عدد جريدة الشعب يوم 25 جانفي 1978 يعلن الاضراب العام يوم 26 جانفي



لائحة الهيئة الادارية التاريخية التي اعلنت اضراب 26 جانفي 1978

يمكن الاطلاع على مزيد الصور في البوم الاخ لسعد المنشور على فايسبوك هنا


عدد التعاليق: 1



صدر منذ حوالي الاسبوع تقرير جامعة شنغاي حول أفضل 500 جامعة في العالم... الروابط التالية للاطلاع على التفاصيل
http://www.arwu.org/Statistics2009.jsp
http://www.arwu.org/ARWU2009.jsp
التقرير لاقى تعليقات مختلفة كل من زاوية اهتمامه.. هناك مثلا حلقة خاصة في برنامج "في العمق" في قناة الجزيرة استضافت عزمي بشارة ركزت على نقطة الوضع العربي و تأثير التمويل في هذا الوضع المتردي
http://aljazeera.net/NR/exeres/6068FDF6-07DD-4B82-A39A-0E8840EEE86B.htm

لدي بعض الملاحظات البرقية:

أولا، أن تقرير جامعة شنغاي ليس تقريرا مثاليا و لكنه الأكثر احتراما مع تقرير "التايمز" و لو أن الأخير يقدم ترتيبا يقتصر على 200 جامعة...
http://www.timeshighereducation.co.uk/Rankings2009-Top200.html
و عموما نجد نفس الميزات في التقريرين أي تواصل سيطرة انغلوسكسونية مع تقد جامعات آسيوية خاصة من اليابان و هونغ كونغ

ثانيا، هناك نقطة ربما غير معروفة و هي أن الترتيب لا يشمل اختصاصات "الفنون و العلوم" أي
schools of arts and sciences بما في ذلك اختصاصات الانسانيات.. ملاحظة ربما فيها طابع شخصي و هي أن الجامعة التي أدرس فيها جامعة روتغرس (جامعة ولاية نيو جيرزي) كان لها نفس الترتيب في التقريرين تقريبا أي 55 و بذلك تأخرت نقطة عن العام الماضي و هو وضع منسجم مع"جامعات الولايات" المعروفة

ثالثا، لأول مرة توجد جامعة عربية في تقرير شنغاي على قائمة الافضل 500 جامعة.. و هي بعكس الخطاب العربي الشعبوي الذي يحقر عادة من الخليج هي جامعة سعودية.. جامعة الملك سعود في الرياض.. لكن هنا يجب توضيح نقطة أساسية: هذه أول جامعة لم تتخصص في العلوم الدينية في السعودية و هي ركزت على علوم الهندسة خاصة لتكوين المهندسين العاملين في اختصاصات الجيولوجيا و البترول كما هي في علاقة مباشرة بقطب تكنولوجي كبير و هو
Riyadh Technology Valley
و الذي يتخصص في عدد من الاختصاصات التطبيقية خاصة الصيدلية و المعلوماتية.. هذا بالاضافة إلى أن الجامعة تمنح أجورا عالية بما جذب باحثين كبار ينشرون في الكثير من الدوريات العالمية و ذلك أحد معايير الترتيب المعتمدة

رابعا، لأول مرة نرى أيضا في ذات التقرير جامعة ايرانية (جامعة طهران) في أفضل 500 (في آخر الترتيب) و أعتقد أن هناك أسباب مختلفة بعض الشيء في الحالة الايرانية عن الحالة الساعودية.. إضافة للاستثمار المالي القادم من الدولة (و هنا الاستثمار في الميدان العلمي له أيضا علاقة بخيارات استراتيجية و سياسية معروفة) فإن في الحالة الإيرانية لدينا نظام تعليمي حديث قديم نسبيا بالقياس الى المنطقة.. إذ كان مع تركيا من بين أول الأنظمة التي قامت بالتحديث في العالم الاسلامي في منتصف القرن التاسع عشر.. و بهذا المعنى هناك بنية تحتية محلية قوية خاصة في العقول تم الاستثمار فيها مع التمويلات المالية الكبيرة.. بالمناسبة جامعة طهران أعلنت منذ سنوات أنها ستركز على دعم نشر بحوث جامعييها في أفضل الدوريات في العالم عبر تنسيق جهودهم و تمويلها بالشكل المطلوب

خامسا، في الحالتين الايرانية و السعودية لدينا نظاما سياسيا دينيا غير أن له جناح تعليمي (ممول من ذات النظام السياسي) يحدد معاييره بالأساس من خلال معايير حداثية دولية.. هذا التعايش مثير للانتباه و يستحق تأملا خاصا خاصة بالنسبة للتحليلات التي تستهل الحديث عن الفصل بين السياسي و الديني و تأثير ذلك على النظام التعليمي.. طبعا ليس ذلك نموذجا بشكل عام و لا حتى نموذجا لكل المنطقة العربية الاسلامية.. لأن لكل دولة تقاليدها و مميزاتها

سادسا، بالنسبة للجامعات الاسرائيلية: هناك رقم قياسي قياسا بوضع المنطقة ( و مرة أخرى لدنا هنا نظاما سياسيا مؤسس على مقولة دينية) هناك 7 جامعات في أفضل 500 بما في ذلك واحدة ضمن أفضل 100 جامعة (الجامعة العبرية في القدس).. التفسيرات مختلفة بما ذلك التمويل القادم من الدولة و لكن أعتقد أن أهم العوامل في رأيي العلاقة الوثيقة و التقليدية الآن بين الأوساط الاكاديمية الاسرائيلية و الشبكة الاكاديمية الانغلوسكسونية و هي الأفضل في العالم.. و بالتالي التمويل ليس النقطة الفاصلة في الموضوع و إلا لكانت أفضل الجامعات في المنطقة في أقطار خليجية

سابعا، افريقيا الآن و الوضع العربي في افريقيا و خاصة التونسي... الجامعات الافرقية الوحيدة المصنفة كما هي العادة هي الجنوب افريقية.. ذلك متناسب مع وضع تفوق جنوب افريقيا في مستوى الدخل القومي افريقيا.. لكن ذلك ليس العامل الوحيد (و إلا لكانت دول قريبة في الدخل القومي مثل نيجيريا و الجزائر و مصر قريبة من هذا الترتيب).. مرة أخرى يبدو عامل تقاليد و تاريخ الارتباط بالشبكة الانغلوسكسونية عاملا حاسما في هذا الوضع... و التحديث المبكر نسبيا في الميدان التعليمي و لو أن ذلك تم على أسس عنصرية في البداية و لازالت آثار ذلك متواصلة.. الآن سؤال المليون دولار و الذي لا أعتقد أن هناك إجابة واحدة عنه: ما الذي ينقص تونس؟ خاصة أن تحديث نظامها التعليمي كان مبكرا أيضا.. بالاضافة لعامل التمويل البديهي قياسا بامكانيات البلد فأعتقد أن استمرار الخيار الفرنكفوني و الفرنكفولي (في الرؤية المنهجية و اللغوية) و البعد النسبي عن الشبكة الانغلسوكسونية عاملا بديهيا.. و رغم بروز كوادر تونسية كثيرة (منهم الكثير من الوزراء الحاليين) المتخرجين من جامعات انغلوسكسونية إلا أن بروزهم يخفي عدم توازن كبير على المستوى الكمي بين الكوادر الفركنفونية و الانغلوسكسونية


هذه ملاحظات برقية.. تحتاج تفصيلا و تدخلا للمختصين في الميدان التربوي و مقارناته مع الوضع الدولي


عدد التعاليق: 12



طبعا مثلما أشر في تدوينة سابقة ذكرى تأسيس الاحاد تحيلنا على عدة أشخاص و تضحيات جماعية و ليست فردية لكن بالتأكيد الشهيد فرحات حشاد لعب دور طليعي في تأسيس هذه المنظمة النقابية العريقة عربيا و افريقيا و حتى دوليا (و هو الأمر الذي تحدثت عنه في نص تبعه نقاش ثري في مجموعة "تاريخ تونس" على فايسبوك على هذا الرابط)... بمناسبة هذا اليوم اتفقنا مجموعة من المدونين على تنشيط النقاش حول اغتيال حشاد و الشهادات الأخيرة الواردة حول الموضوع و العريضة (هنا نص العريضة و هنا قائمة الممضين) التي يتم ترويجها بهذه المناسبة من أجل أن يتحمل المجتمع المدني دوره الطبيعي في هذا المووضع بعيدا عن الحسابات السياسوية و "الوطنية المناسباتية" المحسوبة... خاصة أن موضوع ملاحقة قتلة حشاد هو موقف سياسي و ليس مسألة قانونية مجردة... أشير أيضا إلى أن المجموعة الخاصة بهذا الموضوع في فايسبوك (هنا) وصل عدد أعضاءها إلى أكثر من 2400 عضو.. و تجدون هناك في قسم التدوينات (هنا) آخر الاخبار الخاصة بجهود ملاحقة قتلة حشاد... على كل أردت بهذه المناسبة أن أنشر في مدونتي نص تعليقي على شهادة أنطوان ميليرو المكتوبة حول اغتيال حشاد و الذي سبق أن نشرته (هنا) مدونة "نعم لملاحقة قتلة حشاد"... و هي الشهادة التي وردت قبل سنوات من شريط "الجزيرة الوثائقية" و كنت أشرت إلى ذلك في أول تدوينة (هنا) حول هذا الموضوع

النص المصور للشهادة موجود هنا.. و فيما يلي تعليقي عليها

يجب بدءا الإشارة إلى أنه تم تصدير نص الكتاب بـ"تحذير" من كاتبه بما يلي: "هذا الكتاب يعتمد على شهادات خاصة و أيضا على تحقيقات قام بها كاتبوه"، بما يعني أن الكتاب يتضمن مساهمات لأكثر من شاهد و ليس لميليرو فحسب و بالتالي لا يمكن أحيانا أن نتثبت من دقة المصدر إذا لم تكن هناك إشارة بأنه ميليرو نفسه. النص الخاص باغتيال حشاد جاء في سياق حديث ميليرو عن تعقيدات الوضع في المغرب الأقصى و خاصة الظروف التي أدت الى اندلاع الانتفاضة المسلحة المغربية في شهر ديسمبر سنة 1952 ضد الاحتلال و التي كانت "شرارتها" من تونس و ليس من المغرب مثلما يؤكد الكاتب. يبدأ ميليرو حديثه بالتلميح إلى عدم ارتياح بورقيبة لبروز فرحات حشاد و الذي وصفه بأنه كان "على يسار" بورقيبة و بأنه كان "أكثر راديكالية" منه و أنه كان وراء "الثورة" التي أدت الى الاستقلال من خلال قدرته الخطابية على تحميس مستمعيه من موقعه على رأس المنظمة النقابية التونسية آنذاك "الاتحاد العام التونسي للشغل". في هذا السياق يدعي ميليرو بأن حشاد كان يتبع رؤية "ماركسية لينينية صارمة" (و هو غير صحيح كما هو معروف في الدراسات التاريخية عن حشاد) و هو ما أدى حسب ادعاءات ميليرو إلى استعداء مزدوج من قبل المستوطنين و أنصار بورقيبة على السواء. و جعل هذا الوضع حسب ميليرو حشاد في حالة من "العزلة" إلا من جهة الولايات المتحدة التي اختارت أن تدعمه خاصة من خلال الادارة الامريكية لهاري ترومان التي يقودها الحزب الديمقرطي. و برغم التناقض الواضح الذي يقع فيه ميليرو هنا (دعم الولايات المتحدة لنقابي "بلشفي" كما يسميه) فإنه لا يحاول حتى تفسير اشارته في نفس الفقرة إلى المعطى المعروف المتمثل في انضمام اتحاد الشغل بقيادة حشاد الى "السيزل" و هو التحالف النقابي الدولي المعادي للنقابات الشيوعية.

استهدف ميليرو من هذا التقديم الذي يحتوي على مغالطات بديهية أن يمهد للظروف السابقة مباشرة لعملية الاغتيال إذ يشير إلى أن الانتخابات الرئاسية الامريكية التي جرت في شهر نوفمبر 1952 و التي جلبت إلى البيت الابيض إدارة جمهورية بقيادة الجنرال إيزنهاور قررت التوقف عن دعم هذا "البلشفي". و أدى ذلك حسب ميليرو إلى أن حشاد أصبح معزولا عن "الجميع" و أن مسألة تصفيته أصبحت حينها مسألة وقت. هنا يواصل ميليرو ادعاءاته من خلال اعتبار قرار التصفية و زمنه مشتركا بين بورقيبة (و اتهام خطير هو لا يورد أي براهين عليه خاصة أن ميليرو ليس موجودا ضمن مواقع قرار القيادات التونسية) و رئاسة مجلس الوزراء الفرنسي الذي كان يقوده آنذاك اليميني (و المتعاون سابقا مع حكومة فيشي الموالية للنازية) هو أنطوان بيناي (Antoine Pinay). و يشير ميليرو هنا إلى الذي تم تكليفه بالتنفيذ هو "الفرع التونسي" لمنظمة "اليد الحمراء".

تجب الاشارة هنا إلى أنه في الوقت الذي لا يقدم ميليرو طيلة كتابه أي مؤشرات على أنه على علم بما يدور بخلد القايادات التونسية الوطنية بما في ذلك بورقيبة فإنه يشري بشكل واضح من خلال تقديم تواريخ و أسماء إلى العلاقة الوثيقة بين "اليد الحمراء" و أعلى هرم السلطات الفرنسية. يجب هنا التوقف برهة و الرجوع إلى الفصل الأول من الكتاب و الذي يشير فيه أنطوان ميليرو (تحديدا بين الصفحتين 28 و 29) إلى ظروف تأسيس "اليد الحمراء" سنة 1952 و مشاركة السلطة السياسية الفرنسية بما في ذلك أنطوان بيناي في ذلك. إذ يشير إلى أنه برغم "الاستقلالية الكبيرة" التي كانت تتمتع بها هذه المنظمة إلا أنها كانت تحت الاشراف المباشر للكولونيل مارسال أندري مارسيي (Marcel-André Mercier) بصفته قائد جهاز أمني رسمي و هو "جهاز التوثيق الخارجي و محاربة الجاسوسية" (Service de Documentation Exterieure et de Contre-Espionnage) المعروف باختصار (SDECE). و هنا يشير ميليرو إلى أن هذا الجهاز كان يخضع للاشراف المباشر آنذاك لرئيس الوزراء الفرنسي أنطوان بيناي (و لكن يسبق وجود هذا الجهاز بيناي إذ يرجع تأسيسه إلى نهاية سنة 1940، و سيتم تغيير اسمه من قبل فرانسوا ميتيران سنة 1981 إلى تسميته الراهنة "القيادة العامة للعمليات الخارجية" و المعروف باختصار "DGSE"). يمكن أن نضيف إلى ما قاله ميليرو أن الكولونيل مارسيي الذي كان مشرفا على عمليات المنظمة الارهابية وقت اغتيال حشاد و الذي كان معروفا بين الأوساط المخابراتية باسم "الصغير مارسيي" أقام خلال الخمسينات في سويسرا أين قاد خاصة عمليات مختلفة ضد "جبهة التحرير الوطني" الجزائرية بما في ذلك اغتيال عناصرها المشاركين في تهريب السلاح عبر المجال الأوروبي.

يمر ميليرو إثر ذلك إلى تفاصيل عملية الاغتيال ذاتها. التوقيت السابعة صباحا من يوم 5 ديسمبر 1952 و يشير هنا إلى اختفاء الملاحقة التي كان يتعرض اليها في الايام السابقة من قبل قاتليه. وصف ميليرو لعملية الاغتيال يعكس حقده الواضح على حشاد من خلال الاشارة إلى أنه "جن من الرعب" إثر اصابته برصاصات رشاش قادمة من سيارة يستقلها أربعة أشخاص. لكن ذلك لم يؤد إلى وفاته و حينها أتت سيارة أخرى من نوع "سيمكا أروند" (Simca Aronde) لونها أحمر يميل للبني (grenat) و أشار عليها حشاد بيديه (على شكل صليب) و هو وسط الطريق للتوقف. يوافق راكبوها الثلاثة على نقل حشاد و الذي لم يكن يعلم أنها سيارة التغطية للمجموعة التي قامت بالعملية. و هنا لا يذكر ميليرو ما تم بعدها سوى أن هذه المجموعة تركت جثة حشاد هامدة في أحد الحفر إثر إطلاق رصاصة قاتلة على رأسه.
يشير ميليرو هنا إلى الاتهام الفوري الذي وجهته جريدة "العمل" لسان "الحزب الحر الدستوري الجديد" إلى "اليد الحمراء". ثم يشير إلى كيفية اكتشاف هوية بعض القتلة من قبل الشرطة التونسية حديثة النشأة إثر تسرب الموضوع بعد أربع سنوات (1956) في أحد الحانات التي كانوا يرتادونها في مدينة تونس، حانة (Au Charentais) في شارع باريس. الأول يسمى جون لوسياني (Jean Luciani) تمت تصفيته و هو يستعد لإطلاق النار على أحد مقرات "الحزب الحر الدستوري الجديد" في أحد الضواحي الجنوبية لمدينة تونس. يصف هنا ميليرو ببعض التفصيل العملية و خاصة محاولة التهرب من افتضاح أمره للشرطة التونسية (من خلال تزوير احد الاطباء المتعاونين مع "اليد الحمراء" سبب الوفاة في تصريح الدفن الخاص بلوسياني) و هو الأمر الذي لم يتم تجنبه بما أدى إلى حملة اعتقالات في صفوف متعاونين مع لوشياني بما في ذلك ثلاثة من بين المشاركين في قتل حشاد و الذين يذكر ميليرو أسماءهم كما يلي: "Rouffignac Gilbert "، و " Ruisi Christophe"، و " Aouizerat Martial".

هنا يأتي القسم الأخير و ليس الأقل أهمية من الشهادة التي ينقلها ميليرو و المتعلقة بمصير القتلة الثلاثة الذين تم اكتشافهم و اعتقالهم من قبل الشرطة التونسية. يقول ميليرو أن هؤلاء تعرضوا لـ"التعذيب" من قبل الشرطة التونسية و أن السفير الفرنسي في تونس آنذاك روجي سايدو (Roger Seydoux) قام بكل ما وسعه لإشراك ضباط فرنسيين في التحقيق حتى لا يتم الاستفراد بهم. ميليرو ينقل في الفصل الأول (الصفحتين 31 و 32) مقتطفات من رسالة مؤرخة في 22 سبتمبر 1956 أرسلها سايدو في هذا السياق إلى كاتب الدولة الفرنسي للشؤون الخارجية المكلف بالشؤون المغربية و التونسية يشرح فيها وضع المعتقلين من "اليد الحمراء" و ضرورة تقديمهم أمام محاكم فرنسية و ليس تونسية. ميليرو يتعرض أيضا لجهود محامي المعتقلين لدفع رموز فرنسية للدفاع عن المعتقلين (مثل جون مورياك و الجنرال ديغول) لكن جهوده لم تؤد إلي أي نتيجة. و هنا يقول ميليرو أن المسؤول الفرنسي الوحيد الذي تدخل بحزم في هذا الموضوع و الذي "يتميز بالدفاع عن مواطنيه" هو وزير العدلية آنذاك (أي في سبتمبر 1956) فرانسوا ميتيران و الذي أشرف على تهريبهم بعد الافراج عليهم من خلال ميناء بنزرت. ميليرو يحمل مشاعر خاصة تجاه فرانسوا ميتيران ليس لمساهمته في تهريب عناصر "اليد الحمراء" المتورطين في اغتيال حشاد من تونس فحسب بل لأنه قدم وعدا بمنح العفو العام لكل من تورط في اتهامات خاصة بـ"اليد الحمراء" و هو ما جعله يدعو أصدقاءه للتصويت لميتران في انتخابات سنة 1981.
أخيرا يمكن القيام بملاحظات عامة حول هذا النص:

أولا، فيما يخص عملية اغتيال حشاد كانت هذه الشهادة المكتوبة غير مسبوقة من حيث بعض تفاصيلها و صراحتها عند نشرها سنة 1997 غير أنها لم تكن غير مسبوقة في بعض جوانبها خاصة في مسألة دور "اليد الحمراء" في العملية. تجب الاشارة هنا إلى أن تفاصيل عمل اليد الحمراء كانت في العادة غامضة بما في ذلك دورها في اغتيال حشاد إذ أن رواية السلطات الاستعمارية أصرت على فرضية "دور تونسي" في العملية. إذ أن أول إشارة من قبل "اليد الحمراء" في اغتيال حشاد ترجع إلى سنة 1960 عندما تم نشر كتاب في شكل روائي بعنوان "اليد الحمراء" لروائي سويسري هاوي اختص في النصوص البورنوغرافية و كان يعرف باسم بيار جينيف (Pierre Genève) و اسمه الحقيقي كورت-إيميل شفايزر (Kurt-Emile Schweizer) و الذي يبدو أنه اعتمد بشكل كبير على شهادة أحد مؤسسي "اليد الحمراء" المقيمين في سويسرا. و ترد تفاصيل واضحة في هذا الكتاب (بالتحديد في الصفحة 36) عن دور "اليد الحمراء" في عملية الاغتيال. الجديد في كتاب ميليرو الصادر سنة 1997 هو الطابع الصريح غير الروائي للشهادة و خاصة الدور الرسمي الفرنسي في قرار الاغتيال و تهريب القتلة بعد أربع سنوات من ذلك. غير أن الشهادة الشفوية المعروضة في شريط "اغتيال حشاد" (قناة "الجزيرة الوثائقية" يوم 18 ديسمبر 2009) تتميز بالاضافة إلى ذلك بأنها تحدد مسؤولية الاعتراف في شخص كان يعمل يعمل في "اليد الحمراء" لايزال حيا و بالتحديد على لسانه في حين أن مذكرات سنة 1997 برغم أن كاتبها الرئيسي ميليرو إلا أن الأخير حرص على تعدد المسؤولين على الشهادات الواردة فيها و على المساهمين في الكتاب بما يخلط الأوراق. كما أن الشهادة الشفوية تقدم لنا عمق الحقد الذي يتميز به ميليرو و أمثاله من خلال تأكيده على استعداده لإعادة العملية.

ثانيا، على عكس ما يعتقده البعض لم تمر الرواية التي وردت في كتاب ميليرو بصمت حتى ورودها شفويا على قناة "الجزيرة الثقافية". إذ تفطن لها بعض المؤرخين التونسيين و الإشكال الحقيقي هو أن الاعلام التونسي و أيضا المنظمة النقابية لم يلتقطا أهمية ما ورد في هذه الدراسات. و هنا أنقل عن الصديق و الزميل محمد ضيف الله أنه وقع الرجوع إلى هذا الكتاب على الأقل في ثلاث مقالات لمؤرخين تونسيين في الدورية التابعة لـ"معهد الحركة الوطنية" و هم على التوالي:

-محمد لطفي الشايبي، "ملاحظات حول موقف الاشتراكيين الفرنسيين من تطور تجربة فرحات حشاد النقابية (1936-1952)"، روافد، ع8، 2003، ، ص 95-119
-عبد الواحد المكني، "ظاهرة الاغتيالات السياسية في تونس الخمسينات: مثال الهادي شاكر 13 سبتمبر 1953"، روافد، ع9، 2004، ص 257-268، والإشارة إلى الكتاب وردت في ص 262 الهامش 19
-عميرة علية الصغير، "حول الاغتيال السياسي في المغرب العربي (1950-1970)"، روافد، ع 9، 2004، ص 269-286. وقد وردت الإشارة إلى الكتاب 4 مرات وذلك في الهوامش:33 ص 279 والهامش 35 ص 279 ثم الهوامش 36-37-38-39 ص 280 والهامشان 42 و43 ص 281

ثالثا، مسؤولية ميليرو الشخصية في العملية غير واضحة إلى حد اللحظة. عموما ينسب اليه عمليات اغتيال في المغرب الأقصى و الجزائر (حسب مقدمة مذكراته سنة 1997 صفحة 10). لدى ميليرو سيرة في الاجرام في مجال الحق العام و ليس السياسي فحسب إذ تم اتهامه في السبعينات في قضية قتل رجل أعمال. لكنه نجح عموما في إعادة رسكلة نفسه ضمن سلك البوليس الفرنسي و عرف باسم "مارتيني". لكن من المثير للانتباه أنه يتميز عن بقية الذين كتبوا عن "اليد الحمراء" بمعلومات أكثر استفاضة و دقة بالتحديد عن اغتيال حشاد هذا عدى عن تحمسه المتواصل حتى الآن لعملية الاغتيال. تجب الاشارة أيضا أنه لم يقدم أسماء كافة الذين شاركوا في عملية الاغتيال و اكتفى بمن كانوا مقيمين في تونس عند اكتشاف أحد خلايا "اليد الحمراء" سنة 1956 بما يعني أن بعض أسماء المجموعة الارهابية التي ضمت حسب شهادة ميليرو سبعة اشخاص غير معروفة الى الآن. و هذا يعني أن المعلومات الخاصة التي يملكها ميليرو و سابقية دوره في عمليات اغتيال و قدمه في المجموعة و تواصل الغموض حول بقية الأسماء تجعل ميليرو متهما مثاليا لايزال على قيد الحياة لعملية الاغتيال.

رابعا، من الواضح أن شهادة ميليرو تتم من خلال رؤيته الايديولوجية الاستعمارية و ليست شهادة محايدة. و من هذا المنظار تحديدا يجب أن نفهم إصراره على ترديد الرواية الاستعمارية التي تم إطلاقها منذ اغتيال حشاد يوم 5 ديسمبر 1952 و التي تدعي "دورا تونسيا" في عملية الاغتيال بما في ذلك الادعاء بمعرفة بورقيبة بالعملية لنفي المسؤولية عن الطرف الفرنسي. هذه الرواية الاستعمارية أيضا تعترضها مشكلة أساسية و هي أن تعتمد على تحليل مغالط لشخصية حشاد على أنه "عميل بلشفي" بما يجعله في خلاف ضمني مع قيادة الحزب "الدستوري الجديد" و هو الأمر غير الصحيح.

خامسا، رغم نية المغالطة الواضحة في الرواية الاستعمارية حول "دور تونسي" إلا انه من الضروري الآن أن يتم التحقيق في الارشيف الرسمي التونسي بما في ذلك المصالح الأمنية و العدلية للتعرف عما جرى في التحقيق مع المعتقلين من "اليد الحمراء" في شهر سبتمبر سنة 1956 و عن حقيقة الافراج عنهم برغم اكتشاف ارتباطاتهم بمنظمة "اليد الحمراء" و عملية اغتيال حشاد. إذ أنه حسب هذه المعطيات كان من الممكن محاكمة قتلة حشاد منذ ذلك التاريخ بما أن القتلة كانوا معتقلين لدى الشرطة التونسية حديثة النشأة و التي تمكنت من كشف خيوط خلية "اليد الحمراء".

سادسا، إن النقطة الرئيسية الواردة في هذه الشهادة المكتوبة أو في الشهادة الشفوية الصادرة على قناة "الجزيرة الوثائقية" هي أن عملية حشاد هي عملية إرهاب دولة. و أنها لا يمكن أن تقف عند شخوص المنفذين الذين مات أغلبهم بل تتجاوز ذلك للمسؤولية المعنوية و السياسية لدولة فرنسا. و أنها بعد كل ذلك و ذاك جزءا بسيطا من مشروع الارهاب الاستعماري الذي استهدف إجهاض مشروع التحرر الوطني.



عدد التعاليق: 2


المصدر: موقع إسلام أون لاين (الدوحة – القاهرة) بتاريخ 18 جانفي 2010

http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=1262372432384&pagename=Zone-Arabic-News/NWALayout

الكحلاوي: مصير إدارة أوباما أشبه بمصير إدارة كارتر
حوار - هادي يحمد


اعتبر الخبير الإستراتيجي الدكتور طارق الكحلاوي، أستاذ تاريخ الشرق الأوسط في جامعة روتجرز الأمريكية، في حوار خاص مع شبكة إسلام أون لاين. نت، أن العام الأول لتولي بارك أوباما رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية لم يكن موفقا تماما في الملفات الثلاثة الخارجية الكبرى للولايات المتحدة، وهي الملف الأفغاني، والعراقي، والصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.

وأكد الكحلاوي أن الوعود الانتخابية التي أطلقها أوباما قبل وصوله إلى البيت الأبيض اصطدمت بتعقيدات الواقع، وبتركة الرئيس السابق، وبسياسات الولايات الأمريكية المتعاقبة؛ حيث بدا أن أقصى طموحات إدارة أوباما في العام الأول أن تركز على تثبيت الوضع القائم في بعض الملفات مثل الوضع في العراق ومواجهة إيران وحل الصراع في الشرق الأوسط، بينما بدا الملف الأفغاني الذي وعد أوباما بتغيير كبير فيه من أكثر الملفات التي لم تحقق فيها الإدارة، سياسيا وعسكريا، أي اختراق يذكر حتى الآن.
وفي تفسير ذلك يرى الكحلاوي أنه في مختلف ملفات الخارج التي تمثل أولوية لإدارة أوباما، كان هناك تكرار لنفس المعضلة، وهي رغبة الإدارة في إمساك العصا من المنتصف، الأمر الذي عكس ترددها في حسم ملفات خارجية ترى أنه يمكن تأجيلها مع احتمال تعثر معالجة الملفات الداخلية.

ورأى الكحلاوي أنه بمضي الوقت سوف تعمد إدارة أوباما إلى اتباع نهج إدارة كلينتون الذي أجل ملف الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي إلى نهاية عهدته الرئاسية، كما أن الوضع العراقي لم يتغير كثيرا، ومن الأرجح أنه سيتفاقم لاحقا، رغم بعض الإنجازات المحدودة التي تعود أصلا للإدارة السابقة، بينما الملف الأفغاني - الباكستاني سيبقى على ذات العقدة المستعصية، أما إيران فإنها ربما تحدد مستقبلا مصير الإدارة الحالية وبقاء أوباما والديمقراطيين في سدة الحكم من عدمه.

وبالنظر إلى تزايد فرص فشل أوباما في معالجة كافة هذه الملفات، يلفت الكحلاوي النظر إلى ما نبه إليه بعض المراقبين الأمريكيين من أن الإدارة الأمريكية تواجه مصيرا أقرب لإدارة كارتر التي لم تنجح في أواخر السبعينيات من القرن العشرين في الحد من تفاقم الصعوبات الاقتصادية مقابل الأخطاء الكبيرة في معالجة الشأن الخارجي، وخصوصا أزمة الرهائن الأمريكيين في طهران في أعقاب قيام الثورة الإسلامية.
وفيما يلي الحوار كاملا:

* بداية كيف تقيمون أداء الرئيس أوباما في تعاطيه مع ملف الصراع العربي – الإسرائيلي، خاصة أن هناك آراء في العالم العربي تذهب إلى أن الوعود التي أطلقها قبيل وصوله للرئاسة والطموحات الكبيرة بحل عادل اصطدمت في النهاية بالواقع وبالتعنت الإسرائيلي؟.

من الضروري في البداية أن نتذكر أنه برغم حالة التفاؤل العامة التي عمت المنطقة باعتلاء أوباما سدة الرئاسة، إلا أن رؤية فريق الإدارة الجديدة لهذا الملف بالتحديد كانت غامضة في أحسن الحالات، وكنت قلت على صفحات "إسلام أون لاين. نت" قبل حوالي عام أن هذا الملف لا يوجد على رأس أولويات الإدارة الأمريكية في رؤيتها لـ"الأمن القومي" بمعزل عن كل الإشارات الخطابية في هذا الصدد.
والحقيقة فإن كل المؤشرات التي أرسلتها هذه الإدارة خلال العام المنصرم أكدت تحديدا هذا التوجه، وبمعنى آخر يبدو لي أن أهم ما يميز أداء إدارة أوباما إزاء هذا الملف هو غياب الرغبة في التغيير لأجل الحفاظ على الوضع القائم مثلما وجدته مع انتهاء الحرب على غزة. وعموما نجح المكلف الرئيسي بهذا الملف، أي مبعوث الإدارة إلى المنطقة جورج ميتشيل، في القيام بهذه المهمة.
وهذا لا يعني بالضرورة أن ذلك هو الهدف النهائي لهذه الإدارة، لكنه بدون شك الهدف الذي تم رسمه في المرحلة الحالية؛ فنحن هنا لسنا بصدد فشل في تحقيق مشروع محدد، بل بصدد غياب الرغبة في تحقيق أي مشروع وفي ذلك "حل الدولتين".

يشير البعض إلى إصرار الإدارة حتى أشهر قليلة ماضية على "وقف الاستيطان" كأحد شروط إحياء "عملية السلام" مقابل رفض حكومة نتنياهو لذلك، غير أن ذلك لا يعني أن فريق أوباما حاول تفعيل مشروع ما اصطدم في المقابل بـ"تعنت إسرائيلي".
إن ما يجري على الأغلب عمليات استكشاف لأوضاع بديلة، لكن لم تكن مرفقة -خاصة في علاقته بإسرائيل- بأي مؤشرات على رغبة جدية في الضغط، وما بدا أنه "تراجع" للإدارة عن مبدأ وقف الاستيطان هو في نهاية الأمر وقف لإحدى المناورات التي تستهدف إشغال مختلف الأطراف بحالة من الحراك الظاهري، في حين أن الهدف الفعلي يبدو الحفاظ على الوضع القائم، بل وتدعيمه، خاصة في الجانب الفلسطيني.
وإذا تابعنا ممارسات الإدارة الأمريكية، خاصة في الأشهر الأخيرة، تتكشف بشكل أكثر وضوحا أنها اتجهت بالأساس للحفاظ على وضع دعم سلطة "رام الله" من خلال تقوية خطة الجنرال دايتون الأمنية، مقابل الحفاظ على وضع عزل "الحكومة المقالة" في غزة، من خلال الموازنة بين دعم "وضع الهدنة" ودعم سياسة العزل في ذات الوقت.

وفي هذا السياق قامت إدارة أوباما بتنفيذ الاتفاق الذي التزمت به الإدارة السابقة مع الطرف الإسرائيلي إثر الحرب على غزة، أي إحكام الحصار عبر البحر، والآن عبر تمويل والمساعدة في بناء "الجدار الفولاذي" على الجبهة المصرية... الأنباء التي وردت في بعض المنابر حول عمل ميتشيل خلال الأسابيع الأخيرة على منع اتفاقية تبادل الأسرى تتضمن أسماء كبيرة من مختلف أطراف المشهد السياسي الفلسطيني مثل مروان البرغوثي وأحمد سعدات -بما يمكن أن يدعم موقف "حماس"- يجب أن لا يكون مفاجئا، إذ هو أيضا تعبير عن نفس الرغبة في الحفاظ على الوضع القائم خاصة من الجانب الفلسطيني.

وفي هذا الإطار من الواضح أن مبدأ "الحوار مع الأعداء" الذي تصدر -بلاغيا- إستراتيجية الرئيس أوباما لم يشمل "حماس"، إذ لا يزال مشروطا بقبول حماس بـ"شروط الرباعية".
في المقابل وكما يجب أن يكون متوقعا، لا يبدو أن هناك ذات الحزم مع الجانب الإسرائيلي، خاصة مع تواصل بناء المستوطنات بدون قيام إدارة أوباما بأية مبادرة عملية تعكس جديتها في خصوص رفضها تواصل الاستيطان.

* هل يعني ذلك أنه لن توجد تغييرات في السياسة الأمريكية في هذا الملف؟

باستثناء الملفات المتعلقة بعمليات عسكرية فورية تستلزم قرارات آنية، فإن ملف الصراع العربي - الإسرائيلي مثل غيره من ملفات السياسة الخارجية هو رهين تفرغ أكبر من الإدارة الأمريكية من تركيزها على الملفات الداخلية. "المهلة" التي يتم الترويج لها من قبل الإدارة الأمريكية منذ أسابيع والتي تصل حسب بعض التسريبات إلى ثلاثين شهرا تعني أننا إزاء "مهلة" ليس للأطرف المعنية في المنطقة، بل "مهلة" للإدارة تسمح لها بالسباحة عبر المستنقعات الصعبة للملفات الداخلية، وبما يسمح لها الموازنة بين إشغال الأطراف الإقليمية عن أية مبادرات تحدث تغييرات دراماتيكية وعدم القيام بأي أخطاء كبيرة تؤثر على حظوظ الرئيس أوباما في الانتخابات الرئاسية القادمة.
هنا أصبح من الصعب في الحقيقة ألا نأخذ بجدية التكهنات المتزايدة التي تتحدث عن عزم أوباما اتباع ما قام به الرئيس كلينتون عندما أجل أي تدخل جدي في هذا الملف حتى نهاية عهدته الثانية؛ وهو الأمر الذي يجب أن لا يكون مستغربا؛ بسبب الثقل الخاص للموظفين السابقين في إدارة كلينتون في الإدارة الحالية، وفي ذلك في الشئون الخارجية.
لكن أسباب قيام أوباما بمثل هذا التأجيل لن تكون بهذه البساطة؛ إذ إن الثقل الكبير للملفات الداخلية، سواء الاقتصادية أو الأمنية، يجعل سياسة تأجيل النظر في ملف الصراع العربي - الإسرائيلي سياسة منتظرة إلا إذا حدثت تطورات وسلسلة ردود أفعال تخرج عن السيطرة تؤثر على التوازنات العامة في المنطقة.
في المقابل هناك بعض المؤشرات على بدء الإدارة الجديدة في تغيير الظروف العامة للعلاقات الأمريكية - الإسرائيلية في اتجاه كسب وسائل ضغط على الطرف الإسرائيلي منها: أن تلميح ميتشيل الأخير باحتمال استعمال سلاح نزع "ضمانات القروض" لم يكن اعتباطيا، وهو تعبير عن العقلية الأخرى التي نجدها في إدارة أوباما المتأثرة بسياسة الرئيس بوش الأب، والذي سبق له استخدام نفس أسلوب الضغط، لكن أهم مؤشر على رغبة الإدارة في خلق ظروف جديدة تسمح لها بضغط أكبر على تل أبيب نجده في الثقل الذي ساهمت فيه لصياغة لوبي إسرائيلي بديل في واشنطن عن اللوبي التقليدي "إيباك".

التطرف الإسرائيلي.. عقبة رئيسية أمام أوباما


لقد كانت الظروف المحيطة بتأسيس "جاي-ستريت"، تعبيرا عن الصراع داخل مجموعة بدت أنها "كتلة صماء" تدافع بدون تمييز عن السياسيات الإسرائيلية. مواقف "جاي ستريت"، وهي منظمة متكونة أساسا من يهود أمريكيين ذوي ميول ديمقراطية وأيضا ميول جمهورية معتدلة ليست "ثورية"، ولا تقطع مع بديهيات إسرائيلية من نوع "الدولة اليهودية".. لكنها في ذات الوقت تتخطى خطا أحمر عادة في السياق الأمريكي هو الدعوة لضرورة التفريق بين "اللاسامية" ونقد السياسات الإسرائيلية وفي ذلك محاولات الالتفاف على "حل الدولتين".
وفي هذا الإطار يأتي تأكيد المنظمة على موقف وقف الاستيطان في انسجام مع خطاب الإدارة الحالية، وكان حضور الجنرال جيمس جونس، مستشار أوباما للأمن القومي، الجلسة التأسيسية للمنظمة في أكتوبر 2009 رسالة واضحة لأهمية هذه المنظمة في أجندة الإدارة الحالية، وذلك رغم الضغوطات الكبيرة التي مارستها "إيباك" لتهميش الحدث ومقاطعة الهيئات الرسمية الإسرائيلية للحفل.
وقد أخذ الموضوع بعدا إعلاميا واسعا عند حدوث الصدام بين حنا روزنتال المشرفة على "محاربة اللاسامية" في إدارة أوباما والعضوة السابقة في "جاي-ستريت" مع السفير الإسرائيلي في واشنطن حول أهداف المنظمة.
هناك أيضا مؤشرات أخرى تخص محيط الإدارة والأجواء العامة المحيطة بها، وعلى سبيل المثال لو تمعنا في أداء المؤسسات البحثية الأكثر قربا من الإدارة الحالية مثل "مركز الأمن الأمريكي الجديد" (The Center for New American Security) نلاحظ استيعابه لوجوه برزت في السنوات الأخيرة بتعبيرها عن رؤية بديلة للوضع في المنطقة، وفي ذلك معرفة دقيقة بأوضاعها ونقدها الروتيني للسياسات الإسرائيلية مثل الأستاذ في جامعة جورج تاون مارك لينش، والذي لم يكن من الممكن قبل سنوات قليلة أن نتخيل وجوده في مثل هذه المراكز البحثية القريبة من صنع القرار.
من اللافت أيضا تغير لهجة بعض الوجوه التي اتسمت بلغة محافظة عادة في هذه الأوساط مثل الباحث في نفس المركز روبرت كابلان في شهر أغسطس الماضي (مجلة "الأتلنتيك" 3 أغسطس 2009) عندما عدد الأسباب التي تشير إلى ضرورة تغير العلاقات الأمريكية - الإسرائيلية، خاصة التخلي عن النظر إلى إسرائيل على أنها ذات موقع "عاطفي" وإستراتيجي خاص في الرؤية الأمريكية للمنطقة، تستوجب الانحياز اللامشروط لسياساتها.

* ننتقل إلى الملف الأفغاني، خاصة أنه كان جوهر الحملة الانتخابية في مقاومة الإرهاب بالنسبة لأوباما.. كيف ترون محصلة عام، لاسيما أن عدد الجنود الأمريكيين القتلى وصل إلى أعلى مستوياته منذ بداية الحرب في عام 2001؟.

الملف الأفغاني يجب مقاربته في الحقيقة بوصفه الملف "الأفغاني-الباكستاني"، والذي أصبح يتم الحديث عنه بمختصر "أف-باك"، خاصة على خلفية تداخل تنظيمي "طالبان" أفغانستان و"طالبان" باكستان وانتشار تنظيم "القاعدة" بين ضفتي الحدود الباكستانية - الأفغانية على مدى "التخوم" الشفافة (بشريا وجغرافيا) بين البلدين.
ومثلما ذكرت على صفحات هذا الموقع منذ حوالي عام، فإن هذا الملف على رأس أولويات الملفات الخارجية للإدارة الحالية، فهو مؤشر حقيقي عن موقع السياسة الخارجية بالنسبة لاختيارات هذه الإدارة، إذ على أهميته الاستثنائية بما أنه ملف عسكري يستوجب قرارات حاسمة وواضحة، وليس مجرد ملف سياسي؛ فقد استغرق الرئيس في مشاورات طويلة نسبيا في مختلف الاتجاهات حتى يمكن له التسويق الداخلي لزيادة في عدد القوات لا يمكن وصفها بأنها ضخمة، وهو ما يعكس الحساسية الكبيرة التي توليها الإدارة للوضع الداخلي وردود الأفعال المحلية.
وعموما انقسم هذا العام إلى مرحلة أولى تمثلت في استكشاف الوضع "الأفغاني-الباكستاني"، خاصة المساهمة في إعادة ترتيب التوازنات السياسية الداخلية في كل منهما والتشاور حول الخطة البديلة، ثم في مرحلة ثانية، وهي متواصلة الآن، أي تنفيذ الخطة البديلة (نفس الخطة التي تم تطبيقها في العراق مع تغييرات طفيفة)، والمتمثلة في الترفيع من وجود القوات وتكثيف حركتها خارج قواعدها، سواء في عمليات عسكرية أو في التواجد بين الأهالي.
ويشار هنا إلى أن وضع سقف زمني لتنفيذ الخطة، حتى في سياق الحديث على أنه عمليا سقف زمني مرتهن بنجاح الخطة، وليس حدا جامدا، إنما يعكس مرة أخرى الحساسية الكبيرة التي توليها هذه الإدارة لردود الفعل الداخلية، خاصة أننا على أبواب الانتخابات التشريعية في الولايات المتحدة.
من الواضح أن التطورات الأخيرة لا تشير إلى بداية ناجحة للخطة الجديدة، خاصة بعد عملية "خوست"، وتكرار سقوط جنود أمريكيين في المواجهات مع "طالبان"، ولو أن القيادات العسكرية الأمريكية تؤكد أن الخطة في بداية تنفيذها، وأن زيادة القوات التدريجية لم تكتمل بعد، بما يمكن اختبارها بشكل جدي، لكن هناك أيضا معطيات أخرى -إضافة للتطورات الميدانية- تجعل الإستراتيجية الجديدة محل تساؤل.. مثلا يقول الجنرال جيمس جونس إن عناصر "القاعدة" الناشطين في أفغانستان لا يتعدون المائة شخص، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول جدوى الزيادة في القوات كوسيلة ناجعة لضرب الطرف الأساسي الذي يبرر الوجود الأمريكي هناك.
وكذلك ثمة عدم واقعية في بعض أهداف خطة الزيادة في القوات مثل رفع عدد الجنود الأفغان إلى 240 ألف جندي بدلا من العدد الحالي الذي لا يتعدى 90 ألفا.. المشكل الأساسي هنا هو أن العماد الأساسي للجيش الأفغاني يتمثل في الأقلية الطاجيكية (25% من عدد السكان) التي تمثل 41% من عدد الجنود.. والأهم أنها تشكل حوالي 70% من قيادات الألوية، وفي المقابل فإن الجزء الرئيسي من التركيبة السكانية الأفغانية (أي قبائل البشتون) ليسوا ممثلين بشكل متناسب في الجيش، وهذا يعني أن الاعتماد على جيش طاجيكي بالأساس في حرب تدور أساسا في مناطق بشتونية المساهمة في دفع البشتون للاصطفاف أكثر مع "طالبان" على أسس عرقية وليس أيديولوجية بحتة.. هذا إضافة إلى أن حكم أفغانستان كان تاريخيا يتم بتوازن دقيق بين مختلف مكوناته وأطرافه، وليس من قبل حكومة مركزية، خاصة إذا كانت تعتمد على مكون عرقي أكثر من بقية المكونات.
هناك إشكال آخر كبير أيضا يقف عائقا أمام نجاح خطة الإدارة الجديدة، وهو أن "طالبان" ليست كتلة صماء؛ مما يجعل أي شراكة أمريكية-باكستانية تقف على أرض غير صلبة؛ إذ إن الحكومة الباكستانية ليست في حرب مع كل "طالبان" باكستان، بل مع بعض أجنحتها، خاصة تلك المتركزة في جنوب وزيرستان (بقيادة آل محسود)، في حين تتجه تصريحات قيادة "طالبان" أفغانستان بقيادة الملا عمر بأن "العدو الرئيس" الذي تواجهه هو الوجود الأمريكي، وأنها ليست مستعدة للانخراط في صراع مع الحكومة الباكستانية.. وهذا يعني عمليا أن فرص عقد الباكستانيين لصفقات مع "طالبان" كبيرة، خاصة في سياق تاريخ العلاقات الوطيدة بين الطرفين، في حين أن مختلف أجنحة "طالبان" تبدو على عداء مع الوجود الأمريكي.

* في الجهة العراقية.. ومع تجدد أعمال العنف في العراق والعمليات الانتحارية.. كيف تقيمون عمل الإدارة الأمريكية مع أوباما حتى الآن في خصوص هذا الملف؟.

الأرقام عموما في العراق لم تتغير كثيرا في عام 2009 مقارنة بعام 2008.. مثلا حسب آخر المعطيات التي قدمها "مؤشر العراق" (Iraq Index) التابع لمؤسسة "بروكينجز"، فإن رقم الضحايا المدنيين من العراقيين جراء التفجيرات كل شهر بقي في نهاية سنة 2009 في نفس مستواه مع نهاية سنة 2008 (أي بين 250 و350 قتيلا). لكن هذا طبعا رقم مرتفع، ولا يعكس "حالة من السلم"، لكنه أيضا لا يقارن بما كان عليه الوضع مثلا سنة 2007 عندما كان هذا الرقم يتجاوز بشكل روتيني الألفي ضحية.
أما الأرقام المتعلقة بالهجمات المعلنة ضد القوات الأمريكية وحلفائها بدت حتى أقل بعض الشيء مما كان عليه الوضع عام 2008؛ إذ تتراوح بين 150 و200 عملية في الأسبوع.. ومرة أخرى لسنا هنا بصدد "حالة سلم"، لكن لا يمكن مقارنة ذلك أيضا بما كان عليه الوضع في السنوات السابقة بما في ذلك سنة 2008.
والأرقام الخاصة بعدد القتلى من الجيش والشرطة العراقيين انخفضت بشكل ملحوظ مقارنة حتى بسنة 2008؛ إذ كانت عموما بمعدل 40 قتيلا شهريا.. لكن ذلك أيضا يعني أن الوضع ليس "مستتبا".
إن كل هذه الأرقام تشير إلى نقطة أساسية، وهي أن تراجع حدة المواجهة العسكرية لا يمكن أن يعني انتفاءها بسبب تواصل وجود وضع احتلال مرفوض من قبل قطاعات مؤثرة في صفوف الشعب العراقي.
وفي اعتقادي يجب بداية محاولة القيام بتقييم دقيق للوضع العراقي.. هناك ثلاث مسائل لا يمكن تجاهلها: الأولى انحدار وضع "القاعدة" في العراق، والثانية محدودية انخراط التحالف العربي السني في العملية السياسية التي ترعاها الولايات المتحدة، والثالثة تأثير الصراع داخل التحالف الشيعي التقليدي على التركيبة السياسية التي تم إرساؤها في ظل الاحتلال. والمسألتان الأخيرتان ستحسمان ما ستئول إليه الانتخابات التشريعية المقررة هذا العام.
بالنسبة للمسألة الأولى هناك ما يكفي من المعطيات الآن، وفي ذلك ما نشر من الوثائق الداخلية لـ"القاعدة" في العراق، من أن هذا التنظيم لم يعد يقدر على أن يكون رقما صعبا في المعادلات العراقية؛ إذ إنه -وبمعزل عن قيمة التأثير العسكري الأمريكي- فإن الوضع الذي آلت إليه "القاعدة" كان نتيجة بالأساس لقرار الأخيرة تقويض شرط وجودها العراقي، أي أسس التحالف الواعية أو الضمنية مع تحالف واسع فيما بين العرب السنة، من خلال التعالي على أسباب انخراط هؤلاء في الصراع ضد الاحتلال، وعلى تركيبتهم القبلية المعقدة، والتوهم أن "القاعدة" يمكن أن تملي على الجميع شروطها؛ وبالتالي كان عام 2009 بالنسبة لإدارة أوباما خال من "القاعدة" في العراق، وربما كانت تلك إحدى المزايا النادرة التي خلفتها الإدارة السابقة للإدارة الحالية.
غير أن عام 2009 بالنسبة للإدارة الأمريكية في العراق هو عام بداية تخلخل التحالف العربي السني الذي كان يمكن أن ينخرط في العملية السياسية بعد أن رفع الغطاء عن "القاعدة"، وربما تجسد ذلك حتى من خلال احتمال عودة بعض ممن كانوا يعملون مع القوات الأمريكية تحت تسمية "قوات الصحوة" إلى صفوف العمل المسلح ضدها خاصة إثر استهدافهم من قبل المؤسسات الأمنية التابعة لحكومة المالكي التي تسيطر عليها غالبية شيعية وترفض إدماج هؤلاء ضمن القوات الحكومية.
وعلى الأرجح فإن القرار الأمريكي بـ"الانسحاب" أو ما يعرف بـ"اتفاقية وضع القوات" (SOFA) لم يكن كافيا، ولم يلب الانتظارات السياسية للفصائل العراقية المعادية للاحتلال، خاصة ضمن المجال العربي السني؛ إذ إن تغيير تسمية قوة هائلة من الجنود يمكن أن تصل حتى 50 ألفا بعد "نهاية الانسحاب" بحلول نهاية عام 2011 بأنها "قوات للاستشارة والمساعدة" لم يكن يعني على الأغلب "انسحابا" بالنسبة لهذه الفصائل.. وهذا في حالة تم الالتزام بجدول الانسحاب مع العلم أن عدد القوات الآن لا يزال يفوق مائة ألف، هذا عدا عن الصمت حول وضع ودور القوات المتضخمة للشركات الأمنية المثيرة للجدل، والتي تجاوزت 130 ألف عنصر، وفي ذلك أكثر من 30 ألفا يحملون الجنسية الأمريكية، وكذلك هناك غموض حول وضع القواعد الأمريكية داخل العراق، والتي يتجاوز عددها 280 قاعدة، والتي بصدد التوسع في المجالات الريفية بعيدا عن المدن منذ إعلان "اتفاقية وضع القوات".

هل يتراجع أوباما عن الانسحاب؟

وفي هذه السياقات الغامضة من غير المفاجئ أن يتراجع القادة العسكريون الأمريكيون عن الانسحاب وفق الجدول المحدد مثلا في شهر مايو 2009 من إحدى القواعد الكبرى في بغداد من خلال إعادة تعريف المجال الجغرافي للقاعدة، واعتبار أنها لا توجد ضمن بغداد.
وعموما فإن هناك مزاجا عاما يجمع العرب السنة والشيعة في رفض استمرار وجود القوات الأمريكية في العراق، ولا يبدو ذلك غائبا عن صانع القرار الأمريكي؛ إذ عبر أكثر من 70% من العراقيين (في عينة تعكس التنوع المذهبي والعرقي العراقي) في آخر استطلاع رأي تم إنجازه من قبل مؤسسات إعلامية أمريكية على رأسها شبكة "أي بي سي" (في فبراير 2008) عن رفضهم لوجود هذه القوات.
ومن الواضح أن جهود حكومة المالكي الناجحة لتأجيل الاستفتاء حول "اتفاقية وضع القوات"، والذي كان مزمعا إجراؤه في يوليو 2009 يعكس شعورا بأن غالبية عراقية ترغب في اتفاق واضح يضمن انسحابا مبكرا يختلف عن الاتفاق الذي تم توقيعه.
وبرغم هذا التأجيل فإن الصراعات المتفاقمة في المشهد السياسي العراقي خاصة ضمن التحالف الشيعي التقليدي تعكس هشاشة العملية السياسية الراهنة لا غير، وتزداد كلما اقترب موعد الانتخابات التشريعية في مارس 2010، و أيضا كلما زاد الاضطراب في الداخل الإيراني الذي يترك تأثيره بالضرورة على وحدة المشهد الشيعي العراقي.
عموما وبشكل يشبه ما يحدث في علاقة إدارة أوباما بملف الصراع العربي – الإسرائيلي، فإن الرؤية الأمريكية للوضع في العراق تتجه للحفاظ على الوضع القائم، وتأجيل كل ما يمكن أن يؤدي إلى تفاقم التعقيدات الحالية، برغم أن هذا التوجه تحديدا سيؤدي في النهاية إلى تفاقمها بالفعل.

إذن يمكن القول إن إدارة أوباما لم تتمكن في عامها الأول من إنجاز تقدم يلحظ في أي من الملفات السابقة، بل إنها تعمد لتكتيك تأجيل حسم هذه الملفات لا أكثر..؟

في مختلف هذه الملفات السابقة لدينا تكرار لنفس المعضلة؛ إذ إن ثمة رغبة من الإدارة الحالية في أن تمسك العصا من الوسط، وهذا يعكس ترددها في حسم ملفات خارجية ترى أنه يمكن لها أن تؤجلها مع احتمال تعثر معالجة الملفات الداخلية (وفي ذلك ارتباطها من جهة الإنفاق المالي بالملفات الخارجية)، وتفاقم الملفات الخارجية يمكن أن يؤدي إلى التأثير على شعبية الإدارة الحالية وحظوظها في الحصول على عهدة رئاسية جديدة.
وقد نبه بعض المراقبين الأمريكيين الإدارة الأمريكية من هذا المصير، مشيرين بشكل خاص إلى ما حصل مع إدارة كارتر عندما لم تنجح في الحد من تفاقم الصعوبات الاقتصادية مقابل الأخطاء الكبيرة في معالجة الشأن الخارجي، وفي ذلك قضية "الرهائن الأمريكيين" في السفارة الأمريكية في طهران آنذاك إثر اندلاع الثورة الإيرانية.


لا يوجد أي تعليق


مجموعة على فايسبوك (هنا) في هذا الغرض خاصة بالمدونين... سأعود لكتابة تدوينة خاصة بالموضوع


عدد التعاليق: 1



نشر برباش لوغو ذكرى تأسيس الاتحاد هنا

تزامنا مع ذكرى تأسيس الإتحاد العام التونسي للشغل يوم 20 جانفي 1946 و هو الحدث الذي لعب فيه الشهيد فرحات حشاد دورا رئيسيا و انتخب على إثره أول أمين عام للمنظمة النقابية.

لمن يرغب في الإطلاع على مزيد من المعلومات، يمكن زيارة مجموعة الفايس بوك المعدة للغرض (هنا) و كذلك المدونة (هنا)...

و تفاعلا مع النقاش عبر الفايس بوك تحت عنوان



و تفعيلا... و تذكيرا بالعريضة اللي تم نشرها (هنا) للمطالبة بملاحقة قتلة حشاد... يمكن الامضاء على العريضة بإرسال الاسم و الصفة على العنوان التالي


لمن يرغب في إضافة الشعار للمدونة متاعو زيارة مدونة برباش هنا
.................

فيما يلي النص الذي تم وضعه على مجموعة "تاريخ تونس" التي أنشأها الصدديق عدنان منصر

بمناسبة ذكرى تأسيس "الاتحاد العام التونسي للشغل" أسئلة حول النقابي و السياسي


1

كانت مسيرة تأسيس حركة نقابية تونسية خالصة متعثرة قبل أن تنتهي بالنجاح في 20 جانفي 1946 مع تأسيس "الاتحاد العام التونسي للشغل". إذ كان تأسيس "جامعة عموم العملة التونسيين" بقيادة محمد علي الحامي و الطاهر الحداد في العشرينات ثم المحاولة الأخرى في الثلاثينات من قبل بلقاسم القناوي تصطدم بمجموعة من الضغوط بما في ذلك الاستعمارية و لكن أيضا الأوضاع السياسية التونسية لتفشل في النهاية في ضم العمال و الموظفين التونسيين إليها. و هكذا بقيت النقابات الفرنسية المتمركزة في تونس لسنوات عديدة خاصة نقابة "السي جي تي" القريبة من "الحزب الاشتراكي" الفرنسي الاطار النقابي الذي استوعبهم. و لهذا لا يجب أن يكون من المفاجئ أن مؤسسي "الاتحاد العام التونسي للشغل" سنة 1946 كانوا في الأساس أعضاء في هذه النقابات، إذ أن نجاح نقابة تونسية خالصة كان ممكنا بالخصوص على أيدي نقابيين خرجوا من رحم نقابات يقودها فرنسيون. و هي نقابات مرتبطة في نهاية الأمر بالوضع الاستعماري ليس بسبب ضمها لعمال من أصول غير تونسية فحسب بل أيضا بسبب ارتباطها بأطراف سياسية إذ لم تكن مشاركة في تثبيت و تدعيم الوضع الاستعماري فهي ترفض العمل على الضد منه أو خارجه بما في ذلك تلك المنتمية إلى "اليسار" الفرنسي مثل الحزبين "الاشتراكي" و "الشيوعي" الفرنسيين.

بالرغم أن تأسيس "الاتحاد" لم يكن عملا فرديا لأبرز مؤسسيه الشهيد فرحات حشاد إلا أن سيرة الأخير النقابية هي سيرة مثالية من حيث أنها تحيلنا على رحلة التجربة النضالية التي أدت بالنقابيين التونسيين إلى فهم العلاقة الوطيدة بين الوعي النقابي و الوعي الوطني بما يعكس النضج الذي بلغته الحركة الوطنية إثر نهاية الحرب العالمية الثانية. فقد كان حشاد عضوا ناشطا في نقابة "السي جي تي" التي كان يقودها النقابي الفرنسي ذي الميول الاشتراكية بوزنكي و مع تزايد حالة التفقير المتفاقمة جراء ظروف الحرب و خاصة في صفوف العمال التونسيين و قبول "السي جي تي" باستمرار حالة التمييز في الأجر ضد هؤلاء قرر حشاد و نقابيون تونسيون آخرين مع أوائل سنة 1944 البدئ في تأسيس نقابة تونسية وهكذا تم الاعلان عن "إتحاد النقابات المستقلة بالجنوب" يوم 19 نوفمبر 1944 (شغل أمانته العامة فرحات حشاد). و تم بعد ذلك بأشهر تأسيس هكيل مماثل "اتحاد النقابات المستقلة بالشمال" في 6 ماي سنة 1945 لتتشكل الأطر الأساسية التي ستمهد لتأسيس نقابة تونسية جامعة من قبل حوالي 50 نقابة أساسية من عموم القطر التونسي يوم 20 جانفي 1946 في مقر "الجمعية الخلدونية" في تونس. المؤتمر الذي تحمس لاستضافته مدير "الجمعية" الشيخ الفاضل بن عاشور و كان مدرسا بجامع الزيتونة عكس الاتساع الاجتماعي و الجهوي و السياسي و الفكري لتركيبة المنظمة النقابية الجديدة إذ تم انتخاب حشاد أمينا عاما لها و الشيخ بن عاشور رئيسا شرفيا و ضمت في صفوفها ناشطين في "الحزب الدستوري الجديد" و لكن أيضا نقابيين من أطياف فكرية مختلفة و اصول اجتماعية و جهوية متنوعة. و هكذا لم ولادة "الاتحاد" في سياق تفاعلات اجتماعية أو نقابية خالصة بل كانت جزءا من حالة وطنية عامة، إذ كان ذلك مقدمة للتحالف الوطني الواسع الذي بدأ يتشكل حول مطلب الاستقلال و هو الأمر الذي سيتجسم في مؤتمر "ليلة القدر" في شهر أوت 1946 و الذي شارك في إنجاحه "الاتحاد العام التونسي للشغل".

2

اخترت أن أضع هذا النص على صفحة مجموعتنا هذه و ليس صفحتي الشخصية لأنني آمل أن تكون هذه المجموعة ليس مجالا لتبادل الروابط و قص و لصق نصوص مصدرية على أهمية كل ذلك بل أيضا مجالا للنقاش المؤسس على شيء من التوازن و الهدوء و هو الأمر الذي بدأ يحصل فعلا و لو بشيء من البطئ في ركن النقاشات هذا.

كتبت هذا النص في سياقات مختلفة خاصة و معرفية و سياسية: منها الذكرى القريبة لتأسيس منظمة قريبة من نفسي و هي المناسبة و التي لا يبدو أنها ستكون "احتفالية" مثلما جرت العادة هذا العام، و منها تفاعلات موضوع اغتيال حشاد التي أثيرت في الأسابيع الأخيرة، و منها أجواء الصرع النقابي الموسمي بمناسبة المؤتمرات النقابية القطاعية و الجهوية. من بين الأسئلة التي راودتني (و التي لن أطرحها من موقع أكاديمي فحسب بل من زاوية تجريبية، تفكير بصوت عال):

- على ضوء ما نعرفه عن حشاد بأثر رجعي كيف يمكن تصنيف الرجل؟ تبعا لبعض المقاييس التي يمكن وصفها بالمؤدلجة و الجامدة لدى البعض فإنه من غير الممكن أن يتم تصنيف شخص أو طرف ضمن "اليسار" حتى لو كان نقابيا، و في نفس السياق لا يمكن (حسب ذات المقاييس) أن نمنح لقب "اليسار" لشخص أو طرف إلا ضمن إحداثيات من نوع "التقدمي" و "الحداثي" و غير ذلك و هي توصيفات حمالة أوجه و تتجاوز الممارسة النقابية للتصور الفكري، و الأهم من ذلك تخضع لتقييمات مختلفة إذ ما أعتقد أنه "تقدمي" ليس ضرورة ما تعتقده أنه "تقدمي"، و هكذا ننزاح إلى المعايير الايديولوجية في التصنيف النقابي. و على هذا الأساس هل "يسمح" البعض بالنظر إلى حشاد على أنه "يساري" و هل "يسمح" نفس البعض على النظر إلىه كـ"تقدمي" و "حداثي"؟ ماذا عن مشائخ الزيتونة الذين انضموا للحدث التأسيس للاتحاد بما في ذلك الشيخ الفاضل بن عاشور؟ ألا يكفي أن يكون شخص أو طرف منخرط بجدية في العمل النقابي المطلبي حتى يكون "يسارا" أو "يسارا حقيقيا" أم أنه يحتاج إلى تطعيمات أخرى من قبيل "النقابية الثورية"؟ ثم كيف يمكن أن نصنف في هذا السياق أطراف أو أشخاص كانوا "تقدميين" (قياسا بمقاييس البعض المشار إليهم أعلاه) من قادة و ناشطي النقابات الفرنسية "اشتراكية" كانت أو "شيوعية": هل هم "يسار" حتى لو كانوا غير معنيين تماما أو بجدية بمشروع التحرر الوطني آنذاك؟

-سؤال آخر قديم يتجدد كلما نعترض حدث تأسيس مؤسسة أنشأتها "الحداثة" (مثل النقابة أو الحزب..) في بلد يخضع للاحتلال (و هي أسئلة تهم أيضا الأوضاع ما بعد الكولنيالية): ألم تكن النقابة التونسية ممكنة جزئيا في أقل الأحوال بفضل ما يمكن تسميته بالنقابة الاستعمارية، أو النقابة الفرنسية المؤسسة في سياق استعماري؟ أليس تحديث الوسائل النضالية للتحرر الوطني بما في ذلك من خلال تأسيس نقابات و أحزاب تونسية هو نتاج للاحتكاك و التفاعل مع النقيض أي الاستعمار ذاته؟ و بأثر رجعي كيف يمكن لنا أن نخوض نقاشا حول المرحلة الاستعمارية دون السقوط في القراءات ذات البعد الواحد، المسيسة في هذا الاتجاه أو ذاك، في اتجاه تبرير الاستعمار و المنطق الكولونيالي أو استعداء كتل اجتماعية و ثقافية كاملة؟

طبعا لدي إجاباتي أو الأصح مقدمات لاجابات على هذه الأسئلة أتركها لتفاعل النقاش إن حصل نقاش و ذلك بدافع تجنب التلقين و إدعاء امتلاك نهايات هذا الموضوع



عدد التعاليق: 4


تقرير في "إذاعة هولندا العالمية" يحتوي على مقتطفات من حوار أجراه معي معد التقرير حول التطورات الأخيرة داخل جماعة "الاخوان المسلمين" خاصة اثر الانتخابات الداخلية الأخيرة... النص المكتوب للحوار تضمن رغم ذلك بعض الأخطاء حتى في الرسم و حتى أشياء لم أقلها (مثلا "اللحية"...) و لم يتضمن الكثير من الأشياء التي قلتها..

الرابط:
http://www.rnw.nl/ar/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9/article/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D8%B5%D8%B1-%D8%B5%D8%B1%D8%A7%D8%B9-%D8%BA%D8%A7%D9%85%D8%B6-%D9%88%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%A8%D9%84-%D8%A3%D9%83%D8%AB%D8%B1-%D8%BA%D9%85%D9%88%D8%B6%D8%A7#

على كل ما صرحت به لا يختلف كثيرا عما كتبته في مقال بالانجليزية منذ فترة على هذا الرابط
http://www.middle-east-online.com/english/opinion/?id=36322


الأخوان في مصر: صراع غامض... ومستقبل أكثر غموضا
تاريخ النشر : 10 January 2010 - 10:00am | تقرير: طارق القزيري

تقرير : طارق القزيري إذاعة هولندا العالمية/ في وقت تستعد فيه جماعة الأخوان المسلمين لإعلان اسم مرشدها العام الجديد، من بين القياديين، محمد بديع ورشاد اليومي، وذلك بنهاية ولاية أولى لم يتم تجديدها للمرشد السابق مهدي عاكف، تمر الجماعة بواحدة من أخطر المنعطفات في تاريخها، خاصة وأن خلافاتها، باتت شأنا عاما ولم تقتصر على أروقة الجماعة ودهاليزها...

لكن حجم تأثر الجماعة فعلا بذلك وكيفية ذلك، هي مدار جدل كبير، في واحدة من أكثر الأطراف السياسية والإيديولوجية تأثيرا في التاريخ السياسي العربي الحديث.

► صراع .. وغموض

ولم ينف القيادي اللامع في الجماعة عصام العريان في مقال كتبه وجود أزمة قائلا " هناك أزمة حاليا، ولكن سبقتها في تاريخ الإخوان أزمات أشدّ وأخطر (...) وقد كان إصرار الإخوان على تجاوز تلك الأزمات (...) قوياً مهما كانت الخسائر."

ولكن طارق كحلاوي أستاذ دراسات الشرق الأوسط بـ "جامعة روتجيرس" بفرجينيا بالولايات المتحدة، يرى غموضا مختلفا في الأزمة "القضية ليست في وجود الصراع من عدمه، بل في طبيعة هذه الصراع، فما ينشر في الإعلام يصوّره خلافا بين إصلاحيين ومحافظين، لكن استقالة محمد حبيب – وهو يعتبر إصلاحيا - الذي أعترض سابقا على تصعيد العريان لمكتب الإرشاد، وعدم وجود برنامج إصلاحي محدد الملامح لدى أي طرف، يجعل القضية غامضة بالفعل". كما يقول للقسم العربي بإذاعة هولندا.

وبلغت شدة الخلاف إلى أن السيد محمد حبيب قال رويترز تعليقا على انتخابات الجماعة الأخيرة أنه "يمكن للحكومة أن توفر أجواء ومقدمات ما للوصول إلى نتيجة تريدها... الأجواء التي وفرها النظام توافقت مع أهداف الفريق المستفيد من إجراء الانتخابات في الوقت الحالي."

♦ مربع التحديات ومثلث الرهانات



ولكن هل كانت الأزمات السابقة فعلا أخطر؟ وهل يمكن للجماعة تجاوز الأزمة الراهنة؟ ربما يمكن النظر في ذلك عبر تحليل (مربع من التحديات) و(مثلث أخر من الرهانات) ومدى تأثر الثانية بالأولى حيث يتحدد بتلك المعادلة وآلية إدارتها مستقبل الجماعة الأشهر في تاريخ الإسلام السياسي المعاصر.

♦ التحديات :

أولها المواجهة الأمنية أسهمت الضربات الأمنية بالغة العنف وحتى الدموية، من قبل النظام المصري تاريخيا لتأسيس نمط وعقلية ومنهج تعامل لدى الجماعة يعتمد على شكل من السرية والانكفاء الداخلي، والاهتمام بتقوية الجماعة عموديا عبر التنشئة "الإيمانية"الداخلية بضمان ولاء الأعضاء للجماعة، وأفقيا بزيادة تمدد الجماعة ضمن المؤسسات المدنية والنقابات والجامعات والمجتمع عموما.
لكن المواجهة الأمنية، ومع تزايد شعارات حقوق الإنسان والحريات محليا ودوليا، أدى لتراخي تلك القبضة، ما حدا بالتفاعلات الداخلية للجماعة بان تتغير تبعا لذلك لصالح نوع من الاسترخاء أدى لتغيير أنماط التفكير لدى أجيال لم تعش الأزمة فعلا، مقابل نواة التنظيم او القطبيين، وارثي محنة 1965، الممسكين حتى الآن بزمام الجماعة. ولاشك ان هذا التغيير يفرض مهمة تفكير جديد مختلف ومناسب. من هنا يشكو القيادي عبد المنعم أبو الفتوح لوكالة رويترز كون الجماعة "زادت محافظة في فكرها بعد سنوات من القمع وحجب حريتها في التجمع والمشاركة" ويضيف "مساحة الاتفاق بين شخصي الفقير وبين قيادات أخرى (هي) مساحة كبيرة. لكن شكلا من أشكال الأداء عند البعض عندنا يتسم بالتزمت والتشدد وأنا ضد هذا."

ثقل الثقل السياسي


والتحدي الثاني هو الثقل السياسي، فالمشاركة السياسية للجماعة، ودخول الناجح للعبة الانتخابات البرلمانية، وثقلها النيابي الحالي بمجلس الشعب، فرض على الجماعة حقيقة أن لها جناحين، احدهما قيادة الجماعة، والثاني أعضاؤها البرلمانيون، ولا يدل على بروز الاختلاف من دعوة فريد عبد الخالق أحد الشخصيات التاريخية للجماعة "الذي دعا برلمانيي الجماعة لتشكيل حزب سياسي وأن يفصلوا بين الأداء الدعوي والسياسي". فالجسم السياسي للجماعة يتزايد وعيه بذاته أولا، وبتغير رؤيته لظروف الجماعة، نسبة لقيادة الجماعة.




► السلفية وتأثيراتها




"النمو السلفي" هو ثالث تحديات الجماعة، فالجماعة التي عرفت دائما، كيف تستوعب مختلف الإسلاميين مهما اختلفت توجهاتهم وتباينت مستوياتهم، تواجه اليوم انتشار التوجه السلفي في المجتمع المصري عموما، يقول السيد كحلاوي في حديث لإذاعة هولندا "لم يكن معروفا على الإخوان تمسكهم بالإسلام الخارجي كاللحية واللباس وغيره، واليوم بات النقاب والحجاب والمظاهر الخارجية، ترتبط بالجماعة أكثر فأكثر، ولا يقتصر الأمر على هذا، ولكن مع نمو هذا التوجه داخل قيادة الجماعة، فسيكون له تأثير على تفكيرها العام، وحتى تحالفاتها الإقليمية، ضمن رؤية التيار السلفي الذي يرى نفسه ضمن إطار أهل السنة والجماعة، بما يعني هذا من دلالات طائفية ربما، في مواجهة مشاريع أخرى لدول وجماعات مختلفة كإيران وحزب الله مثلا".




وقد قال ناجح إبراهيم احد قيادي الجماعة الإسلامية المصرية أن جماعته بعد مراجعاتها باتت في مربع واحد مع "الإخوان المسلمون".



► الإنترنت والميديا الجديدة .. الشفافية والكفاءة

رابع التحديات هو "ثورة الاتصالات وتحدي المعلوماتية" فالجماعة التي كانت هي مصدر أخبارها لأعضائها، وترسم توجهات الرأي العام داخلها، باتت اليوم مجرد طرف واحد من أطراف عدة تتناولها، ولم تعد قاعدة الجماعة ترضى بالغموض أو التصريحات التعبوية والإيمانية، وعلى موقع مثل الفيسبوك، او مدونات شخصية أخرى، يكتب نشطاء الإخوان نقدا مريرا لقيادتهم، سواء لعدم شفافيتهم أو عدم كفاءتهم الإعلامية مثلما حدث عند استضافة قناة الجزيرة للأمين العام للجماعة محمد عزت. وهو ما حدث أيضا عند نشوب أزمة تصعيد عصام العريان لمكتب الإرشاد.

♦ الرهانات

ربما يمكن الاختلاف حول مدى تأثر الجماعة بهذه التحديات، وكذلك مدى قدراتها على الاستجابة لها، لكن أيا يكن الحال، فإن الرهانات القادمة على الجماعة تتطلب منها لتخرج من عنق زجاجتها، وبلغة السيد عصام العريان نجاح "الإخوان في استعادة الثقة في أنفسهم (...) وبالتالي يستعيدون ثقة الناس". تتطلب مراعاة الفصل في قضايا منها ثلاث جوهرية:

► آلية القيادة ومدى التجديد : وفي مقاله يحدد العريان مواد معينة في لوائح الإخوان يجب تفعيلها، لكن مجرد تفعيل القوانين ربما لم يعد كافيا ويرى كحلاوي أن "رفض الفصل بين الدعوي والخيري والسياسي، يعني أن الإصلاح مجرد أمنية، بعيدة عن الجماعة، ويحيل مشروعها ذلك لتكرار تجربة في ظروف مختلفة. رهان الجماعة في تطوير مؤسساتها وهيئاتها، وفق نفس اللحمة السابقة، وهذا ما يعني عدم الاكتفاء بالشعارات "والحب في الله" وحتى الآيات القرآنية، بل بالاعتراف بأن الخلاف السياسي نفسه ليس عيبا، وأن هذه الأزمة لا تعني سوى عدم قدرة الجماعة مؤسساتيا على تفريغ حمولة تناقضاتها الطبيعية بشكل سلس وديمقراطي.


► الرهان الثاني النظر في نمط الأداء السياسي: فتجربة الأخوان بقدر ما هي مقيدة بمنافسها الحزب الوطني الذي يحتكر المنافذ في الغالب المطلق، فهي لم ترق لتشكل بديلا سياسيا فعليا، واقتصرت مداولاتها البرلمانية على قضايا أخلاقية محض، أو مناصرة قضايا مثل غزة. وتطوير الأداء السياسي، سلاح ذو حدين فمن جهة يبدو ضروريا لتكون مشاركتها حداثية ومناسبة، وتمنع عنها النقد بقصورها ومراهقتها السياسية ومن جهة أخرى فكما يرى طارق كحلاوي "كلما توغلت في السياسية كلما تخلت عن خطابها المقدس وصارت أكثر دنيوية، ووافية". والرهان هو مقاربة جديدة من الجماعة للموازنة بين الحدين، بما لا يصرف عنها قاعدتها، ولا يثنيها عن مشاركة سياسية فاعلة تحتاجها هي نفسها، في خدمة مشاريعها وأهدافها.


► الرهان الثالث الأجيال الجديدة: برغم كل الضجيج الذي يقال عن الأجيال الشابة في جماعة الأخوان المسلمين، إلا أن هذه الشريحة أثبتت عدم فعاليتها على الأقل بالشكل الذي ترسم به من خارج الجماعة، فانتخابات مكتب الإرشاد، بينت أن تأثيرات تلك الأصوات محدودة في داخل جسم الجماعة، ويرى كحلاوي إضافة لهذا أنن "ثمة تضخما في صورة الجيل الجديد، لا يعكس وزنه الحقيقي، ولكن ربما يؤدي هذه التمايز لتوعية المجموعة بنفسها أكثر، وجعلها أكثر انتقادا". وفي هذه الحالة فإن عدم قدرة الجماعة على استيعاب هذه الأصوات وهي نوعية بالفعل، سيحرمها من مدد شبابي يزيل – أو يخفف ترهلها – بعد تجاوزها للثمانين عاما.



مستقبل الأخوان يبدو غامضا، بسبب أن قدرة الجماعة على تفعيل قدرة مؤسساتها الداخلية، لازال مثار سؤال كبير، وهل يمكن ان يكون هنا أبلغ من كلام ابوالفتوح "اذا دارت عجلة الديمقراطية وانفتح المناخ الديمقراطي قد يكثر الاخوان المسلمون ويصبحون عدة (جماعات)... ممكن أن ينشأ تنظيم أقوى من الاخوان كما هم الان أو ممكن أن يكونوا خمسة أو ستة تنظيمات أو أكثر."


إذا بتحدياتها ورهاناتها... سيظل المشهد السياسي المصري – وخلفه العربي عموما – في انتظار لون الدخان الأخواني المنبعث، وستكون الانتخابات البرلمانية المصرية القادمة، إشارة حاسمة، لمعرفة هل استطاعت الجماعة فك إسار تجربتها، والدخول في جدلية واقعها؟ أم تعزز انكفاءها، على اجتماعات الأسر، وقراءة الأوراد.. وانتظار المجهول أو ربما حتى "أسمى الأماني"؟؟.


لا يوجد أي تعليق


إضغط على الصورة لقراءة التقرير

لم يقع نقل كل ما قلت.. سعيد أنه تم التعرض لجهود المجموعة التي ساهم في إنشائها عدد من المدونين على الفايسبوك و إلي وصلو عدد أعضائها حوالي 1690 شخص (هنا)... و طبعا المدونة الخاصة بالعريضة (هنا)... فمة مقترح بالمناسبة لتنشيط هذه الحملة مع قدوم ذكرى 20 جانفي أي تاريخ تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل و إلي طبعا فرحات حشاد لعب فيه دور رئيسي... على كل المهم قضية حشاد و هذا الزخم الاعلامي حول الموضوع على أمل أن يؤدي إلي تحمل كل طرف مسؤولياته بدون توظيف من أي نوع كان
الرابط هنا
http://www.rnw.nl/ar/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A9/article/%D8%AA%D9%88%D9%86%D8%B3%D9%8A%D9%88%D9%86-%D9%8A%D9%81%D8%AA%D8%AD%D9%88%D9%86-%D9%85%D9%84%D9%81-%D8%A7%D8%BA%D8%AA%D9%8A%D8%A7%D9%84-%D9%81%D8%B1%D8%AD%D8%A7%D8%AA-%D8%AD%D8%B4%D8%A7%D8%AF-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-58-%D8%B9%D8%A7%D9%85%D8%A7


عدد التعاليق: 1


طارق الكحلاوي
نشأ طارق في أحد مدن الضواحي مدينة رادس الواقعة في الجمهورية التونسية. يشغل الآن موقع أستاذ في جامعة روتغرز (قسمي التاريخ و تاريخ الفن). تلقى طارق تكوينه الجامعي في جامعة تونس (كلية 9 أفريل، إجازة و دراسات معمقة في التاريخ و الآثار) و جامعة بنسلفانيا (رسالة دكتوارة في تاريخ الفن). و يعلق بانتظام على القضايا و الاوضاع العربية باللغتين العربية و الانجليزية في مواقع و صحف مثل "الجزيرة.نت" و "القدس العربي" و "الحياة" و "العرب نيوز" و "ميدل إيست أونلاين"، و يكتب عمودا أسبوعيا في جريدة "العرب" القطرية. يكتب أيضا في قضايا ثقافية و نظرية تخص الاسلام المعاصر في المجلة البيروتية "الآداب". و تمت استضافته للتعليق في قناة "الجزيرة الفضائية" و قناة 13 "بي بي أس" (نيويورك).

Tarek Kahlaoui
Tarek grew up in the suburban city of Rades in Tunisia. He is currently an Assistant Professor at Rutgers University (a joint position in the Art History and History departments). Tarek graduated from the University of Tunis (Bach. and DEA in history and archeology) and University of Pennsylvania (Ph.D. in history of art). Tarek also comments regularly in Arabic and English on Middle Eastern issues and politics in Aljazeera.net, Al-Quds Al-Arabi, Al-Hayat, Arab News, and Middle East Online, and writes a weekly column for the Qatari newspaper Al-Arab. He also writes on intellectual and theoretical issues related to contemporary Islam in the Lebanese magazine Al-Adab. He was also invited to comment in Al-Jazeera Channel, and in Channel 13 (PBS-New York).