في السفر عندي فرصة أني نشرد شوية في ذهني.... و نخزر بشكل مختلف للأشياء... هذية تأملات كتبتها في السفرة الصغيرة لخرة...
الشارقة... دبي... حاجة جديدة
سافرت في الأسبوع الفايت لإمارة الشارقة (و إلا "الشارجة" كيف يقولو الإماراتيين) في إطار دعوة للمشاركة في ندوة فكرية في إطار "ملتفى الشارقة للخط العربي" (تعرضت بعض وسائل الإعلام الإماراتية بما فيها التلفزة للملتقى إلي كانو مهتمين بيه إعلاميا بشكل كبير... هنا و هنا و هنا بالنسبة لبعض التغطيات الصحفية للجلسة لولة متاع الندوة). و هذية مش المرة لولة إلي نسافر فيها لبلد عربي كيما زادة مش المرة لولة إلي نسافر فيها لبلد "نفطي". في العادة الدول "النفطية" عندها مجموعة من الخاصيات البارزة إلي تسطعك ملي تدخللها: هيمنة أجواء الكسل على نسق الحياة و حتى على طرق التعبير متاع الناس، "الغبرة"... برشة "غبرة"، كياسات باهية و كراهب مضخمة لكن برشة تلوث و قلة نظافة... لكن يلزم نقول إلي المرة هذية لقيت حاجة جديدة كيف سافرت للإمارات. طبعا توة سنوات نسمعو في برشة كلام على الإمارات و خاصة دبي، و "مهرجان التسوق"، و "الوتلة" و "برج العرب" ... لكن كيما نعرفو الكل مش كيف واحد يسمع كيف واحد يشوف.... خليني نلخص الانطباعات متاعي في مجموعة من الملاحظات و نحب لهنا نحيي السايقين إلي عملهمنا الملتقى و كانو إماراتيين (خاصة الصديق التحفون يوسف) إلي عطاوني فكرة على مجموعة من المعطيات إلي ما ينجمو يقولوهملك كان ولاد البلاد:
أولا، "الإمارات" كيفما هو معروف هي مجموعة "إمارات" كل وحدة عندها مواردها الاقتصادية الخاصة بيها.. و بالرغم إلي فمة ميزانية عامة و "مجلس وزراء " موحد، إلا أنو كل إمارة عندها أميرها أو شيخها و حكومة خاصة بيها و هي بالأساس مسؤولة على المقيمين فيها و تستفيد بالأساس من الموارد الموجودة فيها... و لهنا يلزم نوضح إلي "الإمارات" دولة نفطية إلا في بعض إماراتها خاصة إمارة أبو ظبي، في الوقت إلي الشارقة موردها الرئيسي الغاز الطبيعي... لكن فمة إمارات ماعندها حتى مورد طبيعي متميز و هذاية ينطبق خاصة على إمارة دبي و زادة إمارة عجمان
ثانيا، "الإمارات" تظهر كل "إمارة" وحدها و بعيدة على لخرة في حين تفاجئت إلي الكلها قريبة لبعضها... ساعات لاصقة في بعضها... مثلا الندوة متاعنا في الشارقة و الإقامة زادة لكن فعليا ما تفيقش وقتاش خرجت و وقتاش دخلت من دبي للشارقة... البني متواصل بيناتهم.... و هذاكة علاش تقريبا يوميا نسهر في دبي (نقول نسهر على خاطر زايد في النهار مش لازم تخرج للشارع في الطقس متاع توة)... و كيف كيف عجمان لاصقة في الشارقة
ثالثا، الشارقة الإمارة الثالثة من حيث الثراء متاعها... بنيتها التحتية جيدة و كذلك مستوى العيش فيها... لكن فيها ظاهرة مميزة و قلقتني شوية الحقيقة.... هي نموذج على هيمنة الجنسيات غير المحلية ("الوافدين" يقولو لهنا مقابل "المواطنين") في الشارع خاصة الجنسيات متاع جنوبي شرقي آسيا... هذية ظاهرة معروفة لكنها مش كيف تشوفها قدامك... في الشارع ساعات نحس أني العربي الوحيد إلي يمشي في الشارع.... صعيب تلقى إماراتي يمشي في الشارع... الكلهم في الكراهب حتى إلي يخدمو موظفين في الادارات... و عندهم سناسة حتى كي بش يشرب قهوة و إلي يشري ماكلة يقعد في الكرهبة و يزمر لأصحاب المحل إلي في العادة هنود... الوضعية هذية مشكلة في عدة مستويات... من جهة هيمنة عنصر غير محلي على ديمغرافيا بلدان كيف هكة يخلي فمة تفاوت كبير خاصة أنو في الإمارات الحصول على "الإقامة" صعيب برشة خاصة "عقد العمل" و زيد الأجانب ماعندهمش أفق للحصول على الجنسية من دون إجراءات معقدة و حالات معينة... "الوافدين" هذومة المطلوب منهم بش يخدمو في الظروف هذية و لهنا ينجمو يحصلو تجاوزات... حتى أنو أشهر لتالي توة صار إضراب متاع الخدامة الهنود (و وصلت لمواجهات مع الشرطة) إلي طلعو يخلصو فيهم كاش 400 درهم في الشهر (ما يزيد شوية على 100 دولار) و هي شهرية ماتعمل شي خاصة بالنسبة لتكاليف الكراء (الكراء غالي برشة عموما في الامارات)... و هذاكة علاش خرج قرار بش الأجور ("المعاشات") الكل تولي تتصب في البانكة... و في المقابل تم ترحيل برشة هنود كرد فعل على الإضراب... و هذاية مفهوم لأنو كي يبدى عندك عدد أجانب أكثر من عدد المواطنين فإنو فمة إشكال سياسي واضح ينجم يخلق إشكال في هوية الدولة.... هذا موضوع معقد و يخص كل دول الخليج... و واضح الإجابة عليه مش ساهلة خاصة في إطار الحاجة ليد عاملة رخيصة (خاصة في ميدان البناء) في وقت إلي فمة برشة بني في الامارات
رابعا، لكن رغم هذاكة فمة حاجة مميزة في الامارات بالنسبة لعمل المواطنين مختلفة شوية على الوضعية في بقية دول الخليج... مثلا لفت إنتباهي أني كيف وصلت لمطار دبي (إلي هو بالمناسبة يلزمو تدوينة وحدو) لقيت إلي الموظفين متاع إدارة الحدود مش إماراتيين فقط بل كذلك فيهم جزء كبير نساء إماراتيين... و هذية حالة نموذجية.... صعيب كان بش تلقاها في أي بلد خليجي آخر.... و الإماراتيين يخدمو زادة كموظفين في أغلب الإدارات الحكومية.. يعني طبعا فمة "وافدين" يعني مش إماراتيين لكن حضور الإماراتيين مش شوية.... مرتباتهم من أعلى المرتبات في المنطقة.... عندهم تغطية صحية و مجانية التعليم الحكومي (الشي إلي مش متوفر لـ"الوافدين" و هذية مشكلة كبيرة حتى للوافدين إلي يخلصو بالكدا)... يتلقاو دعم مالي كيف يتزوجو من مواطنات إماراتيات.... المرا الاماراتية تخرج و تدور في السيارة و الشارع عادي (عموما محجبة)... لكن عموما مجتمع منتفح.... لكن مازالت فيها بعض مظاهر التبذير (مثلا المزادات متاع السيريات متاع الكراهب).... فمة ملاحظة أخرى هي العلاقة الخاصة بين الاماراتيين و العمانيين و اليمنيين... يعني العايلات الاماراتية المعروفة بما فيها الحاكمة هي في الأصل إما عايلات يمنية و إلا عمانية و هذاكة علاش أجهزة الشرطة و الأمن عناصرها بالأساس يمنية و عمانية خاصة في دبي
خامسا، دبي تحتاج تدوينة وحدها أما بش نلخص عموما نقول إلي هي رمز الوضع الجديد... عندها من الناحية البصرية (بما في ذلك المعمارية) منظر متاع مدينة أمريكية... حتى الناس في الشارع من كثرة ماهي متنوعة و من جنسيات مختلفة برشة تحس روحك ساعات و خاصة في منطقة "الميقا مولز" (مراكز التسوق الضخمة) و البيزنيس سانتر ("بر دبي") و زيد الشط إلي هو عموما نظيف و الكرنيش إلي معاه (حي مضخم يسميوه "الجميرة") تحس كاينك في لوس أجلوس.... بخلاف الأجواء تزيد تعيشك في جو متاع مدينة "كونية" من الإذاعات إلي كاينها تبث من أمريكا، لأنواع المحلات و حتى لـ"فتيات الليل" من مختلف أنحاء العالم (شارع "المرقبات") و "المراقص" و القهاوي و المطاعم.... فمة جو إستعراضي عموما يفهموه خاصة الناس إلي عاشت في أمريكا.... هذية حاجة ما تلقاهاش في السعودية إلي سبقت في نسخ بعض المظاهر المدينية الأمريكية و معروف أنو دبي ولات قبلة الشباب السعودي (ثلاث ساعات بالسيارة بين الرياض و دبي)... هذاية الكل واضح إلي هو ناتج على رؤية خاصة متاع شيخ دبي إلي هو عموما انسان متواضع حتى أني لقيت السيارة المشهورة متاعو المرسديس الكات فوا كات (سيري 1) قدام واحد من المطاعم و معروف أنو يسوق سيارتو وحدو و بحراسة صغيرة برشة.... الخصوصية هذية تنطبق زادة على شيخ الشارقة إلي متميز بحاجة أخرى و إلي هي غرامو الكبير بالثقافة... ربما أكثر ممول متاع أنشطة ثقافية في المجال العربي توة... و على سبيل المثال فإنو "مركز التميمي" إلي في تونس و إلي يقوم بدور كبير في ترميم الذاكرة التاريخية متاعنا ممول جزئيا من الشيخ القاسمي.... و من دون مبالغة فإنو الإمارات تعيش بالفعل نهضة جزئيا بسبب اختيارات "الشيوخ المتنورين" هذومة.... بالنسبة لدبي الوضع الجديد بدى وقتلي الشيخ محمد بن مكتوم شد دبي عام 1999 و وقتها كانت مدينة عادية خاصة أنو ماعندهاش الموارد إلي عند الزوز إمارات القراب ليها يعني أبوظبي و الشارقة.. إلا أنو قرر أنو يبني الثروة متاعها على عقلية "الخدمات" و القطاع الثالث خاصة أنو مافماش حاجة كيفها في بلاصة فيها برشة ثراء و فلوس كيفما منطقة الخليج (و مع ارتفاع أسعار النفط) لكن مافيهاش سياحة و خدمات و انفتاح... بالشوية بالشوية ماعادش عندها أبعاد اقليمية و ولى عندها بعد دولي... يعني دبي تنافس في قطاع الخدمات على المستوى الدولي: أطول ناطحة سحاب/فندق ("برج العرب") في العالم، أكبر مطار في العالم (قاعد يتبنى)، أكبر "مدينة-ميناء" في العالم (قاعدة تتبنى).... بخلاف التخطيط الحضري و العمراني متاع الجزر المصطنعة إلي دايرين بيها إلي منظرهم ياسر حلو كي تشوفهم من الطيارة في الليل... نجاح شيخ دبي واضح كي يسافر البرة... لأنو يقع عموما استقبالو كاينو رئيس دولة ("زيارة دولة") كيف ليامات لخرة كيف استقبلو الرئيس الصيني...
لهنا نجي لموضوع آخر بش نكتب عليه مبعد... اليوم قريت ملاحظة في عدد الثلاثاء متاع الهيرالد تريبيون و هي ملاحظة قاعدة تتكرر المدة لخرة لدرجة أنها ولات كيتش: واحد مسؤول في مجموعة "الكارلايل" إلي هي وحدة من أهم المجموعات المالية الأمريكية و العالمية علق على زيارة شيخ دبي للصين و الصفقات و الأجواء المحيطة بيها قال "إلي مركز ثقل الاقتصاد العالمي قاعد ينتقل من أمريكا و أوروبا إلي الشرق الأوسط و آسيا".... يظهرلي صعود دبي مش سبب في الانتقال هذاية بقدر ماهو أحد مؤشراتو.... يعني ماتكفيش النوايا و الرؤية الصحيحة يلزم زادة ظروف مناسبة... و هي الظروف إلي متوفرة توة لشيخ دبي و لبقية الاماراتيين لأنو الكل مستفيدين من الوضع الراهن... بل أنو بقية العرب بما فيهم التوانسة مستفيدين لأنو المشاريع العمرانية إلي بش تتعمل في تونس (إلي مهما اختلفنا حولها بش يكون عندها مردود اقتصادي بالضرورة) ما تنجمش تتعمل من غير النهضة الاقتصادية متاع دبي
أهلا
عندي ملاحظتين، وإن كانتا متأخرتين عن المقال:
- سياسة الهمالة الجنوب شرق آسيوية، هي مشكلة جدية لهته الدول وقد تصبح أكثر خطورة في غضون السنوات القادمة، والتي ينتظر أن تحمل فيها الصين والهند المشعل عن الولايات المتحدة وأن تصبحا القوتين العظمتين الأكثر تأثيرا في العالم.
وسمعت في هذا الصدد كلاما يحتاج إلى توثيق، وإن كانت لديك معلومات فأنت مشكور أم تمدني بها، وهي أن ضغوطا أمريكية وجهت دول الخليج لاستعمال عمال جنوب شرق آسيوية بدل العربية التي كانت مستعملة من قبل لخلق مشاكل مستقبلية تحول دون استغلال هته الدول لثرواتها النفطية للبروز السياسي. (يمكن البحث عن تقرير ويليام كليفورد الذي رفع لمنظمة الأمم المتحدة إثر حضوره اجتماعا للدول العربية ورد فيه امكانية استرجاع تطبيق الشريعة للحد من الاجرام، الكلام لمحمد سعيد رمضان البوطي).
- ثانيا، بالرغم أني لم أذهب ولم أزر الإمارات، فإني أعتقد اعتقادا جازما أن كل ما حدث في دبي خاصة والخليج عامة هو تبذير للمال، فعوض أن تستثمر الأموال في مجالات ذات قيمة مضافة عالية، أو في مجالات صناهية أو فلاحية تكون بذلك تلك الدول قد وضعت استرتيجية لمجابهة جنون غلاء الأسعار، يقع تبذبر هته الأموال في مشاريع عقارية وترفيهية.
وللمثال فقط، الناتج المحلي لكوريا الجنوبية يفوق الناتج المحلي لجميع الدول العربية مجتمعة (باحتساب مداخيل البترول)وهي التي لا تمتلك أي ثروة طبيعية بل أدمغة واستراجيات صائبة.
الحمد للّه على رجوعك سلامات يا طارق وان شاء الله تكون استمتعت بسفرتك. وشكرا على هذه التدوينة المفيدة.
في نفس سياق تعليق الأخ سميح، وان كنت غير خبير بالموضوع، فإنّي أرى انّ الإمارات ستواجه مشكلة كبيرة جدا اذا لم تتخذّ الإجراءات الضرورية لمعالجة هذا الإختلال الديمغرافي بين "المواطنين" و"الوافدين". واضح انّ هناك استغلال فاحش لهؤلاء العمّال، وغير مقبول ان تتمّ معاملتهم بهذا التمييز. الأفضل هو ان تحاول الإمارات ادماجهم بشكل جدّي في المجتمع - كما يجري في "مجتمعات المهاجرين" ككندا والولايات المتحدة.
وذلك بتعليمهم اللغة العربية واعطائهم نفس حقوق السكّان الأصليين - وان بشكل تدرّجي. لكن هذه الرؤية تحتاج الى ثقافة منفتحة ومتسامحة مع الإختلافات الثقافية والدينية والإثنية، وهو ما لا أظنّ انّه متوفّر بشكل عميق في البيئة الخليجية عموما...
- يبدو من وصفك لاقتصاديّات الإمارات المشكّلة لدولة الإمارات العربية المتحدة، انّها مختلفة -اي الإقتصادات- عن بعضها البعض. الى أيّ مدى برأيك يمكن اعتبار انّ هناك اختلافات جوهريّة بينها؟ وهل يمكن الحديث عن اقتصادات غير ريعيّة - غير قائمة أساسا على ريع النفط-، خاصّة مع ما نراه من استثمار للأموال خارج الإمارات؟ بمعنى آخر، هل تعتقد انّ هناك وعي حقيقي بالإمارات لتفادي التقوقع حول النفط لتجنّب ما يؤدّي اليه ذلك من نتائج سلبية اقتصاديا - كما جرى في الحالة الهولندية- ومن تداعيات سلبية على بنية المجتمع وتعطّل الإبداع والحياة الثقافية وسطرة الجمود والعادات الإستهلاكيّة، كما نرى عامّة في الخليج وليبيا مثلا؟
إرسال تعليق