من المساهمين الكبار في وضعه مفكرين "نصارى و يهود"؟)... منذ سنتين بدأ حجازي يحفر لنفسه موقعا غير اعتيادي: ففي الوقت الذي يتسم فيه المحللون و المراقبون المتمرنون ضمن أطر أكاديمية حديثة بمسافة واضحة من الارهاب القاعدي و في الوقت الذي يلعب فيه دور التنظير للفكر القاعدي "شيوخ جهاديون"... في هذا الإطار يأتي حجازي بتوليفة جديدة تحيل على انحطاط أكايديمي ملفت و انفصام في الشخصية المعرفية يبعث على الحيرة... حيث يقوم خلف حاجز من اللغة الأكايديمية الفضفاضة و ظاهر منهجي أكاديمي (من خلال متابعة دقيقة لـ"المصادر الجهادية" و تحليلها في حينها) ليس بالتبرير للقاعدة فحسب بل ببساطة بالدعاية لها كأي جهاز بروباغندا تقليدي... ما جعلني أكتب هذه الكلمات هي اكتشافي لاختراق حجازي لمشهد و صورة "الباحث الاستراتيجي" من خلال دعوته من قبل مؤسسة بحثية أردينية محترمة ("المعهد العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية") لتقديم "ورقة بحثية" هي ببساطة خطاب للدعاية الفجة للقاعدة و الفكر القاعدي (و هو ما جلب تغطية صحف أردنية محترمة كأن الأمر يتعلق حقا بـ"باحث استراتيجي".. أنظر هنا)... حتى يمكن الاطلاع على أسلوب الدعاية الفجة سأنقل هنا مقتطفات من "الورقة البحثية" المذكورة
أولا يقع الخلط المفاهيمي من خلال نفي الضرورة المنهجية التي تحتم مسافة موضوعية لأي باحث إزاء دراسة ظاهرة ما و فهم لغتها من جهة و تقبل تلك اللغة و تطبيع استعمالها بوصفها لغة أكاديمية و موضوعية من جهة أخرى... يقوم بذلك بحجج لا يمكن التعليق عليها عدى الرد عليها: هل يعقل أن نبرر تبني لغة و فكرة طرف ما بداعي فهمه؟! أي "دكتور في علم الاجتماع" هذا؟!
"من الأهمية بمكان الإشارة إلي أن التحدث بلغة السلفية الجهادية لا يعني أبدا قبول أطروحاتها أو رفضها بقدر ما هي وسيلة ناجعة لفهمها وتفسير خطاباتها والوقوف علي استراتيجياتها وسياساتها بالمضمون الذي هي تريده وتسعي إلي التعبير عن نفسها به. فمن العبث قراءة الأطروحة السلفية إعلاميا أو أيديولوجيا أو أمنيا أو سياسيا أو حتي تنظيميا، ذلك أن السلفية تيار متشعب ومعقد لكنه ليس تنظيما وإن بدت أدواته الضاربة كذلك في مواضع شتي"
لاحظ الآن تبني لغة القاعدة إلى درجة لا يمكن بعدها التفريق بين خطاب القاعدة و كلام "الباحث الاستراتيجي" السيد حجازي
"فالكثير من القوي الإسلامية، أفرادا وجماعات (رسميين أو غير رسميين)، سبق لها وأن ناهضت مفاهيم كالديمقراطية والوطنية وموالاة النظم السياسية والتشريعية والدولية لكنها عادت إلي تبريرها والدفاع عنها والمشاركة في مؤسساتها وطلب نصرتها، ومثل هذه القوي تجد نفسها في موقع الحرج والإدانة من قبل السلفية الجهادية التي تعيب عليها تأرجح مواقفها السياسية وتوظيف الدين للدفاع عن أطروحات سبق لها وأن نبذتها، وإذا كان حقا لها أن تعبّر عن نفسها كجماعة سياسية فهذا شأنها أما أن تنسب نفسها إلي الإسلام كجماعة دينية فهذا لم يعد واردا ولا يعبر عن حقيقة واقعها"
"أما الصوفية ففيها من مظاهر الشرك والبدع والضلالات ما لا يخفي علي أحد، وهذه لا تنفع السلفية الجهادية لا بالسياسة ولا بالجهاد. فالأمر أبعد ما يكون عن تمني السلفية أن يكون لمثل هذه الجماعة دور يذكر في شأن الأمة، بل هي خارج حسابات الإسلام والمسلمين"
و الحقيقة يقوم حجازي بنزع برقعه تماما في مدونته الخاصة (هنا) حيث ينشر تباعا كتاباته و حيث كل شيئ (مضمون المقالات، الصور، التعليقات المشجعة التي تحيل على المنتديات القاعدية...) يشير إلي أننا إزاء بوق بروباغندا بصفة "دكتور في علم الاجتماع" لمصلحة الارهاب القاعدي... يجب التأكيد هنا على خاصية أساسية في كتابات حجازي: حيث يعتبر الأطراف الإسلامية التي تبنت أجندات وطنية (تحديدا تنظيمات الاخوان) أطرافا غير إسلامية و "تخلت عن الحاكمية" و من ثمة تستحق ما تلقاه على أيدي القاعدة... تبين ذلك خاصة في تغطيته للصراع في العراق بين القوى الوطنية المختلفة الرافضة للاحتلال و التي رفضت السياسة القاعدية الطائفية المسؤولة على سلسلة مجازر من القتل العشوائي و التي رفضت "مبايعة" الهيكل الوهمي القاعدي المسمى "دولة العراق الاسلامية" حيث يقوم حجازي بشكل منتظم بتحليل تبريري و ذرائعي بل تمجيدي لـ"أمير" هذه الدولة الوهمية...
يجب التأكيد في هذا المضمار على نقطتين:
أولا يجب عدم الوقوع في الخلط الرائج و الذي يعمم ظاهرة أصبحت معقدة بامتياز اسمها "الجماعات الاسلامية": إذ العنف الذي ترعاه الجماعات الدينية ينقسم إلى قسمين عنف ذي طابع مقاوم ضمن أجندات وطنية ترفض الحروب الأهلية و تتفهم واقعها الاقليمي و الدولي (و هذا ما يمكن وصفه بالمقاومة الوطنية) و عنف آخر أعمى يمثله التيار القاعدي يضع موضوع "حاكمية الشريعة" كمقياس أساسي يخترق كل الضوابط الانسانية و الوطنية و الواقعية يشرع القتل الجماعي تحت يافطة "التترس"... هذا التمايز بين الطرفين ليس مجرد ترف عقائدي و ايديولوجي إذ بدأ يصل للاحتكاك العنيف و الاصطدام المسلح و هذا ما سيصبح أحد ميزات العصر القادم
ثانيا هناك انسجام بين المرحلة التاريخية التي نعيشها و صعود التيار القاعدي و الذي لم يعد مجرد خليط من الأتباع الجهلة مع قيادات هرمية تعيش على التماس من "العلم الشرعي" (الديني)... الظاهرة أصبحت تلامس المجال الرئيسي من المشهد المعرفي حيث يتقاسم الايمان به قطاعات واسعة من "المثقفين" العرب بهذه الدرجة من التصريح أو تلك... مجرد مؤشر آخر على انحطاط الأكاديميا المميز لعصرنا الراهن...
كل ذلك يشير إلى التحديات الهائلة التي نقبل عليها: حاجات مواجهة الارهاب القاعدي و ما يقتضيه ذلك من معركة عقادية تتمركز حول التجديد الديني مع الاصرار على مواجهة الهيمنة الأجنبية (نجحت القاعدة للأسف في خلط الأوراق في الساحة العراقية خاصة من حيث "طبيعة العدو" و هو ما أدى و يؤدي إلى فوضى مسلحة عارمة)... في هذا الإطار و حتى أكتب مرة أخرى حول موضوع العلمانية و خاصة عن بعض التعليقات التي برزت في البلوقسفير التونسي حول ما كتبته: إن تحديا بهذا التعقيد لا يمكن أن يكون إزاءه شعار "علمانية الدولة" إلا خارج المرحلة التاريخية... حيث الدور الحاسم للتجديد الديني يحتاج إنخراطا مباشرا من قبل الدولة ضمن من يحتاج إليهم من فاعلين إجتماعيين في اتجاع حماية السلم الأهلي
كتبها:
Tarek طارق...
على الساعة:
15:27
لا يوجد أي تعليق |
|
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
إرسال تعليق