اليوم 5 فيفري الذكرى السنوية لحدث ربما غير معروف من عموم الشباب التونسي بما في ذلك الطلبة التونسيون. و الأهم من ذلك فإننا، في تونس، لم نبتعد كثيرا عن بعض سمات تلك المرحلة. يرمز تاريخ 5 فيفري 1972 إلى خروج المنظمة النقابية الرئيسية في البلاد أي "الاتحاد العام لطلبة تونس" عن "الشرعية" بعد محاولة طلبة الحزب الحاكم آنذاك (طلبة "الحزب الاشتراكي الدستوري") الهيمنة عليها برغم أنهم كانو أقلية في المؤتمر الذي تم عقده في مدينة قربة أمام أغلبية من المؤتمرين ضموا مختلف الحساسات الفكرية و السياسية بما في ذلك تيار انشق عن الحزب الحاكم و قرر الدفاع عن تأسيس نظام ديمقراطي في البلاد. فخلال اجتماع عام تاريخي يوم 5 فيفري ضم آلاف الطلبة (أغلبية بالنسبة لعموم الطلبة آنذاك: حوالي 5 آلاف طالب) بما عكس ثقل كتلة الأغلبية في المؤتمر. الاجتماع الذي تم إعتباره فيما بعد "شروعا في أعمال المؤتمر 18 الخارق للعادة" واجه حملة من القمع و انتهى بحالة استمرت لسنين عديدة، كانت فيها الساحات الجامعية تغلي إزاء حالة من "اللاشرعية" و القطيعة مع السياق الرسمي الموجود خارج أسوار الجامعة. كان وضعا في الأساس غير "طبيعي" و لم يكن في النهاية في مصلحة أحد غير أنه لم يكن هناك، حتى بعد النظر بأثر جعي بعد كل هذه السنين، خيار آخر أما حركة طلابية واسعة و مصممة على التمسك بمنظمة نقابية مستقلة.
كان في الحقيقة إجهاض مؤتمر قربة إجهاضا لتجربة فريدة بالنسبة لجيل شاب كان بالرغم من كل الاحلام الراديكالية التي تميز الكثير من أجنحته (و ليس كلها) قادرا على التعايش. و كان هناك ربما فرصة لأن يجرب ذلك الجيل أهمية تعديل كل الراديكالية التي يحملها مع واقع يحتاج التوافق على أرضية ديمقراطية دنيا حتى يمكن له الاستمرار. ربما لم يكن ذلك سيغير مجرى التاريخ خاص أما الفوران الايديولوجي لكثير من الفصائل الطلابية الذي كان يحتاج الكثير من الوقت و المآزق حتى يمكن استهلاكه. لكن حتى أقل الاحتمالات التي تفترض تأثير قمع هذه التجربة الفسيفسائة الوليدة يستحق منا التأمل، و الحسرة ربما.
مرت سنين عديدة حتى اليوم. و مرت الكثير من الفرص الأخرى، انشقت الساحة الطلابية و حركاتها إلى حركات و ملل ايديولوجية (إذ كان من الروتيني أن تنقسم الفرقة الايديولجية إلى اثنين في أحيان كثيرة) و حتى نقابتين، و بالتأكيد الكثير من الانفلات. إذ لم يعد من الممكن تمييز المجال الجامعي عن المجال السياسي. غير أن كل من حاول و يحاول الاعتماد على ذلك لتبرير عملية التقويم الامنية و القسرية التي جرت فيما بعد تنقصه الكثير من النزاهة. إذ أنه يتناسى أصل الوضع غير القويم: عجز السلطة عن عدم التدخل في التنظم النقابي و السياسي داخل الجامعة. كل ما حصل و يحصل و سيحصل ناتج بالأساس عن هذا الوضع أساسا. و هكذا عندما تم التوهم بـ"احتواء" الجامعة عبر تجريد الطلبة من حركتهم الطلابية و منحهم "قانونية" مفرغة من إمكانية الفعل النضالي لم يكن ذلك إلا مقدمة جديدة لتكرار، و لو بعناوين و بتفاصيل أخرى، ما حدث في الماضي. إذ أن أي محاولة لوجود منظمة نقابية نضالية و ذات عمق و تأثير تصطدم عند ذاك بوضع "اللاشرعية".. و هكذا نحن مرة أخرى في نقطة الصفر، إذ تعجز المنظمة النقابية عن عقد مؤتمرها حتى عندما قررت ذلك السنة الماضية في بنزرت.
The banner in the top left corner makes it hard for me to read what's written here. Can you either make it smaller, or make it fixed and doesn't move while scrolling.
إرسال تعليق