مقال صدر في "العرب" القطرية الاحد 14 جوان 2009
الرابط
بالمناسبة المقال يتعرض الى وثيقة سبق نشرها سنة 2007 و تحدثت عنها في اكثر من مقال تمثل تصور "مرشد الثورة" لافاق التفاوض مع واشنطن
هذا رابط لاحد المقالات التي تحدثت فيها عن الموضوع
طارق الكحلاوي
ما الذي يمكن أن تؤثر به نتائج الانتخابات الإيرانية من الناحية العملية على طبيعة العلاقات بين واشنطن وطهران؟
ذلك طبعا السؤال الأكثر تكرارا في سياق الانتخابات الرئاسية الإيرانية، والذي نجد حتى في صحيفة محلية في أي من جمهوريات الموز إجاباتٍ روتينية عليه، وعلى رأسها القول بأنه «ليس هناك تأثير محتمل بما أن ملف السياسة الخارجية بيد المرشد خامنئي بمعزل عن هوية الرئيس». حسنا لا يمكن التشكيك في القسم الثاني من المقولة الأخيرة، لكن السؤال الذي يستحق الانتباه حينها هو التالي: هل للسيد خامنئي مواقف ثابتة وجامدة لا تتأثر بالمتغيرات الميدانية؟ وهل يمكن بالتالي للأجواء التي أحاطت بالانتخابات الرئاسية أن تلعب دورا ضمن عوامل متشابكة أخرى في صناعة هذه المتغيرات ومن ثمة إمكان صناعة متغيرات موقف المرشد؟
لم تعلن بعد النتائج الرسمية للانتخابات (حتى إنهاء هذا المقال) لكن يتبين الآن بعد فرز معظم الصناديق أن الرئيس الإيراني المتخلي سيحصل على الأرجح على عهدة رئاسية ثانية. غير أنه مهما كانت النتيجة الرسمية والنهائية لهذه الانتخابات فقد وقع فيها ما لا يمكن نسيانه أو تجاهله. هناك كسور وخدوش كافية في وجوه المرشحين، بمن في ذلك -بل وخاصة- أحمدي نجاد، في علاقة بملف علاقات إيران بالعالم حتى يمكن للخريطة السياسية الإيرانية والخطاب الرسمي الإيراني أن يعودا إلى ما كانا عليه حتى السنوات الأخيرة. فحتى لو ربح أحمدي نجاد عهدة ثانية فإن لن يخرج بنفس الملامح التي كان عليها قبل الانتخابات.
قام المرشحون المنافسون لأحمدي نجاد بكل ما في وسعهم لمساءلة جدوى خطابه وأدائه. كان ملف السياسة الخارجية (وضمنيا ملف العلاقات الأميركية الإيرانية) يُطرح بشكل مستمر من زاوية «تشويه» الرئيس المتخلي لصورة إيران في العالم. وهنا كان الاستقطاب الذي خلقه هذا التقريع العلني وعلى الهواء مباشرة في القنوات التلفزيونية الإيرانية لافتا للانتباه في سياق حزمة مترابطة من الانتقادات «الإصلاحية» ترى أن تعطل الدبلوماسية الإيرانية يساهم في تعميق الأزمة الاقتصادية المتصاعدة لإيران. يكفي أن يشاهد أيٌ كان -حتى ممن لا يعرف في أي بقعة من العالم تقع إيران- الجحافل «الخضراء» التي اجتاحت طهران دعما لموسوي والحمى التي رافقت نسب التصويت التي كانت ربما الأعلى في التاريخ الإيراني حتى يفهم أن هذا مجتمع يعرف استقطابات حادة.
وهنا يجب استذكار مغزى العملية الانتخابية بالنسبة للنظام الإيراني. دعنا أولا نسوق المصادرات العامة للمشهد المؤسساتي الإيراني: «الجمهورية الإسلامية» تتصرف كنظام لديه خطوط حُمر معلومة بالنسبة للتغيير السياسي على رأسها مرجعيتا الولاء لـ «الثورة الإسلامية» ولمبدأ ولاية الفقيه. وهذه خطوط حمر معلنة هندسها بشكل مؤسساتي «الثعلب» السياسي المحنك هاشمي رفسنجاني، وتراقب تنفيذها بشكل روتيني في كل موسم انتخابي مؤسسة «مجلس صيانة الدستور» المعينة من الفقيه/ «مرشد الثورة» نفسه. ولأن أعضاء «مجلس الصيانة» أقرب من تيار «المحافظين» فإن الخطوط الحمر تميل إلى الاتساع أكثر في سياق الحمى الانتخابية. لكن لماذا قرر النظام الإيراني قبلاً، مع الإمام الخميني، التأسيس لنظام انتخابي يشمل عدداً من المؤسسات التشريعية والتنفيذية الرئيسية إذا كان الدستور يؤسس لنظام سياسي أبدي يلفظ آلياً التغيير السياسي؟ أثبت الإيرانيون ما يكفي من الحنكة (ولنقل بدون مواربة، الميكيافلية) حتى يمكن لنا أن نقول بثقة -وهنا لا نذيع سرا على كل حال- أن العملية الانتخابية و «التحزب على أساس الانتماء للثورة» يجدد أنفاس النظام ويتيح تواصل علاقة تفاعلية مع مجتمع لا يرغب سائسوه في أن يؤسس لمجالات فعل تُسائل بديهياته. لكن هناك دائما ضريبة لمغامرات من هذا النوع، وأهمها، مثلما تبين من الأجواء التي صعدت بخاتمي وتياره إلى سدة الرئاسة، أن هامش النقد والحرية يفاقم الاحتقان والوعي بحدود النظام الإيراني خاصة عندما تجد البدائل «الإصلاحية» المنبعثة من داخل النظام نفسها في الطريق المسدود المتوقع، أي فيتو «مرشد الثورة».
الأجواء الانتخابية التي سادت الأسابيع الماضية كشفت حدة الاستقطاب والتململ بين الإيرانيين من الأداء السياسي للمؤسسة الإيرانية المشرفة على ملف السياسة الخارجية، والأهم منذ ذلك قامت بتطبيع انتقاد هذا الأداء على أنه «تشويه» لصورة إيران في العالم. بالنسبة لخامنئي وبالنسبة لمنطق ومغزى العملية الانتخابية، فإنه بمعزل عن الرابح فإن الخاسر هو المشرف على السياسة الخارجية الإيرانية، والرجل لم يعتد إدارة ظهره للمتغيرات الميدانية. فمثلما نعرف الآن فإن المبادرة بفتح حوار شامل مع واشنطن أتت إحدى المرات من «مرشد الثورة» بعد أسابيع قليلة من احتلال القوات الأميركية بغداد («وثيقة 4 مايو 2003» التي تحدثت عنها في مقالات سابقة والتي تم الكشف عنها في الصحف الأميركية في فبراير 2007). فمع المتغير الميداني الآخر المتمثل في «حملة العلاقات العامة» للرئيس أوباما في المنطقة فإنه من غير الصعب أن يرى «مرشد الثورة» ضرورة تغيير الأسلوب وطريقة تسويق السياسة الإيرانية في المنطقة.
تغييرات المرشد ستكون على الأغلب على مستوى الهيئة والصورة. ربما نرى حضوراً أكبر لخطاب سيزايد على الإدارة الأميركية في الرغبة في «الاحترام المتبادل» و «تعايش الإسلام مع الغرب»، ربما يمنح أشخاصا أقل استعداءً مثل خاتمي أدواراً للدبلوماسية العامة في المنطقة في ذات السياق الأميركي. لكن من دون شك فإن خلف هذا الستار المخملي ستنطلق أخيرا المفاوضات الشاملة بين واشنطن وطهران. من غير المعروف إن كان خامنئي سيعيد طرح الوثيقة التي مررها عبر السفير السويسري في طهران في مايو 2003 كأساس للرؤية الإيرانية لأي «صفقة» ممكنة مع واشنطن، إذ منذ ذلك الوقت حققت إيران بعض النقاط المطروحة في الوثيقة، خاصة النفوذ الإيراني في العراق، بدون تقديم تنازلات مقابلة. كما أن مقترح المرشد الخاص بـ «مؤتمر للسلام» على قاعدة القرارات الأممية يبدو خارج أي محادثات ممكنة في سياق الرفض الإسرائيلي لـ «حل الدولتين». أما ما وقع تسميته بـ «المصالح الأمنية الإيرانية» في المنطقة (خارج العراق)، أي في مواقع تواجد التكتلات الشيعية أو الأقاليم التي يمكن أن تشهد احتكاكا بين إيران وبقية الدول (دول الخليج، لبنان، القرن الإفريقي والبحر الأحمر..) فلا يمكن التكهن من الآن بمدى الاستعداد الأميركي لمناقشتها.
في المقابل تبدو الإدارة الأميركية بصدد التهيئة لجوهر مبادرتها للقيادة الإيرانية، وربما أبرز ملامح المبادرة ستكون في سياق مبادرة خاصة بنزع الأسلحة النووية في المنطقة (في إطار إعلان أوباما عن مبادرة دولية لنزع الأسلحة النووية). ومن المعروف أن إدارة أوباما بدأت مباحثات خافتة ومباشرة مع الإيرانيين حتى قبل تقلد أوباما بشكل رسمي مقاليد الرئاسة، إذ رعت «مجموعة بغواش» (Pugwash Group) سلسلة من اللقاءات بين مستشارين ومقربين من أوباما مع مسؤولين إيرانيين مختصين في الملف النووي في عدد من العواصم الأوروبية في أواخر سنة 2008. ومن غير المستبعد أن يتم طرح موضوع الترسانة النووية الإسرائيلية على طاولة البحث كمحفز على إرغام إيران على الخضوع إلى مظلة نووية أمنية أميركية للمنطقة. إذ إن أبرز مستشاري أوباما في هذا الملف، وبالتحديد مساعدة وزير الخارجية رووز غوتمولر (Rose Gottemoeller)، دعت بشكل علني في اجتماع أممي في بداية شهر مايو إسرائيل للانضمام إلى الاتفاقية الدولية لنزع الأسلحة النووية. كما أن أحد مراكز البحث غير الحكومية المقربة من إدارة أوباما «المجلس من أجل عالم يمكن العيش فيه» (Council for a Livable World) والمتخصص في موضوع الأسلحة النووية لديه موقف مثير للاهتمام من إيران من جهة تركيزه على أولوية العلاقة الأميركية الإيرانية، وتحديدا أن «إيران لا تشكل خطرا مهددا بالنسبة للولايات المتحدة»، وهو موقف لا يربط «الخطر الإيراني» بتهديده للوجود الإسرائيلي كما يمكن أن يفعل آخرون، بما يعني تركيز الجانب الأميركي على ضمان التوصل لإنتاجية نووية سلمية تحت إشراف دولي.
عموماً فإن سؤال علاقة الانتخابات الإيرانية بالعلاقات مع واشنطن أكثر تعقيداً مما يبدو من الوهلة الأولى، إذ إن أجواءها (وليس شخوص رابحيها وخاسريها) تقوم عملياً بالتهيئة للأجواء المتعلقة بالتفاوض بين الجانبين، أجواء «التغيير». غير أن كل ذلك، طبعاً، لا يعني أن هذه المفاوضات ستسير في خط مستقيم.
الرابط
بالمناسبة المقال يتعرض الى وثيقة سبق نشرها سنة 2007 و تحدثت عنها في اكثر من مقال تمثل تصور "مرشد الثورة" لافاق التفاوض مع واشنطن
هذا رابط لاحد المقالات التي تحدثت فيها عن الموضوع
اسئلة ايرانية
طارق الكحلاوي
ما الذي يمكن أن تؤثر به نتائج الانتخابات الإيرانية من الناحية العملية على طبيعة العلاقات بين واشنطن وطهران؟
ذلك طبعا السؤال الأكثر تكرارا في سياق الانتخابات الرئاسية الإيرانية، والذي نجد حتى في صحيفة محلية في أي من جمهوريات الموز إجاباتٍ روتينية عليه، وعلى رأسها القول بأنه «ليس هناك تأثير محتمل بما أن ملف السياسة الخارجية بيد المرشد خامنئي بمعزل عن هوية الرئيس». حسنا لا يمكن التشكيك في القسم الثاني من المقولة الأخيرة، لكن السؤال الذي يستحق الانتباه حينها هو التالي: هل للسيد خامنئي مواقف ثابتة وجامدة لا تتأثر بالمتغيرات الميدانية؟ وهل يمكن بالتالي للأجواء التي أحاطت بالانتخابات الرئاسية أن تلعب دورا ضمن عوامل متشابكة أخرى في صناعة هذه المتغيرات ومن ثمة إمكان صناعة متغيرات موقف المرشد؟
لم تعلن بعد النتائج الرسمية للانتخابات (حتى إنهاء هذا المقال) لكن يتبين الآن بعد فرز معظم الصناديق أن الرئيس الإيراني المتخلي سيحصل على الأرجح على عهدة رئاسية ثانية. غير أنه مهما كانت النتيجة الرسمية والنهائية لهذه الانتخابات فقد وقع فيها ما لا يمكن نسيانه أو تجاهله. هناك كسور وخدوش كافية في وجوه المرشحين، بمن في ذلك -بل وخاصة- أحمدي نجاد، في علاقة بملف علاقات إيران بالعالم حتى يمكن للخريطة السياسية الإيرانية والخطاب الرسمي الإيراني أن يعودا إلى ما كانا عليه حتى السنوات الأخيرة. فحتى لو ربح أحمدي نجاد عهدة ثانية فإن لن يخرج بنفس الملامح التي كان عليها قبل الانتخابات.
قام المرشحون المنافسون لأحمدي نجاد بكل ما في وسعهم لمساءلة جدوى خطابه وأدائه. كان ملف السياسة الخارجية (وضمنيا ملف العلاقات الأميركية الإيرانية) يُطرح بشكل مستمر من زاوية «تشويه» الرئيس المتخلي لصورة إيران في العالم. وهنا كان الاستقطاب الذي خلقه هذا التقريع العلني وعلى الهواء مباشرة في القنوات التلفزيونية الإيرانية لافتا للانتباه في سياق حزمة مترابطة من الانتقادات «الإصلاحية» ترى أن تعطل الدبلوماسية الإيرانية يساهم في تعميق الأزمة الاقتصادية المتصاعدة لإيران. يكفي أن يشاهد أيٌ كان -حتى ممن لا يعرف في أي بقعة من العالم تقع إيران- الجحافل «الخضراء» التي اجتاحت طهران دعما لموسوي والحمى التي رافقت نسب التصويت التي كانت ربما الأعلى في التاريخ الإيراني حتى يفهم أن هذا مجتمع يعرف استقطابات حادة.
وهنا يجب استذكار مغزى العملية الانتخابية بالنسبة للنظام الإيراني. دعنا أولا نسوق المصادرات العامة للمشهد المؤسساتي الإيراني: «الجمهورية الإسلامية» تتصرف كنظام لديه خطوط حُمر معلومة بالنسبة للتغيير السياسي على رأسها مرجعيتا الولاء لـ «الثورة الإسلامية» ولمبدأ ولاية الفقيه. وهذه خطوط حمر معلنة هندسها بشكل مؤسساتي «الثعلب» السياسي المحنك هاشمي رفسنجاني، وتراقب تنفيذها بشكل روتيني في كل موسم انتخابي مؤسسة «مجلس صيانة الدستور» المعينة من الفقيه/ «مرشد الثورة» نفسه. ولأن أعضاء «مجلس الصيانة» أقرب من تيار «المحافظين» فإن الخطوط الحمر تميل إلى الاتساع أكثر في سياق الحمى الانتخابية. لكن لماذا قرر النظام الإيراني قبلاً، مع الإمام الخميني، التأسيس لنظام انتخابي يشمل عدداً من المؤسسات التشريعية والتنفيذية الرئيسية إذا كان الدستور يؤسس لنظام سياسي أبدي يلفظ آلياً التغيير السياسي؟ أثبت الإيرانيون ما يكفي من الحنكة (ولنقل بدون مواربة، الميكيافلية) حتى يمكن لنا أن نقول بثقة -وهنا لا نذيع سرا على كل حال- أن العملية الانتخابية و «التحزب على أساس الانتماء للثورة» يجدد أنفاس النظام ويتيح تواصل علاقة تفاعلية مع مجتمع لا يرغب سائسوه في أن يؤسس لمجالات فعل تُسائل بديهياته. لكن هناك دائما ضريبة لمغامرات من هذا النوع، وأهمها، مثلما تبين من الأجواء التي صعدت بخاتمي وتياره إلى سدة الرئاسة، أن هامش النقد والحرية يفاقم الاحتقان والوعي بحدود النظام الإيراني خاصة عندما تجد البدائل «الإصلاحية» المنبعثة من داخل النظام نفسها في الطريق المسدود المتوقع، أي فيتو «مرشد الثورة».
الأجواء الانتخابية التي سادت الأسابيع الماضية كشفت حدة الاستقطاب والتململ بين الإيرانيين من الأداء السياسي للمؤسسة الإيرانية المشرفة على ملف السياسة الخارجية، والأهم منذ ذلك قامت بتطبيع انتقاد هذا الأداء على أنه «تشويه» لصورة إيران في العالم. بالنسبة لخامنئي وبالنسبة لمنطق ومغزى العملية الانتخابية، فإنه بمعزل عن الرابح فإن الخاسر هو المشرف على السياسة الخارجية الإيرانية، والرجل لم يعتد إدارة ظهره للمتغيرات الميدانية. فمثلما نعرف الآن فإن المبادرة بفتح حوار شامل مع واشنطن أتت إحدى المرات من «مرشد الثورة» بعد أسابيع قليلة من احتلال القوات الأميركية بغداد («وثيقة 4 مايو 2003» التي تحدثت عنها في مقالات سابقة والتي تم الكشف عنها في الصحف الأميركية في فبراير 2007). فمع المتغير الميداني الآخر المتمثل في «حملة العلاقات العامة» للرئيس أوباما في المنطقة فإنه من غير الصعب أن يرى «مرشد الثورة» ضرورة تغيير الأسلوب وطريقة تسويق السياسة الإيرانية في المنطقة.
تغييرات المرشد ستكون على الأغلب على مستوى الهيئة والصورة. ربما نرى حضوراً أكبر لخطاب سيزايد على الإدارة الأميركية في الرغبة في «الاحترام المتبادل» و «تعايش الإسلام مع الغرب»، ربما يمنح أشخاصا أقل استعداءً مثل خاتمي أدواراً للدبلوماسية العامة في المنطقة في ذات السياق الأميركي. لكن من دون شك فإن خلف هذا الستار المخملي ستنطلق أخيرا المفاوضات الشاملة بين واشنطن وطهران. من غير المعروف إن كان خامنئي سيعيد طرح الوثيقة التي مررها عبر السفير السويسري في طهران في مايو 2003 كأساس للرؤية الإيرانية لأي «صفقة» ممكنة مع واشنطن، إذ منذ ذلك الوقت حققت إيران بعض النقاط المطروحة في الوثيقة، خاصة النفوذ الإيراني في العراق، بدون تقديم تنازلات مقابلة. كما أن مقترح المرشد الخاص بـ «مؤتمر للسلام» على قاعدة القرارات الأممية يبدو خارج أي محادثات ممكنة في سياق الرفض الإسرائيلي لـ «حل الدولتين». أما ما وقع تسميته بـ «المصالح الأمنية الإيرانية» في المنطقة (خارج العراق)، أي في مواقع تواجد التكتلات الشيعية أو الأقاليم التي يمكن أن تشهد احتكاكا بين إيران وبقية الدول (دول الخليج، لبنان، القرن الإفريقي والبحر الأحمر..) فلا يمكن التكهن من الآن بمدى الاستعداد الأميركي لمناقشتها.
في المقابل تبدو الإدارة الأميركية بصدد التهيئة لجوهر مبادرتها للقيادة الإيرانية، وربما أبرز ملامح المبادرة ستكون في سياق مبادرة خاصة بنزع الأسلحة النووية في المنطقة (في إطار إعلان أوباما عن مبادرة دولية لنزع الأسلحة النووية). ومن المعروف أن إدارة أوباما بدأت مباحثات خافتة ومباشرة مع الإيرانيين حتى قبل تقلد أوباما بشكل رسمي مقاليد الرئاسة، إذ رعت «مجموعة بغواش» (Pugwash Group) سلسلة من اللقاءات بين مستشارين ومقربين من أوباما مع مسؤولين إيرانيين مختصين في الملف النووي في عدد من العواصم الأوروبية في أواخر سنة 2008. ومن غير المستبعد أن يتم طرح موضوع الترسانة النووية الإسرائيلية على طاولة البحث كمحفز على إرغام إيران على الخضوع إلى مظلة نووية أمنية أميركية للمنطقة. إذ إن أبرز مستشاري أوباما في هذا الملف، وبالتحديد مساعدة وزير الخارجية رووز غوتمولر (Rose Gottemoeller)، دعت بشكل علني في اجتماع أممي في بداية شهر مايو إسرائيل للانضمام إلى الاتفاقية الدولية لنزع الأسلحة النووية. كما أن أحد مراكز البحث غير الحكومية المقربة من إدارة أوباما «المجلس من أجل عالم يمكن العيش فيه» (Council for a Livable World) والمتخصص في موضوع الأسلحة النووية لديه موقف مثير للاهتمام من إيران من جهة تركيزه على أولوية العلاقة الأميركية الإيرانية، وتحديدا أن «إيران لا تشكل خطرا مهددا بالنسبة للولايات المتحدة»، وهو موقف لا يربط «الخطر الإيراني» بتهديده للوجود الإسرائيلي كما يمكن أن يفعل آخرون، بما يعني تركيز الجانب الأميركي على ضمان التوصل لإنتاجية نووية سلمية تحت إشراف دولي.
عموماً فإن سؤال علاقة الانتخابات الإيرانية بالعلاقات مع واشنطن أكثر تعقيداً مما يبدو من الوهلة الأولى، إذ إن أجواءها (وليس شخوص رابحيها وخاسريها) تقوم عملياً بالتهيئة للأجواء المتعلقة بالتفاوض بين الجانبين، أجواء «التغيير». غير أن كل ذلك، طبعاً، لا يعني أن هذه المفاوضات ستسير في خط مستقيم.
Tarek, don't you think that after these eclections the supreme counsel lost some of his crediblity with the Iranian people and that it could be the beginning of some unerst in Iran?
إرسال تعليق