قضية حشاد 18 مارس.. قناة الجزيرة مباشر
شاركت منذ أكثر من أسبوع في برنامج خاص في "الجزيرة مباشر" حول قضية حشاد و رغم أن البرنامج كان فوضى عارمة و خاصة أن عدد المتدخلين فاق المساحة المتاحة إلا أنه في نهاية الأمر حلقة أخرى في مسار الحشد الاعلامي الايجابي لهذه القضية.. و لعبت الوسائط الاعلامية دورا حاسما في تنشيط هذا الملف برغم توفر المعطيات الأساسية حوله فيما قبل.. إذ تتفاعل قضية حشاد بشكل جدي و متصاعد و وصلت لأول مرة للقضاء بعد عشرات السنين من الانتظار... يجب أن أسجل هنا أهمية وسائل الاتصال الجديدة في التفاعلات الراهنة للقضية.. إذ أن عرض شريط وثائقي في قناة فضائية و ردود الفعل الأولى عليه بما في ذلك من كاتب هذا النص (هنا أو هنا مثلا) و خروج الأمر إلى الرأي العام النقابي و الوطني و موقع فايسبوك الخاص بحشاد الذي انضم اليه الكثيرون بسرعة و المدونة الجديدة الخاصة بحشاد و العريضة و حملة المقالات في مختلف المنابر استطاعت تحشيد الكثير من الناس و في النهاية إعادة فتح القضية و نقلها إلى مستويات قضائية في باريس... و ذلك برغم أن وسائل الاعلام الرسمية بقيت على الهامش من هذا الموضوع برغم أنها تتحمل المسؤولية الأولى في ضرورة تغطية قضية رمز وطني بحجم فرحات حشادو يحيلني ذلك على مقال صدر بأحد الصحف التونسية و التي قامت بالتهجم على القائمين من التونسيين و الحقوقيين الفرنسيين بقضية حشاد (أنظر هنا و هنا و هنا مثلا لمزيد التفاصيل)..
و المثير للانتباه أن هذه الصحيفة (التي تم التعرض لها و لشقيقتها بشكل متواصل في مدونة "بودورو"، على سبيل المثال هنا) من ذات نوع الصحف التي تقوم بالثلب بل و التخوين بشكل روتيني و دائما تحت ذريعة "الشعور الوطني".. غير أنها في هذه المرة صمتت كل هذه الشهور في هذه القضية المفصلية و الحاملة لدلالات كثيرة على مستوى "الغيرة الوطنية" و لم تقم بفتح ملف حشاد إلا من زاوية ثلب نقاببين و حقوقيين يقودون الجهود الخاصة بالقضية بل أن الأمر وصل إلى حد التهديدات المبطنة للأمين العام الحالي لـ"الاتحاد العام التونسي للشغل" و هو مقرب كما هو معروف (و بقية أعضاء المكتب التنفيذي المشاركين في تفعيل القضية) من السلطات الرسمية التونسية...
و هنا يجب أن أشير إلى أمر أساسي.. لقد تم انتقادي من قبل البعض عندما بادرت بالدعوة للتحرك من أجل تفعيل قضية حشاد إثر عرض شريط "إغتيال حشاد" (خاصة على فايسبوك إثر هذا المقال ثم إثر هذا النص) على اساس أني أساهم بذلك في تحويل الأنظار إلى مسائل ثانوية ستحاول من خلالها المركزية النقابية "تبييض سجلها"... و كنت أجبت بأن هذه قضية أكبر من الجميع و لا يجب التحجج بمحاولة البعض التمسح بها لكي نتجاهلها (كتبت مقال "الجزيرة نت" هنا للرد جزئيا على مثل هذه الرؤى)... و إذا كان لي من أي موقف تجاه قيادة "الاتحاد" فلن يكون بالتأكيد إيجابيا إذ لم أر من هؤلاء مثلا أي دعم و مساندة عندما تم الزج بوالدي في السجن في التسعينات... و سأكون آخر من يحمل مشاعر نبيلة تجاههم... و المصيبة الحقيقية أن البعض الذي يزايد منذ فترة حول هذا الموضوع كان متورطا إلى النخاع خاصة في مرحلة التسعينات مع المركزية النقابية (و أرجو أن لا يتحدث أي كان عن "عصر السحباني" و "عصر جراد" كأن الكثير من الوجوه المحتكرة للمواقع على مستوى المكتب التنفيذي و المتدوالة عليها ليست هي ذاتها طيلة العشريتين الأخيرتين)...
غير أن ذلك لا يعني بالنسبة لي أن العالم إما أبيض و إما اسود.. لا يوجد (أو من الصعوبة بمكان أن يوجد) أناس "اشرار" بشكل مطلق أو "أخيار" بشكل مطلق... خاصة إذا تعلق الأمر بسياقات سياسية و خاصة إذا تعلق الأمر أيضا بمسائل جامعة و ذات طابع وطني... و قضية حشاد تأتي ضمن هذا السياق.. لا يمكن فيها أن نحكم إلا على الأفعال.. إذا قام أي كان بأي مجهود في سياق تفعيل هذه القضية لا يمكن لنا إلا أن نعترف بذلك المجهود و ندعمه... و هذا لا يعني بأي حال من الأحوال التوقف عن مواجهة و نقد ما تقوم به المركزية النقابية بما في ذلك موضوع التمسك بـ"الفصل العاشر" و التداول الديمقراطي على المواقع القيادية في المنظمة... و على هذا الأساس فإن الثلب و التهديد المبطن للأمين العام للمنظمة الشغيلة بسبب الجهود التي يقوم بها بالتعاون مع حقوقيين فرنسيين ذوي صيت فيما يخص قضية حشاد هو عمل لا يمكن السكوت عليه... و كل من يصمت على ذلك بداعي تمسكه "المبدئي" بمعارضة المركزية النقابية إنما في النهاية لم يتعلم شيئا من حكاية الثور الأبيض.. إذ ما تم ثلبه هنا ليس شخصا بل ممارسة محددة و هي التعاون مع جهات حقوقية فرنسية نزيهة في سياق جهود جدية لإحياء ملف حشاد... و كل من يصمت هو في النهاية يوافق "مبدئيا" على هذه الممارسات
إرسال تعليق