في حادث إعلامي غير معتاد فتحت أهم صحيفتين سياسيتين في الولايات المتحدة صفحاتهما أمام حركة حماس للتعبير عن موقفها و لكي تتوجه برسالة حوار للإدارة الأمريكية. فقد نشر أحمد يوسف، المستشار السياسي لإسماعيل هنية رئيس وزراء "حكومة الوحدة الوطنية"، مقال رأي بشكل متزامن في كل من النيويورك تايمز و الواشنطن بوست و ذلك بتاريخ 20 جوان الجاري. يبدو أن مديري تحرير الصحيفتين قد تلفا بسرعة المقال و نشراه بدون التثبت من إمكانية نشره في الصحيفة الأخرى (من المعروف أن الصحيفيتين تتنافسان عادة على مستوى الخبر و التحليل السياسيين في المشهد الإعلامي الصحفي الأمريكي). و هذا المعطى وحده يشير إلى رغبة جدية في بعض الأوساط بما في ذلك في أوساط إعلامية مؤثرة لـ"لإستماع" إلى حماس. أعتقد أن مبادرة حماس (و هي ليست الأولى) و رد فعل تلك الأوساط الأمريكية مؤشرات مشجعة. حيث ليس من الصعب أن نرى أن حماس قد بدأت منذ فترة (خاصة منذ خروج مؤسسها الشيخ ياسين من السجن) في مسار مراجعة لخطتها السياسية. و هو ما تم تتويجه في السنين الأخيرة بمشاركتها في الإنتحابات و قبولها "إحترام" قرارات الشرعية الدولية و إعلانها و تمسكها بسلسلة من الهدنات لفسح المجال أمام حلحلة الوضع عبر القنوات السياسية. و بذلك تبرهن على إيمانها بسياسة واقعية تجاه الصراع لا يفرط في حق إستعمال القوة دون التغافل عن أهمية الخطوات السياسية المرحلية. و قد أكد أحمد يوسف كل هذه المعاني في مقاله (المعنون في التايمز "ماذا تريد حماس" و في البوست "تعاملوا مع حماس") بشكل يوحي أنه يمثل رغبة في تسويق رؤية حركته ضمن السياق السياسي الأمريكي بوصفها طرفا يعرف القيام بأشياء أخرى بالإضافة للإمساك بالسلاح.

و مثلما أشرت في السابق و على أساس تحاليل وردت في بعض الأوساط الأمريكية (الواشنطن بوست، "شيوخ" الإدارة الأمريكية...) فإنه رغم كل ما يمكن أن يقال في علاقة بما جرى في غزة، يبدو أن لهذا الحدث أبعادا أخرى غير معاني "الإقتتال الفلسطيني" و "الانقلاب على الشرعية". إن النتيجة التي لم تكن ربما الإدارة الأمريكية تتوقعها أن الدفع ببعض التيارات داخل فتح نحو "إستئصال" حركة حماس في غزة أدى لإمساك الأخيرة بالسلطة كاملة في القطاع. و لكن ذلك ليس ضرورة أمر سيئ من مختلف زوايا أطرفا الصراع. إذ ربما يساهم إمسكاك حماس بالسلطة في غزة إلى مزيد إقتناعها بالضرورات الخاصة لقيادة دفة السياسة و السلطة (مما يزيد في تشبثها بالنهج الواقعي)، كما يساهم في دفع حركة فتح للقيام بما لم ترغب في القيام به لمدة طويلة إزاء معضلات مثل تسيب الإنضباط الحركي و الفوضى على مستوى القيادة و تفشي مظاهر الفساد (و التي زادت إستشراء بإمسكاك محمود عباس لمقاليد الرئاسة و هو المعروف عنه أنه أقل حزما من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات). لكن كل ذلك مرهون بوجود إستجابة دولية لتفهم موازين القوى الجديدة و العمل على تطويعها في الاتجاه الصحيح. و هو الأمر الذي يبدو أن بعض الأوساط الأمريكية تقدر أهميته الآن


لا يوجد أي تعليق


طارق الكحلاوي
نشأ طارق في أحد مدن الضواحي مدينة رادس الواقعة في الجمهورية التونسية. يشغل الآن موقع أستاذ في جامعة روتغرز (قسمي التاريخ و تاريخ الفن). تلقى طارق تكوينه الجامعي في جامعة تونس (كلية 9 أفريل، إجازة و دراسات معمقة في التاريخ و الآثار) و جامعة بنسلفانيا (رسالة دكتوارة في تاريخ الفن). و يعلق بانتظام على القضايا و الاوضاع العربية باللغتين العربية و الانجليزية في مواقع و صحف مثل "الجزيرة.نت" و "القدس العربي" و "الحياة" و "العرب نيوز" و "ميدل إيست أونلاين"، و يكتب عمودا أسبوعيا في جريدة "العرب" القطرية. يكتب أيضا في قضايا ثقافية و نظرية تخص الاسلام المعاصر في المجلة البيروتية "الآداب". و تمت استضافته للتعليق في قناة "الجزيرة الفضائية" و قناة 13 "بي بي أس" (نيويورك).

Tarek Kahlaoui
Tarek grew up in the suburban city of Rades in Tunisia. He is currently an Assistant Professor at Rutgers University (a joint position in the Art History and History departments). Tarek graduated from the University of Tunis (Bach. and DEA in history and archeology) and University of Pennsylvania (Ph.D. in history of art). Tarek also comments regularly in Arabic and English on Middle Eastern issues and politics in Aljazeera.net, Al-Quds Al-Arabi, Al-Hayat, Arab News, and Middle East Online, and writes a weekly column for the Qatari newspaper Al-Arab. He also writes on intellectual and theoretical issues related to contemporary Islam in the Lebanese magazine Al-Adab. He was also invited to comment in Al-Jazeera Channel, and in Channel 13 (PBS-New York).