خليني من الاول نقول إلي سمعت أصداء إيجابية على الشريط الإسرائيلي إلي حكى عليه القوفرنور من وقت إلي تعدى في مهرجان "كان" (تفرجت مثلا في تقرير خاص تعمل في قناة "الجزيرة" في الأيام الأولى لعرض الشريط)... لهذا كلامي مش بش يكون موجه لموضوع الواحد يتفرج في الشريط هذا (و إلا غيرو) و إلا لا... أما أنا ربما نحب نتحدث على موضوع "المقاطعة" من الناحية المبدئية و هل يمكن أنو نعتبرو النقطة هذية مسألة من دون جدوى... و الحديث عليها بوصفها في ذاتها "سلوك قروسطي" أو "متخلف" هكة في العام... و لو نعرف أنو صديقي المحافظ ما يقصدش التعميم لكن قلت باهي كي الواحد يناقش بهدوء المفهوم هذاية إلي ربما توة مش لموضة الواحد يحكي عليه كيف كان في وقت من الأوقات لموضة يتلكلك على كل لسان...
و الحقيقة فمة مقال في العدد الأخير من مجلة الآداب يعبر بشكل عام على الرؤية العقلانية إلي تتحدث على موضوع "المقاطعة" بشكل بعيد على الشعاراتية إلي في الزوز إتجاهات (إتجاه الرفض الشعاراتي و إلا زادة التسامح الشعاراتي)... المقال إلي كتبو المناضل الجنوب إفريقي ضد الميز العنصري روني كاسريلز (و ترجمو من الانجليزية سماح إدريس) يستحق أني نقصو و نلصقو لهنا و تنجمو تلقاوه (هنا) على موقع الآداب أو دعما لدار الآداب تنجمو تشريو المجلة إلي متوفرة في مختلف الأكشاك في تونس أو البرة
عندي ملاحظة صغيرة على المقال... المسألة إلي يلزم يتم نقاشها على هامش المقال هي: هل يمكن وصف "إسرائيل" بأنها "كيان عنصري"؟
هذاية موقف قاعد يلقى في أنصار متزايدين خارج المنطقة العربية على المستوى الدولي.. مش فقط بعد مؤتمر دوربون الشهير للمنظمات غير الحكومية سنة 2001 (إلي عمل إعلان حول "المساواة بين العنصرية و الصهيونية") و لكن زادة منذ صدور كتاب جيمي كارتر لخراني ("فلسطين: السلام و ليس الأبارتايد") و إلي كان على رأس قائمة المبيعات لمدة أشهر في أمريكا... لكن في المقابل جزء من المشكل الراهن هو منع الفسطينيين من العمل بـ"حرية" و هو ما يعني منعهم من العمل في مواقع إسرائيلية بما فيها المزارع... يعني فمة حاجة أساسية يلزم أخذها بعين الإعتبار وقت الحديث عن "الأبارتايد" إلي هي أنو ينجم ياخذ أشكال مختلفة مما يجعل "الاسترشاد" بالجربة الجنوب إفريقية في الوضع الفسطيني مش ديمة موفق... لكن في جميع الأحوال فإنو إختلاف أشكالو ما يعنيش إلي موضوع "المقاطعة" هو ممارسة من دون جدوى أو سوريالية... المشكل أنو أحيانا يقع البرهنة ضد ممارسة المقاطعة من زاوية "مصلحة الشعب الفلسطيني" أو من زاوية "ما فماش علاقة بين السياسة و العلم"... ربما هذا يكون صحيح في حالات محددة... لكن يظهرلي هذا مجرد مغالطة في حالات أخرى... مثلا: في الصيف هذا بش تستضيف "جمعية الجغرافيين التونسيين" مؤتمر دولي للجغرافيين.. جرات عركة وسط الجمعية بين مؤيد و معارض... و بمعزل عن الأسباب إلي قدموها المعارضين لفت إنتباهي أنو المؤيدين قدمو الزوز أسباب إلي قلت عليها الفوق... المشكل توة هو أنو "الجمعية الجغرافية الفلسطينية" (إلي بالمناسبة مش متاع "حماس") خرجت بيان ضد المؤتمر و ضد إستضافتو من قبل الجمعية التونسية بالتحديد على أساس دور "الجغرافيين الإسرائيليين" في السياسة الإسرائيلية متاع الإستيطان و فرض واقع الاحتلال(شوف مثلا هنا و هنا)... و لحد توة ماقريتش رد متاع الجمعية التونسية...
المقاطعة: من البطاطا إلى البرتقال إلى الحرية
روني كاسريلز (ترجمة سماح إدريس)
نَبَع الحافزُ إلى حملة المقاطعة العالمية لجنوب أفريقيا الأپارتهادية من نجاحات مقاطعاتنا الداخلية المحلّية المبكّرة. وقد اتُّخذتْ هذه الأخيرةُ جزءًا من المقاومة الشعبية لقوانين العزل العنصري، وهي مقاومةٌ ارتبطتْ بـ "حملة التحدّي" في الخمسينيات، وكانت حملةُ مقاطعة البطاطا مثالاً عليها. هذه المقاطعة استَهْدفتْ مزارعي البطاطا البِيضَ، الذين كانوا يَسْتخدمون مُنتهِكي قوانين المرور من السُّود ـ أولئك الذين تحدَّوْا قوانينَ المرور البغيضة [من منطقةٍ إلى أخرى] ـ للعمل في مزارعهم، فيُخْضعونهم للذّلّ اليومي والضربِ بل والموتِ أيضًا.اشمئزازًا من الأوضاع المريعة الشبيهة بأوضاع العبيد في تلك المزارع، جاءت الدعوةُ إلى مقاطعة كلّ المنتوجات البطاطيّة، ومِنْ ضمنِها رقائقُ البطاطا المقليّة، لتَحْشدَ ضغطًا هائلاً على مصالح الشركات المعنيّة. ومثلما كان رفضُ شعبنا لشراء البطاطا رمزًا لنضالنا ضدّ الأپارتهايد، كان رفضُ المجتمع الدولي لشراءِ البرتقال الجنوبأفريقي لاحقًا رمزًا لتضامنه مع قضيتنا.
تعليقًا على أهمية التضامن الدولي في سحق نظام الأپارتهايد الخبيث، وعلى أوجه الشبه بين الكفاحيْن الجنوبأفريقي والفلسطيني، كَتَبَ رئيسُ الأساقفة والحائزُ جائزةَ نوبل للسلام دَزْموند تُوتُو ما يلي:
"إنّ نهاية الأپارتهايد تَمْثلُ واحدًا من الإنجازات التي تكلَّلَتْ بالنجاح في القرن الماضي، ولكنّنا لم نكن سننجح لولا مساعدةُ الضغط الدولي... وثمة حركةٌ مماثلةٌ تتشكّل [اليومَ]، ولكنّها تَهْدف هذه المرةَ إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي... إنّ هذه التكتيكات ليست أوجهَ التوازي الوحيدةَ مع النضال ضدّ الأپارتهايد. فقاطنو المعازل الجنوبأفريقية البارحةَ قادرون على أن يُخْبروك عن الحياة اليوم في الأراضي الفلسطينية المحتلّة [بسبب أوجه الشبه]... وإذا انتهى الأپارتهايد، فيُمْكن أن ينتهي الاحتلالُ [الإسرائيلي] أيضًا، ولكنْ على القوة الأخلاقية والضغطِ الدولي أن يكونا بالحزمِ الذي كانا عليه [أثناء مقاومة الأپارتهايد]."1
يجب عدمُ التقليل من تقدير أثرِ تصريحاتٍ كهذه، لأنها تُثْبت القولَ المأثور: "الحقيقة تَجْرح." وهذه التصريحات في الحقيقة أدّت إلى أن يصبح رئيسُ الأساقفة تُوتُو آخرَ المستهدَفين أمام سلسلة الآلة الدعائية الصهيونية الطويلة. ومؤخّرًا، سُحبتْ من تُوتُو سريعًا الدعوةُ إلى إلقاء كلمة في جامعة في الولايات المتحدة بعد أن تلقّت هذه الأخيرةُ شكاوى تَسِمُ على نحوٍ عبثيّ راعيَ "مركز الهولوكوست الجنوبأفريقي" هذا بالمعادي للسامية، لمجرّد تجرُّئه على قول الحقيقة. لكنْ لم يستطع الأپارتهايد أن يسكته ولا تلك الشكاوى. ذلك أنّ أكاذيبهم سُرعان ما افتُضِحتْ، وتحديدًا بسبب الاحتجاج الجماهيري العالمي الذي أثارتْْه، وأدّى إلى اعتذار الجامعة عن أفعالها التي لا أساس لها، فتبيّنتْ بذلك ـ وبشكلٍ محسوسٍ ـ أهميةُ "الضغط العالمي الحازم" الذي أشار إليه توتو.
* * *
على أنّ هذا الضغط، وإنْ كان ضروريّاً، لا يَحْدث في فراغ أو عزلة. وهذا ما لا يتّضح في حالة الحملة الدولية لعزل الأپارتهايد فحسب، بل أيضًا في حالة الحملة الدولية المطالبة بانسحاب القوات الأميركية من فيتنام. فهذه الحملة الأخيرة تَبرز مثالاً حديثًا في القرن العشرين على البلد الذي استُحضِر فيه البعدُ العالميُّ بنجاح، كجزءٍ من نضالٍ أوسع من أجل الحرية والاستقلال. والحقّ أنّ المقاربة التي تبنّاها الفيتناميون أثّرتْ تأثيرًا كبيرًا في حركة التحرّر الجنوبأفريقية عقب زيارة وفدٍ من المؤتمر الوطني الأفريقي إلى فيتنام عامَ 1978.
وفي الحالتيْن تمثَّلَ النجاحُ في أنّ الدعوة إلى التضامن الدولي كانت عنصرًا هامّاً من إستراتيجية شاملة متعدّدةِ الأبعاد في طبيعتها؛ وكانت العناصرُ الأخرى متّجهةً في الأساس إلى تأمينِ الوحدة القصوى بين المقهورين في نضالاتٍ فاعلةٍ ضدّ عدوٍّ مشترك. وهذه الوحدة كانت أساسية؛ ذلك أنّ شتّى ضروب الطغاة عبر التاريخ كانوا قد استَخدموا استراتيجيةَ "فرِّقْ تَسُدْ" لكي يُبْقوا الشعوبَ المقهورةَ ضعيفةً ويَسْحقوا مقاومتَها ـ وهذا ما يَعْرفه الفلسطينيون تمامَ المعرفة. وهذه الوحدة تخطّت المقهورين، الذين ظلّوا مع ذلك نقطةَ تركيز النضال وقوّته القائدة، لتَشْملَ ما سمَّيناه في جنوبي أفريقيا "عزلَ مركز الرجعية" ـ وهذا يتضمّن الوصولَ إلى أقسام من قاعدة القامعين الاجتماعية نفسها، محليّاً وعالميّاً، بهدف تحييدهم أو كسبهم. هنا تُقدِّم "حركاتُ المعترِض الضميريّ" التي تطوّرتْ في الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا ـ مثل حركة الرافضين للجندية في إسرائيل إلى حدٍّ كبير ـ مثالاً جبّارًا، إذ يَرْفض المجنَّدون علنًا المشاركةَ في حربٍ ظالمة.
وعلى هذا، لم يكن ثمة عنصرٌ واحدٌ في الإستراتيجية الشاملة يَسْتبعد العناصرَ الباقية. وهكذا يُلْهم نضالُ الشعب دعمًا دوليّاً، مثلما يُلْهم الدعمُ الدولي بدوره نضالَ الشعب؛ بحيث إنّ الواحدَ منهما يَلأَمُ الثاني ويعزِّزُه. وفي الحالتيْن تمثَّلَ النجاحُ في أنّ الدعوة إلى التضامن الدولي جاءت، بلا أدنى لبْس، من قِبل قيادتيْ حركتَي التحرُّر بالنيابة عن المقهورين الذين استطاعوا ـ من خلال طريقة إدارتهم لنضالاتهم الحازمة ـ أن يُظْهروا تفوُّقَهم الأخلاقيَّ على عدوّهم، وعدالةَ قضيتهم. وبالعبارة النبوئية للأيقونة الثورية الفيتنامية هوشي مِنْه، التي ردّد صداها قادةُ المؤتمر الوطني الأفريقي، فإنّ "الحربَ التي تشنُّها مقاومتُنا ستنتصر لأنّها قضيةٌ عادلةٌ تحظى بموافقة شعوب العالم ودعمهما."2
هذان النضالان كانا مدعوميْن فعلاً، على الرغم من سياقٍ متحدٍّ حصلا فيه، ألا وهو سياقُ عالم قَسَمَتْه الحربُ الباردة. فلقد استطاعت الشعوبُ المحبّةُ للحرية أن تعلو فوق تهديد "الأحمر، أو الأسود، أو الإرهابي" الذي يروِّجه القامعُ، وأن تتّحدَ وتعبِّر جماعيّاً عن اشمئزازها من المظالم المرتكبة.
* * *
لقد اخترتُ أن أعالج المفاهيمَ السابق ذكرُها ـ مفاهيمَ عدالةِ القضية، والسّموِّ الأخلاقي، ووحدةِ العمل ـ لأبيِّن أنَّه لكي ينجحَ أيُّ عنصرٍ في استراتيجية شاملة فإنّ عليه أن ينبعَ من هذه العقائد المركزية. وأعتقد أنّ هذا ذو صلةٍ متميّزة بحشد الدعم الدولي لحملة "مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها" (م.س.ع.).
بعد هذا أَنتقلُ إلى تأمّل بعض الدروس التي يُمْكننا استخلاصُها من تطوّر جهودنا الدولية الساعية إلى عزل جنوب أفريقيا الأپارتهايدية. وأولُ الدروس، كما سبق الذِّكْرُ، هو أنّ المقاطعة الدولية نبعتْ من نجاحات مقاطعاتنا المحلّية الداخلية التي اتُّخذتْ، في حقيقة الأمر، على امتداد مسيرة النضال. وأنا أثيرُ هذه النقطةَ لأنّ تلك المقاطعات لم تكن وسائلَ قيّمةً لتأمين التعبئة الداخلية فحسب، بل بيّنتْ للخارج أيضًا أنّ الدعوةَ إلى عزل جنوب أفريقيا دوليّاً قد نبعتْ من الناس أنفسهم. ولقد كانت هذه رسالةً تمّ التشديدُ عليها بشكلٍ ثابت، مبيِّنةً أنّ المنخرطين في الحملة العالمية لم يكونوا يعملون نيابةً عن الأفارقة الجنوبيين السود بل بالاشتراك معهم.
إنّ التفسير الذي يقدّمه رئيسُ المؤتمر الوطني الأفريقي، الزعيم البرت لوثولي، في الدعوة التي وجّهها إلى الشعب البريطاني عامَ 1959، منوِّرٌ هنا. فهو يقول: "لقد زُعم أنّ غيرَ البِيض سيكونون أوائلَ المتضرِّرين من المقاطعات الخارجية. وقد يكون هذا صحيحًا، غير أنّ كلّ منظّمة تحظى... بتأييدِ غير البيض في جنوب أفريقيا تؤيِّد تلك المقاطعات. والبديل من استخدام هذه الأسلحة هو الاستمرارُ في الوضع الحاليّ، والاحتمالُ القاتمُ لاستمرار التمييز الذي لا ينتهي. إنّ المقاطعة الاقتصادية هي طريقةٌ يستطيع العالمُ بأسره أن يبيِّن من خلالها للسلطات الجنوبأفريقية أنّ عليها أن تُصْلح وسائلَها، أو أن تعاني بسببها."3
والحقّ أنّ هذا المنطق قابلٌ لأن ينطبق انطباقًا مباشرًا على حملة م.س.ع.، إذ نرى فيضانًا مفاجئًا من "القلق" يبديه أشخاصٌ لم يهتمّوا يومًا بمعاناة الفلسطينيين ـ وهم يُشْبهون في ذلك كثيرًا أشخاصًا لم يهتمّوا بمصيبة السود في جنوبي أفريقيا ـ ولكنّهم يجادلون ضدّ المقاطعة، زاعمين أنّها ستؤْذي قضية مَنْ تسعى المقاطعةُ إلى دعمهم!
ثاني الدروس هو أنّه حين يعود كثيرٌ منا بالذاكرة إلى الحركة الواسعة المعادية للأپارتهايد التي قامت بها المنظّماتُ غيرُ الحكومية والعالمية، والغالبيةُ العظمى من حكومات العالم، وقام بها (وهنا الأهمُّ) أفرادٌ ملتزمون لا يُحْصَوْن، فإنّنا غالبًا ما ننسى الأصولَ المتواضعةَ لهذه الحركة. فهي تأسّستْ أولَ الأمر بوصفها حركةَ مقاطعةٍ في بريطانيا في حزيران 1959، مركِّزةً عملَها بشكلٍ خاصّ على المنتوجات الجنوبأفريقية. وقد أكّد الرئيسُ الراحل لتانزانيا، جوليوس نيريرا، الذي تحدّث عند انطلاقها، فقال: "إنّنا لا نطلب منكم، أيُّها الشعبُ البريطاني، أيَّ أمرٍ خاصّ. إنّنا لا نطلب منكم إلاّ أن تَسْحبوا تأييدَكم للأپارتهايد عبر امتناعكم عن شراء منتوجات جنوبأفريقية."4 والحركة لم تتطوّر لتصبح الحركةَ العالميةَ التي نَعْرفها إلاّ بعد مجزرة شارپفيل سنة 1960، إذ وَسّعتْ نشاطاتِها بما يتعدّى مقاطعةَ المنتوجات الجنوبأفريقية لتَشْمل المقاطعاتِ الأكاديميةَ والثقافيةَ والرياضيةَ، فضلاً عن الحملة من أجل سحب الاستثمارات العالمية من جنوب أفريقيا وفرضِ العقوبات على هذا البلد.
المغزى هنا هو أنّ الأمر استغرق بعضَ الوقت لكي تستطيع الحركةُ بناءَ نفسها فتصبحَ القوةَ الهائلةَ التي صارَتْها في نهاية المطاف. وهذا لا يعني أنّه لم تكن هناك إنجازاتٌ مبكّرة، بل كانت هناك إنجازاتٌ كثيرةٌ، إلاّ أنّنا استطعنا أن نَدْفع بها قُدُمًا من خلال استهداف النقاط التي تُوصِلُ رسالتَنا بفعّاليةٍ مع أنّها كانت سَهْلةَ التحقيق نسبيّاً. مثالاً على ذلك: المقاطعة الرياضية. فلقد اخترقتْ هذه المقاطعةُ لبّ البِيض الجنوبأفارقة، الذي قدّموا في النهاية دعمَهم لعملية التفاوض بين عاميْ 1990 و1994 بعد أن تَعِبوا ومَلّوا من معاملتهم كالمجذومين [المنبوذين] على الجبهة الرياضية! وما بدأ بحظرٍ في الستينيات على الألعاب الأولمبية ما لبث أن تبعتْه احتجاجاتٌ ضخمةٌ على كثير من حقول الكريكيت والرّغْبي في بلدانٍ مثل بريطانيا وإيرلندا ونيوزيلندا وأوستراليا ـ وهي احتجاجاتٌ شدّت انتباهَ العالم إليها. وهذه النشاطات أدّت في النهاية إلى استبعاد جنوب أفريقيا الأپارتهايدية من كلِّ حدثٍ رياضيّ عالميّ كبير.
إنّني لا أدعو إلى تجاهل العقوبات وسحب الاستثمارات. بل إنّ البعض جادل بأنّ سَحْبَ الاستثمارات من جنوبي أفريقيا هو الذي قَصَمَ في النهاية ظهرَ الأپارتهايد. فمنذ العام 1985، عقب إعلان حالة الطوارئ، رَفَضتْ أقسامٌ من المجتمع المصرفي العالمي تجديدَ قروض جنوبي أفريقيا. وإذ عجز نظامُ الفصل العنصري عن تدبير التمويل في الخارج، فقد أَغرق البلادَ في أزمةٍ ماليةٍ واقتصاديةٍ لولبيةٍ لم يستطع الخروجَ منها.5 وهذا يبيّن بوضوحٍ أهميةَ أبعاد [المقاطعة] كلّها.
غير أنّ سَحْب الاستثمارات وفرضَ العقوبات يعتمدان اعتمادًا كبيرًا على البلدان والمؤسَّسات من أجل تحصيل نتيجةٍ مستمرّة. وهذا يعني غالبًا أنّهما أبطأُ في تحقيق الزخم المطلوب على المدى القريب، في حين أنّ المقاطعة تعتمد أساسًا على أفعال الأفراد، أي المستهلكين. ولو نظرنا إلى إسرائيل، فإنّ مقاطعةَ البضائع التي تُنتَج في المستوطنات غير الشرعية [على أراضي 1967] هي الهدفُ الواضحُ، والملائمُ، والجاهِزُ، لحشد العالم من حوله. وبالمثل، فإنّ الحملة من أجل طرد إسرائيل من كأس اتحاد الجمعيات الأوروبية لكرة القدم ومن مسابقة الأغنية قد يُعتبَرُ هو أيضًا هدفًا مباشرًا وبارزًا.
الدرسُ الثالث هو أنّ القوة الحقيقية للحركة المعادية للأپارتهايد تَكْمن في أنّها استندتْ بطبيعتها إلى الجماهير، واستمدّت دعمَها الأساسَ من القواعد الشعبية، ولاسيّما في بريطانيا وأوروبا الغربية وأميركا الشمالية وأوستراليا، حيث كان الإسنادُ الحكومي للحملة أقلَّ من مرحِّبٍ حتى زمنٍ متأخّرٍ كثيرًا. وقد استطاعت تلك الحركة أن تستقطب عمقَ الدعم وسعتَه هذيْن لأنّها كانت ـ شأنَ حركة التحرّر التي انبثقتْ منها ـ جبهةً واسعة تقدِّم ملاذًا لجميع الألوانِ والعقائدِ والقناعات. كلُّ ما كان مطلوبًا آنذاك هو الالتزامُ بالعمل على إنهاء الأپارتهايد. ولقد ضَربتْ تلك الحركةُ على أوتارِ قضايا كان يَسْهل على الناس العاديين أن يتماهَوْا معها: ففي إيرلندا مثلاً استندتْ إلى تجربة الخراب الذي سبّبتْه الكولونياليةُ البريطانيةُ، في حين استحضرتْ في أميركا تجربةَ العنصرية وتدمير العبيد. كما أنّها كانت قادرةً على أَقْلمة [أَوْ تبْيِئة] أساليبها، كي تَضْمن أن تبقى على صلةٍ بأوضاعٍ محدّدة، مدرِكةً أنّ الاستراتيجيات الملائمة في هذا السياق المحلّي أو الوطني قد لا تكون فعّالةً بالضرورة في سياقاتٍ أخرى.
هذه المقاربة، التي عزّزتْ حملة م. س. ع. أيضًا، هي التي ينبغي أن تكون في مقدّمة جهودنا. فنحن لا نَمْلك أن نَسمح لأية انقساماتٍ غير ضرورية بأن تَحْرِفَنا عن هدفنا النهائي، وعلينا أن نَضْمن أن نُبقي تركيزَنا على ما يوحِّدُنا.
الدرس الرابع هو أنّ كثيرًا من عمل حركة مناهضة الأپارتهايد اعتنى بالمعلومات والتوعية. ولقد تركّز هذا العملُ على فضح طبيعة الأپارتهايد، وتفجيرِ الأساطيرِ وتكتيكاتِ التخويف التي نَشَرها النظامُ والتي كانت عظيمةَ الشبه بتكتيكات نظيرتها الصهيونية.
وبالمثل، فإنّه كلّما تطوّرتْ حملةُ م.س.ع. وَجَبَ أن نَضْمن أن نكون مستعدّين تمامًا للانخراط في مسعًى شبيه. علينا أن نَرفض الزعمَ بوجود "توازن" في التعامل مع المجرم الإسرائيلي والضحية الفلسطيني، وبأنّ الوحشيةَ الإسرائيليةَ هي محضُ استجابةٍ للهواجس الأمنية. وإذ نَفْعل ذلك فإنّ علينا أن نُبرزَ إلى النور نظامَ إسرائيل الحصينَ [الذي هو مزيجٌ] من الكولونياليةِ والعنصريةِ وحرمانِ الفلسطينيين حقوقَهم الإنسانيةَ ـ وهو نظامٌ شبيهٌ بنظام جنوب أفريقيا الأپارتهايدي. فهذا هو، في نهاية المطاف، المصدرُ الأساس للنزاع [الفلسطيني ــ الإسرائيلي].
تلكم هي الحقيقةُ التي يتردّد صداها مع شهادة رئيس الأساقفة تُوتُو حين يؤكّد أنّ "بعضَ الناس يستشيطون غيظًا للمقارنة المعقودة بين النزاع الإسرائيلي ـ الفلسطيني وما حَدَثَ في جنوب أفريقيا... إلاّ أنّ المقارنة بالنسبة إلى مَنْ عاشوا الأهوالَ السالبةَ للإنسانية في الحقبة الأپارتهايدية ليست ملائمةً فحسب، بل ودقيقةً أيضًا... إنْ كان لنا أن نحافظَ على الأمل في إمكانية تبدُّل الأمور."6
إنّنا من خلال حملة م. س. ع.، مترافقةً مع النضالات الداخلية التي يخوضها الشعبُُ الفلسطيني، نستطيع أن نَضْمن أنّ مَنْ رَفَضوا إلى الآن الإقرارَ بهذه الحقيقة سيُضْطرّون في النهاية إلى الاعتراف بأنْ لا خيار لديهم سوى الإقرار بها. ونحن، كجنوبأفريقيين، نتعهّد بتقديم دعمنا اللامحدود لهذه الحملة، لا لأنّنا مُلْزَمون [أخلاقيّاً] بذلك لكوننا أَفَدْنا في السابق من الدعم الدوليّ السخيّ فحسب، بل لأنَّنا، أيضًا، كما قال رئيسُنا السابق نلسون مانديلا، "نَعرف أكثرَ ممّا ينبغي أنّ حريّتنا ناقصةٌ من دون حرية الفلسطينيين."7جنوب أفريقيا
- 1. Archbishop Desmond Tutu, "Against Israeli Apartheid," The Nation, 15 July 2002, www.thenation.com
- 2. Former Prime Minister of the Democratic Republic of Vietnam Pham Van Dong, Ho Chi Minh Thought Will Light Our Path Forever (Vietnam: The Gioi Publishers, 2002)
- 3. Statement by Albert Luthuli, Jointly with Dr Gm Naicker and Peter Brown, “Appealing to the British People to Boycott South Africa,” December 1959, www.liberation.org.za.
- 4. The Anti-Apartheid Movement: A 40-Year Perspective, June 25-26 June 1999 (London: South Africa House).
- 5. The Anti-Apartheid Movement: A 40-Year Perspective, June 25-26 June 1999 (London: South Africa House).
- 6. Archbishop Desmond Tutu, “Realising God’s Dream for the Holy Land,” The Boston Globe, October 26, 2007
- 7. Nelson Mandela, International Day of Solidarity with the Palestinian people, Pretoria, 4 December, 1997
المقالة منشورة في مجلة الآداب, 4-6 / 2008
إرسال تعليق