صدر في جريدة العرب (يومية - قطر) بتاريخ 24 ماي 2009
الرابط
طارق الكحلاوي
بمعزل عن الحملات التشويهية المتوقعة، بما في ذلك تلك البادية على لغة تقرير «النيوزويك»، سيكون مضيعة للوقت لو تم التعامل باستهزاء مع «الناكساليين» (الحزب الشيوعي للهند-الماوي) كأنهم قطعة أرشيفية من الماضي، ومن دون مستقبل لمجرد فشل حملة التخويف التي يقودونها، خاصة بعد مشاركة نسب مرتفعة من سكان ولايات «الرواق الأحمر» في الانتخابات البرلمانية الهندية. ليس الوجود القوي لهذا التنظيم في مجال يسكنه مئات الملايين من البشر، فحسب ما يجب أن يستدعي الانتباه، ولكن أيضا كيفية إعادة إنتاجه الاستنساخية لـ «دوغما» مستهلكة، بل ومهمشة في أصولها الجغراسياسية (الصينية) وقدرتها على الاستمرار في مجال هندي لطالما تم تقديمه في السنين الأخيرة كنموذج لـ «الرأسمالية الآسيوية» الصاعدة. وهنا يتعين الرجوع إلى سنوات بعيدة عندما تبلورت الماوية كصيغة نظرية لحركات غير صينية لـ «اليسار الثوري».
إذ بحلول ستينيات القرن الماضي تهيأت الظروف لنشأة موجة يسارية دولية جديدة ستأخذ لاحقاً التسمية الشائعة (وغير الدقيقة) «اليسار الجديد».
تم ذلك بالخصوص على خلفية خفوت بريق النموذج السوفياتي مقابل بروز الصين الماوية، وبالتحديد تحول قضية مواجهة «التحريفية السوفياتية» (من خلال تصعيد «الصراع الطبقي» زمن «بناء الاشتراكية») إلى مرتبة القضية المحورية التي أصبح يتم على أساسها الفرز الجديد في «اليسار الثوري» عالمياً. إذ، مثلما كان يتم في صراعات الفرق الدينية القديمة، لا يمكن للصراع بين منتسبين إلى نظرية «ثورية» إطلاقية في حال الاختلاف فيما بينهم، إلا الانتهاء إلى تفسيرات راديكالية لما وقع فيه الطرف الآخر. فالصراعات بين رفاق الأفكار الشمولية ينتهي دائماً إلى أكثر الصراعات دموية واستعداءً. وبهذا المعنى فإن تفسير موقف الطرف الأخر لا يتم إلا من خلال تعبيرات من نوع «الردة» (على حد التعبير اللينيني) أو «التحريفية» (على حد التعبير الماوي). الطابع الاحتفالي والمشهدي لحدث «الثورة الثقافية» الصينية، التي انطلقت في شهر مايو سنة 1966، كان التعبير الأكثر تركيزاً على المرحلة الجديدة ومعها لم يعد من الممكن النظر إلى رؤى «ماو تسي تونغ» كتطبيق صيني لـ «الماركسية اللينينية» بقدر ما بدأ يتم تقديمها كجهاز مفاهيمي منسجم يعبر عن آفاق لحركة أممية جديدة لـ «اليسار الثوري» (لن يتم تأسيس حركة «أممية» لتنظيمات ماوية إلا وسط الثمانينيات، كما لن تقوم هذه «الأممية» بتقديم «الماوية» كمرحلة جديدة وعليا لـ «الماركسية اللينينية» إلا بداية التسعينيات). وفي هذا الخضم تحديداً كان من الممكن مثلا لطالب بيروفي أن يؤسس تنظيماً ماوياً ويبدأ «حرباً شعبية طويلة الأمد» ناظراً إلى الشيوعية بالأساس من خلال الماوية. أبيماييل غوزمان (Abimael Guzman)، المنحدر من عائلة من الطبقة الوسطى تسكن في أحد الأقاليم البعيدة عن العاصمة ليما، الذي حصل على الدكتوراة في الفلسفة سنة 1962 (في «النظرية الكانطية للمكان»)، أصبح عضواً في «الحزب الشيوعي البيروفي» قبل أن يسافر إلى الصين للمشاركة في «الثورة الثقافية» ضد «التحريفيين الصينيين» استباقاً لأية محاولة لاستيراد «التحريفية السوفييتية». رجع غوزمان إلى البيرو ليساهم في إعادة تأسيس الحزب «الحزب الشيوعي للبيرو» في اتجاه تبني الرؤى الماوية والموقف الصيني ليدفع في اتجاه تركيز نشاطه في الأقاليم النائية والجبلية للإنكا، حيث تعلم لغات السكان المحليين الريفيين. وهكذا في سياق التذمر «طويل الأمد» لهؤلاء جراء الاستغلال الفاحش لملاكي الأراضي، خاصة مع فشل خطط «الإصلاح الزراعي» القادمة من ليما مع أواخر السبعينيات استطاع الحزب الذي كان مكوناً بالأساس من نواة صلبة من العقائديين المتركزين في فضاءات جامعية (طلبة وأساتذة جامعات) إطلاق «حرب الشعب» في مايو 1980 تحت اسم التنظيم المسلح «الدرب المضيء» في أحد مناطق الأنديز التاريخية، منطقة «أياكوشو» النائية. في سياق الأوضاع الفوضوية والفساد السائدين في البيرو آنذاك انتشر نفوذ «الدرب المضيء» إلى الحد الذي أقنع غوزمان بحلول سنة 1989 أنه قاب قوسين من السلطة ليعلن مرحلة جديدة «لحصار المدن بالأرياف» (كلاسيكياً وفقاً لرؤى ماو في نظريته العسكرية المرحلة الأخيرة لـ «حرب الشعب») مدشناً حملة تفجيرات شبه يومية في العاصمة ليما ناقلاً قيادة أركانه إلى ليما ذاتها. تبين فيما بعد، كما أقر في كتاباته اللاحقة، أن ذلك كان «خطأ جسيماً». إذ كان اعتقاله سنة 1992 ومعظم «اللجنة المركزية» تتويجاً لخمود التنظيم وحملته العسكرية. غير أن اللافت الآن أنه بعد إعلان السلطات البيروفية «موت الدرب المضيء» والحكم بأحكام «مدى الحياة» على غوزمان رجعت الأخبار بقوة منذ سنة خاصة منذ أسابيع قليلة دالة على استعادة التنظيم بعض قواه من خلال قتل أعداد متزايدة من الجنود البيروفيين وبسط سيطرته على بعض المناطق الريفية النائية كالعادة في مناطق الأنديز، حيث لم يتغير الشيء الكثير. وبرغم وجوده في سجن معزول بقي غوزمان محافظاً على صورة القائد المركزي للتنظيم خاصة بعد فشل محاولة السلطات البيروفية في تقديمه كـ «مهزوم» من خلال الادعاء باستعداده توقيع وثيقة استسلام غير مشروط إثر اعتقاله. إذ كان ظهوره في صورة المتحدي خلال إعادة محاكمته سنة 2006 مناسبة لإعادة شحذ ما تبقى من التنظيم لصفوفه من خلال تكثيف الحملة الدعائية المركزة على شخصه بما يقارب الشخصية الأسطورية. وهنا علينا التوقف عند ما أعتقد أنه يشكل السمة الرئيسة لـ «الماوية الراهنة».
«الدرب المضيء» بوصفه نموذجها الرئيس بلا شك بسبب نجاحه في استعادة بريق «الماوية» خلال سنوات الثمانينات الحالكة، خاصة بسبب دفاع غوزمان المبكر عن «الماوية» بوصفها «مرحلة ثالثة أعلى» للماركسية اللينينية، يقدم أيضاً نموذجاً في الشخصنة البالغة للرؤية الأيديولوجية. إذ بعكس أمثلة لينين وماو تم ترسيخ عبادة الشخصية في علاقة بشخصية أبيماييل غوزمان من قبل حتى الإمساك بالسلطة. غوزمان الذي تم تسميته «الرئيس غونزالو» والحرب مازالت قائمة كان يتم الترويج له بوصفه شخصية خارقة ترمز للتنظيم ذاته. تحولت صورة غوزمان وهو شاب (بدون لحية للتمويه على وجهه الحقيقي) إلى أيقونة يتم طبعها على الجدران مع شعار الحزب. وأصبحت الإشارة إليه في أدبيات الحزب تتم بشكل شبه قداسي لتكتسب كتاباته تسمية «فكر الرئيس غونزالو» مثلما كان يطلق الماويون على «فكر ماو» في الستينيات. ويظهر أرشيف الحزب (محاضر اجتماعات اللجنة المركزية التي تم نشرها في دراسات تاريخية في التسعينيات) النقاشات المشخصنة والمتمركزة حول غوزمان بوصفه «المخلص» الذي كان يدير بدهاء أي صراعات ضد منتقديه في المكتب السياسي للحزب من خلال إذكائه الدائم للصراع الفكري والسياسي على أساس «الصراع بين الخطين» ودفع قيادة الحزب على حسم هذه الصراعات في «الاتجاه الصحيح» (أي موقفه هو) كمظهر أساسي لـ «صحة خط الحزب».
إذ تبدو «الماوية الراهنة» متعلقة بالأساس باستنساخ الصورة المركزية لـ «القائد الملهم» بوصفه (شخصياً) أمل بقاء الحزب وانتصاره. نفس هذا السلوك لـ «عبادة الشخصية» بأشكال تنظيرية أكثر وعياً بالذات وأكثر تنظماً نجدها في مثال آخر ليس أقل بروزاً من «الحزب الشيوعي للبيرو» برغم المحدودية الكبيرة لفاعليته الميدانية. التنظيم الأميركي الماوي الرئيس «الحزب الشيوعي الثوري، الولايات المتحدة» تجمع صغير يضم ما تبقى من هيكل أكثر قوة كان بارزاً في ستينيات القرن الماضي. لأسباب تمركزه في الولايات المتحدة ومن ثم توافره على موارد مالية أكبر وحرية حركة أكبر، يمتلك الحزب آلة دعائية ربما الأكثر قدرة من بين كافة التنظيمات الماوية على الدعاية الفكرية والسياسية مما جعله يلعب دورا حاسما في تشكيل التنظيم الأممي الدولي المعروف باسم «الحركة الأممية الثورية» سنة 1984. هذا البروز الإعلامي يتمحور بالأساس حول شخصية مؤسس وزعيم الحزب بوب أفاكيان (Bob Avakian). الأخير والذي يعتقد أنه يعيش منفيا في باريس ويمارس دوره متخفيا بسرية نشر سلسلة من الكتابات التي يروج لها حزبه بكثافة تحاول عقلنة عبادة الشخصية على أنها أداة فعالة في تحقيق أي برنامج حزبي ثوري. وطبعا يقدم ذاته تحديدا من خلال إسهامات من هذا النوع على أنه أيقونة الحزب. وهو ما يحصل فعلا من خلال تركز نشاط هذا التنظيم حول شخصية أفاكيان من خلال نشر عرائض تدافع عنه في أكبر الصحف الأميركية (مثلا صفحة كاملة في نيويورك تايمز بوك ريفيوز عدد 22 نوفمبر 2007) وصوره على صدر كتابه الأخير على الحافلات العمومية في لوس أنجليس.
......................................................
شريط غوزمان في رقصة زوربا
http://www.new.facebook.com/home.php#/video/video.php?v=90493562329&ref=nf
طارق الكحلاوي
بمعزل عن الحملات التشويهية المتوقعة، بما في ذلك تلك البادية على لغة تقرير «النيوزويك»، سيكون مضيعة للوقت لو تم التعامل باستهزاء مع «الناكساليين» (الحزب الشيوعي للهند-الماوي) كأنهم قطعة أرشيفية من الماضي، ومن دون مستقبل لمجرد فشل حملة التخويف التي يقودونها، خاصة بعد مشاركة نسب مرتفعة من سكان ولايات «الرواق الأحمر» في الانتخابات البرلمانية الهندية. ليس الوجود القوي لهذا التنظيم في مجال يسكنه مئات الملايين من البشر، فحسب ما يجب أن يستدعي الانتباه، ولكن أيضا كيفية إعادة إنتاجه الاستنساخية لـ «دوغما» مستهلكة، بل ومهمشة في أصولها الجغراسياسية (الصينية) وقدرتها على الاستمرار في مجال هندي لطالما تم تقديمه في السنين الأخيرة كنموذج لـ «الرأسمالية الآسيوية» الصاعدة. وهنا يتعين الرجوع إلى سنوات بعيدة عندما تبلورت الماوية كصيغة نظرية لحركات غير صينية لـ «اليسار الثوري».
إذ بحلول ستينيات القرن الماضي تهيأت الظروف لنشأة موجة يسارية دولية جديدة ستأخذ لاحقاً التسمية الشائعة (وغير الدقيقة) «اليسار الجديد».
تم ذلك بالخصوص على خلفية خفوت بريق النموذج السوفياتي مقابل بروز الصين الماوية، وبالتحديد تحول قضية مواجهة «التحريفية السوفياتية» (من خلال تصعيد «الصراع الطبقي» زمن «بناء الاشتراكية») إلى مرتبة القضية المحورية التي أصبح يتم على أساسها الفرز الجديد في «اليسار الثوري» عالمياً. إذ، مثلما كان يتم في صراعات الفرق الدينية القديمة، لا يمكن للصراع بين منتسبين إلى نظرية «ثورية» إطلاقية في حال الاختلاف فيما بينهم، إلا الانتهاء إلى تفسيرات راديكالية لما وقع فيه الطرف الآخر. فالصراعات بين رفاق الأفكار الشمولية ينتهي دائماً إلى أكثر الصراعات دموية واستعداءً. وبهذا المعنى فإن تفسير موقف الطرف الأخر لا يتم إلا من خلال تعبيرات من نوع «الردة» (على حد التعبير اللينيني) أو «التحريفية» (على حد التعبير الماوي). الطابع الاحتفالي والمشهدي لحدث «الثورة الثقافية» الصينية، التي انطلقت في شهر مايو سنة 1966، كان التعبير الأكثر تركيزاً على المرحلة الجديدة ومعها لم يعد من الممكن النظر إلى رؤى «ماو تسي تونغ» كتطبيق صيني لـ «الماركسية اللينينية» بقدر ما بدأ يتم تقديمها كجهاز مفاهيمي منسجم يعبر عن آفاق لحركة أممية جديدة لـ «اليسار الثوري» (لن يتم تأسيس حركة «أممية» لتنظيمات ماوية إلا وسط الثمانينيات، كما لن تقوم هذه «الأممية» بتقديم «الماوية» كمرحلة جديدة وعليا لـ «الماركسية اللينينية» إلا بداية التسعينيات). وفي هذا الخضم تحديداً كان من الممكن مثلا لطالب بيروفي أن يؤسس تنظيماً ماوياً ويبدأ «حرباً شعبية طويلة الأمد» ناظراً إلى الشيوعية بالأساس من خلال الماوية. أبيماييل غوزمان (Abimael Guzman)، المنحدر من عائلة من الطبقة الوسطى تسكن في أحد الأقاليم البعيدة عن العاصمة ليما، الذي حصل على الدكتوراة في الفلسفة سنة 1962 (في «النظرية الكانطية للمكان»)، أصبح عضواً في «الحزب الشيوعي البيروفي» قبل أن يسافر إلى الصين للمشاركة في «الثورة الثقافية» ضد «التحريفيين الصينيين» استباقاً لأية محاولة لاستيراد «التحريفية السوفييتية». رجع غوزمان إلى البيرو ليساهم في إعادة تأسيس الحزب «الحزب الشيوعي للبيرو» في اتجاه تبني الرؤى الماوية والموقف الصيني ليدفع في اتجاه تركيز نشاطه في الأقاليم النائية والجبلية للإنكا، حيث تعلم لغات السكان المحليين الريفيين. وهكذا في سياق التذمر «طويل الأمد» لهؤلاء جراء الاستغلال الفاحش لملاكي الأراضي، خاصة مع فشل خطط «الإصلاح الزراعي» القادمة من ليما مع أواخر السبعينيات استطاع الحزب الذي كان مكوناً بالأساس من نواة صلبة من العقائديين المتركزين في فضاءات جامعية (طلبة وأساتذة جامعات) إطلاق «حرب الشعب» في مايو 1980 تحت اسم التنظيم المسلح «الدرب المضيء» في أحد مناطق الأنديز التاريخية، منطقة «أياكوشو» النائية. في سياق الأوضاع الفوضوية والفساد السائدين في البيرو آنذاك انتشر نفوذ «الدرب المضيء» إلى الحد الذي أقنع غوزمان بحلول سنة 1989 أنه قاب قوسين من السلطة ليعلن مرحلة جديدة «لحصار المدن بالأرياف» (كلاسيكياً وفقاً لرؤى ماو في نظريته العسكرية المرحلة الأخيرة لـ «حرب الشعب») مدشناً حملة تفجيرات شبه يومية في العاصمة ليما ناقلاً قيادة أركانه إلى ليما ذاتها. تبين فيما بعد، كما أقر في كتاباته اللاحقة، أن ذلك كان «خطأ جسيماً». إذ كان اعتقاله سنة 1992 ومعظم «اللجنة المركزية» تتويجاً لخمود التنظيم وحملته العسكرية. غير أن اللافت الآن أنه بعد إعلان السلطات البيروفية «موت الدرب المضيء» والحكم بأحكام «مدى الحياة» على غوزمان رجعت الأخبار بقوة منذ سنة خاصة منذ أسابيع قليلة دالة على استعادة التنظيم بعض قواه من خلال قتل أعداد متزايدة من الجنود البيروفيين وبسط سيطرته على بعض المناطق الريفية النائية كالعادة في مناطق الأنديز، حيث لم يتغير الشيء الكثير. وبرغم وجوده في سجن معزول بقي غوزمان محافظاً على صورة القائد المركزي للتنظيم خاصة بعد فشل محاولة السلطات البيروفية في تقديمه كـ «مهزوم» من خلال الادعاء باستعداده توقيع وثيقة استسلام غير مشروط إثر اعتقاله. إذ كان ظهوره في صورة المتحدي خلال إعادة محاكمته سنة 2006 مناسبة لإعادة شحذ ما تبقى من التنظيم لصفوفه من خلال تكثيف الحملة الدعائية المركزة على شخصه بما يقارب الشخصية الأسطورية. وهنا علينا التوقف عند ما أعتقد أنه يشكل السمة الرئيسة لـ «الماوية الراهنة».
«الدرب المضيء» بوصفه نموذجها الرئيس بلا شك بسبب نجاحه في استعادة بريق «الماوية» خلال سنوات الثمانينات الحالكة، خاصة بسبب دفاع غوزمان المبكر عن «الماوية» بوصفها «مرحلة ثالثة أعلى» للماركسية اللينينية، يقدم أيضاً نموذجاً في الشخصنة البالغة للرؤية الأيديولوجية. إذ بعكس أمثلة لينين وماو تم ترسيخ عبادة الشخصية في علاقة بشخصية أبيماييل غوزمان من قبل حتى الإمساك بالسلطة. غوزمان الذي تم تسميته «الرئيس غونزالو» والحرب مازالت قائمة كان يتم الترويج له بوصفه شخصية خارقة ترمز للتنظيم ذاته. تحولت صورة غوزمان وهو شاب (بدون لحية للتمويه على وجهه الحقيقي) إلى أيقونة يتم طبعها على الجدران مع شعار الحزب. وأصبحت الإشارة إليه في أدبيات الحزب تتم بشكل شبه قداسي لتكتسب كتاباته تسمية «فكر الرئيس غونزالو» مثلما كان يطلق الماويون على «فكر ماو» في الستينيات. ويظهر أرشيف الحزب (محاضر اجتماعات اللجنة المركزية التي تم نشرها في دراسات تاريخية في التسعينيات) النقاشات المشخصنة والمتمركزة حول غوزمان بوصفه «المخلص» الذي كان يدير بدهاء أي صراعات ضد منتقديه في المكتب السياسي للحزب من خلال إذكائه الدائم للصراع الفكري والسياسي على أساس «الصراع بين الخطين» ودفع قيادة الحزب على حسم هذه الصراعات في «الاتجاه الصحيح» (أي موقفه هو) كمظهر أساسي لـ «صحة خط الحزب».
إذ تبدو «الماوية الراهنة» متعلقة بالأساس باستنساخ الصورة المركزية لـ «القائد الملهم» بوصفه (شخصياً) أمل بقاء الحزب وانتصاره. نفس هذا السلوك لـ «عبادة الشخصية» بأشكال تنظيرية أكثر وعياً بالذات وأكثر تنظماً نجدها في مثال آخر ليس أقل بروزاً من «الحزب الشيوعي للبيرو» برغم المحدودية الكبيرة لفاعليته الميدانية. التنظيم الأميركي الماوي الرئيس «الحزب الشيوعي الثوري، الولايات المتحدة» تجمع صغير يضم ما تبقى من هيكل أكثر قوة كان بارزاً في ستينيات القرن الماضي. لأسباب تمركزه في الولايات المتحدة ومن ثم توافره على موارد مالية أكبر وحرية حركة أكبر، يمتلك الحزب آلة دعائية ربما الأكثر قدرة من بين كافة التنظيمات الماوية على الدعاية الفكرية والسياسية مما جعله يلعب دورا حاسما في تشكيل التنظيم الأممي الدولي المعروف باسم «الحركة الأممية الثورية» سنة 1984. هذا البروز الإعلامي يتمحور بالأساس حول شخصية مؤسس وزعيم الحزب بوب أفاكيان (Bob Avakian). الأخير والذي يعتقد أنه يعيش منفيا في باريس ويمارس دوره متخفيا بسرية نشر سلسلة من الكتابات التي يروج لها حزبه بكثافة تحاول عقلنة عبادة الشخصية على أنها أداة فعالة في تحقيق أي برنامج حزبي ثوري. وطبعا يقدم ذاته تحديدا من خلال إسهامات من هذا النوع على أنه أيقونة الحزب. وهو ما يحصل فعلا من خلال تركز نشاط هذا التنظيم حول شخصية أفاكيان من خلال نشر عرائض تدافع عنه في أكبر الصحف الأميركية (مثلا صفحة كاملة في نيويورك تايمز بوك ريفيوز عدد 22 نوفمبر 2007) وصوره على صدر كتابه الأخير على الحافلات العمومية في لوس أنجليس.
..........................
شريط غوزمان في رقصة زوربا
http://www.new.facebook.co
إرسال تعليق